بقلم سامية البابلى
شيخوخة العقول لا تأتي دفعة واحدة، بل تزحف بهدوء. العمر لا يُقاس فقط بعدد السنوات التي نعيشها، بل أيضًا بمدى شباب عقولنا وقدرتها على التفكير والإبداع والتفاعل. كثير من الناس يشيخ عقلهم وهم في أوج شبابهم، لا لأن خلايا المخ ضعفت، بل لأنهم توقّفوا عن التعلم، واكتفوا بالمألوف، وأغلقوا أبواب الفضول المعرفي. مع كل فرصة للتفكير تُهمل، وكل فكرة جديدة تُرفض، وكل عادة قديمة تُقدّس دون مراجعة. وهي ليست قدرًا حتميًا، بل حالة يُمكن تفاديها والتعافي منها.
التوقف عن التعلم والإنغلاق الفكرى:
من أسباب الشيخوخة النظر لكل فكرة غير مألوفة على أنها خطر أو عبء . العقل مثل العضلة؛ إذا لم يُستخدم يضعف. التوقف عن اكتساب معارف جديدة أو مهارات مختلفة يجعل خلايا الدماغ أقل نشاطًا، ويُفقده مرونته. حتى أبسط أنشطة التعلم، كالقراءة، مشاهدة محاضرة، أو ممارسة هواية جديدة، تعمل كتمارين ذهنية تُبقي العقل يقظًا، فالخوف من التغيير
والتمسك بما هو مألوف ورفض كل جديد بدافع الخوف يُغلق الأبواب أمام فرص التطور، وشيئًا فشيئًا يفقد مرونته وقدرته على التكيّف
الروتين القاتل ورفض التغيير:
حين يتحول اليوم إلى نسخة مطابقة من الذي سبقه، دون تحديات أو أفكار جديدة، يبدأ العقل في الاعتياد على السهولة والخمول. الروتين الطويل يُطفئ الحماس، ويُضعف قدرة الدماغ على الابتكار وحل المشكلات. وعدم تقبّل وجهات النظر المختلفة والتمسك الشديد بالماضى والحنين الدائم لما كان، ورفض التغيير مهما كان نافعا. فالعقل المنغلق يشيخ بسرعة لأنه يفقد فضيلة المراجعة والتصحيح ويؤدى إلى الكسل الذهني فى عدم الرغبة في تعلم شيء جديد أو خوض تجارب مختلفة.
الإجهاد النفسي المستمر :
الضغوط المتراكمة، القلق المزمن، والبيئة المشحونة بالتوتر تؤثر مباشرة على صحة الدماغ. حين يكون العقل مشغولًا بالدفاع ضد الضغوط طوال الوقت، يقل تركيزه على النمو والتعلم، وتضعف قدرته على التفكير بصفاء.وهذا يؤدى بدوره إلى إهمال الصحة الجسدية وإضعاف الدورة الدموية، وقلة النوم، وسوء التغذية كلها عوامل تُقلّل من كفاءة الدماغ. صحة الجسد والدماغ مترابطتان؛ فالجسم المتعب يُرهق العقل، والعقل المرهق يعجز عن الإبداع والتجديد
كيف نحافظ على شباب عقولنا؟
لكي نحافظ على شباب عقولنا لابد أن نجعل القراءة عادة والتعلم مستمر وطلب المعرفة فى كل مجال يثير إهتمامنا.نعطى فرصة لأنغسنا وللآخرين للإستماع إلى وجهات نظر مختلفة حتى إن لم نتفق معها…نستكشف تجارب جديدة ؛ نسافر، نغير روتيننا، نتعلم هوايات لم نجربها من قبل. نراجع آراءنا ونكون مستعدين للتغيير الذي يؤدى بدوره إلى المرونة الفكرية ،
شيخوخة العقول هي استسلام صامت يفقد معه الإنسان متعة الاكتشاف، وجرأة التجربة، وبهجة التغيير. أما العقل الذي يبقى شابًا فهو ذلك الذي لا يخشى التعلم مهما تقدّم به العمر، ولا يخاف التجديد مهما ترسخت عاداته
كاتبة المقال
الأستاذة سامية البابلى
كاتبة كتابة مقالات ومراجعات الكتب وتبدع في الفن التشكيلي والديكوباج وتؤمن بأن التعبير الإبداعي بالكلمة والريشة .
