62
إشراقات محمدية في سيرة خير البرية
الكاتبة سلوى عبد الستار الشامي
ولد النبى محمد صل الله عليه وسلم بمكة ، فى الثانى عشر من ربيع الأول عام٥٣ قبل الهجرة، واستقبله جده عبد المطلب بكل مشاعر الفرح والسرور .
وعندما قام عبد المطلب بتسمية النبى محمد اندهش العرب فلم يكن ذلك الإسم مالوفاً لذلك سألوه لم رغب عن أسماء آبائه؟ فأجاب: أردت أن يحمده الله فى السماء ، وأن يحمده الخلق فى الأرض ، ورغم حنان الجد وقلبه العطوف على حفيده إلا أن النبى جاء الدنيا يتيماً فوالده عبدالله توفى قبل أن يراه ، لكن هذا اليتيم مقدر له من اللحظة الأولى أن كل شىء سيسخر له ليصبح إمام المرسلين وخاتم النبيين وهدى ورحمة للعالمين .
وقال الرسول صل الله عليه وسلم عن نفسه “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ،واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بنى هاشم ، واصطفانى من بنى هاشم ” ، وبذلك قد عبر النبى عن نسبه حيث ولد فى أسرة لها شأنها أسرة ذو معدن أصيل جمعت خلاصة مافى العرب من فضائل .
عاش محمد صل الله عليه وسلم فى بنى سعد حتى أكمل عمره الخامس وخلال هذه الفترة تعرض الرسول لحادث شق الصدر ، عن أنس : “أن الرسول صل الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرجه فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه ” . وجاء الغلمان يهرعون إلى مرضعته السيدة حلبمة ، أن محمداً قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون ، وهذه القصة تكررت مع النبى مرة ثانية عندما جاوز الخمسين من عمره ، فعن مالك بن صعصعة أن الرسول صل الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسرى به ” بينما أنا فى الحطيم – وربما قال فى الحجر- مضطجع بين النائم واليقظان اتانى ات ، فشق ما بين هذه إلى هذه – يعنى ثغره نحره إلى شعرته ، قال : فاستخرج قلبى ، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيماناً ، فغسل قلبى ، ثم حشى ثم أعيد ” ، ومن تلك الحادثتين يمكن استنتاج أن قلب النبى تولاه الله حيث التدلى والتطهر والمعافاة من الملوثات التى تصيب القلب .
الله يأمر النبى بإظهار الدعوة ، فعن بن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت الآية وأنذر عشيرتك الاقربون ، صعد النبى صل الله عليه وسلم على الصفا ، فجعل ينادى ” يا بنى فهر ، يا بنى عدى ” لبطون قريش حتى اجتمعوا – فجعل الذى لم يستطع أن يخرج ، يرسل رسولاً لينظر من هو ؟ ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال النبى صل الله عليه وسلم * أرأيتم لو اخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى ؟ ، قالوا ما جربنا عليك كذبا ، قال ” فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد ” ، فقال أبو لهب ، تبا لك سائر اليوم ! ألهذا جمعتنا ؟! ، فنزل قول الله تعالى ” تبت يدا أبى لهب وتب “.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صل الله عليه وسلم حين أنزل الله عليه وأنذر عشيرتك الأقربين ، فقال ( يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغنى عنكم من الله شيئا ، يابنى عبد المطلب لا أغنى عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغنى عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت رسول الله سلينى ما شئت من مالى لا أغنى عنك من الله شيئا ) ، وبهذه الصيحة العالية فقد فاصل النبى قومه على دعوته وأوضح لهم إن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم ، ولقد عانى الرسول صل الله عليه وسلم أثناء إظهار دعوته أشد المعاناة لكن ، كل المصاعب والآلام تهون فى سبيل نشر الحق .