التوقيت الصيفي وأثره في مصر بين الترشيد والارتباك والرفض والتأييد
عادت مصر رسميًا لتطبيق التوقيت الصيفي منذ عامين من الأن تحديدا في العام قبل الماضي 2023 وذلك بعد انقطاع دام نحو 7 سنوات ، وذلك بقرار حكومي وسط حالة من الرفض من قبل البعض والتأييد من قبل البعض الأخر .
كتبت / ماريان مكاريوس
يهدف إلى ترشيد استهلاك الطاقة ومواكبة التغيرات المناخية العالمية. ويُطبق التوقيت الصيفي هذا العام للسنة التاسعة في تاريخ تطبيقه المتقطع في مصر، ما يعكس استمرار الجدل حول جدواه وأثره.
وكما هي العادة مع كل قرار له طابع زمني شامل، انقسمت الآراء ما بين مؤيد يرى في الخطوة حلاً اقتصاديًا ضروريًا ، ومعارض يعتبره إجراءً مربكًا وغير فعّال في السياق المصري.
فما هو التوقيت الصيفي؟ ولماذا أعيد العمل به؟ وما هي آثاره على المواطن المصري والاقتصاد الوطني؟
ما هو التوقيت الصيفي؟
يعني التوقيت الصيفي تقديم الساعة بمقدار 60 دقيقة عن التوقيت الرسمي خلال أشهر الصيف، حيث تُضبط الساعة في بداية تطبيق القرار، ثم تعاد مرة أخرى مع نهاية فصل الصيف. الهدف الرئيسي منه هو الاستفادة لأطول فترة ممكنة من ضوء النهار الطبيعي، وبالتالي تقليل الاعتماد على الإضاءة والطاقة الكهربائية.
خلفية تاريخية
لم يكن التوقيت الصيفي غريبًا عن مصر؛ إذ بدأت الدولة تطبيقه لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي، ثم تعاقبت فترات تطبيقه وإلغائه حتى استقر القرار على إلغائه نهائيًا في 2015 بسبب “عدم تحقيقه وفورات ملموسة” حسب تصريحات حكومية آنذاك. إلا أن أزمة الطاقة العالمية، وارتفاع فاتورة استيراد المواد البترولية، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، دفعت الحكومة لإعادة النظر في هذا القرار.
الأهداف الاقتصادية من العودة
تطمح الحكومة المصرية من خلال تطبيق التوقيت الصيفي إلى تقليل استهلاك الكهرباء، خصوصًا في أوقات الذروة المسائية، وبالتالي تقليل الضغط على محطات التوليد وتوفير الوقود اللازم لتشغيلها. وتشير تقديرات وزارة الكهرباء إلى أن العودة للتوقيت الصيفي يمكن أن توفر ما يعادل 150 إلى 200 مليون جنيه سنويًا من فاتورة الطاقة، بالإضافة إلى تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الحرق المباشر للوقود.
تأثيرات على المواطن: بين الراحة والارتباك
من الناحية النظرية، يتيح التوقيت الصيفي للمواطن الاستفادة من ضوء النهار لفترة أطول، مما يُسهم في تحسين نمط الحياة اليومية ويشجع على النشاطات الخارجية. لكنه في الواقع، يسبب ارتباكًا في مواعيد النوم والاستيقاظ، خاصة خلال الأيام الأولى من تطبيقه. العاملون في ورديات ليلية، وطلاب المدارس، والمصلون في الفجر، هم الأكثر تأثرًا، إذ يُضطرون لإعادة جدولة أنشطتهم بما يتماشى مع التوقيت الجديد.
كما اشتكى بعض أصحاب الأعمال والمطاعم من أن تقديم الساعة قد يؤثر سلبًا على حركة الزبائن في الساعات المسائية، في حين يرى آخرون أنه يعزز من ساعات التشغيل الفعلي في النهار.
آراء الخبراء: هل هو فعال في مصر؟
يرى عدد من خبراء الاقتصاد والطاقة أن نجاح التوقيت الصيفي في تحقيق أهدافه يعتمد بشكل أساسي على طبيعة البنية التحتية للقطاع الكهربائي ومدى استجابة السلوك الاستهلاكي للمواطنين. في دول مثل ألمانيا أو الولايات المتحدة، حيث تعتمد الكثير من الأنشطة على الإضاءة الصناعية، أثبت التوقيت الصيفي فعاليته. أما في مصر، حيث تميل أنماط الحياة للبدء مبكرًا نسبيًا وينخفض الاعتماد على الإضاءة في كثير من القطاعات، فقد لا يكون الأثر الاقتصادي كبيرًا بالشكل المرجو.
من جانبه، أكد الدكتور محمد شوقي، الخبير في مجال الطاقة، أن “توقيت الذروة في مصر يختلف عن الدول الأوروبية، وبالتالي لا يمكن نقل التجربة كما هي”، مضيفًا أن “الترشيد الحقيقي للطاقة يتطلب حزمة من الإجراءات، تشمل تحسين كفاءة الأجهزة، والتوسع في الطاقة المتجددة، وزيادة الوعي المجتمعي”.
يبقى التوقيت الصيفي أداة ضمن أدوات الدولة للتعامل مع التحديات الاقتصادية والبيئية، لكنه ليس حلاً سحريًا. نجاحه أو فشله يعتمد على مدى تنسيقه مع سياسات الطاقة العامة، ومدى تقبل المجتمع له. وبين مؤيد ومعارض، يظل المواطن هو المحور الأساسي في هذه المعادلة، التي تحتاج دومًا إلى قراءة متأنية للواقع المصري، لا مجرد تقليد لتجارب أجنبية.