الرئيسية » الاستمطار: من أداة لمكافحة الجفاف إلى سلاح في الصراعات الدولية

الاستمطار: من أداة لمكافحة الجفاف إلى سلاح في الصراعات الدولية

by باهر رجب
0 comments

الاستمطار: عندما تصبح قطرات المطر قنابل في الحروب الحديثة

كتب باهر رجب

مقدمة: عندما يتحول المطر من نعمة إلى نقمة

في عالم يهدد بالجفاف وتغير المناخ، بدت تقنية الاستمطار كمعجزة علمية تنقذ البشرية من شح المياه. لكن سرعان ما تحولت هذه التقنية البريئة إلى سلاح فتاك في أيدي السياسيين والعسكريين، حيث أصبحت قطرات المطر تستخدم كقنابل موقوتة في حروب لا تعلن، و صراعات لا تنتهي.

فما هي قصة الاستمطار؟ وكيف دخل عالم السياسة و الحروب؟ وما هي الدول التي استخدمته كسلاح؟ وما هي النتائج المترتبة على ذلك؟

ما هو الاستمطار؟ وكيف يعمل؟

الاستمطار أو “تلقيح السحب” هو تقنية علمية تهدف إلى تحفيز السحب على إطلاق حمولتها من المطر، وذلك من خلال حقن مواد كيميائية مثل “يوديد الفضة” أو ملح الطعام في السحب، مما يؤدي إلى تكون بلورات جليد تسقط على هيئة مطر عندما تثقل بكتلتها.

بدأت الفكرة  في أربعينيات القرن العشرين، عندما اكتشف علماء في مختبرات “جنرال إلكتريك” الأمريكية إمكانية التحكم في الطقس، لتتطور التقنية لاحقا وتدخل عالم الصناعة الحربية، حيث أصبحت تستخدم لأغراض عسكرية وسياسية بدلا من الأهداف الإنسانية والزراعية التي ولدت من أجلها .

الاستمطار كسلاح حربي: فيتنام النموذج الأول

عملية “بوب آي” السرية

في عام 1967، وفي خضم حرب فيتنام، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية عملية سرية أطلق عليها اسم “بوب آي Popeye“، وكانت تهدف إلى استخدام تقنية الاستمطار كسلاح حربي ضد الفيتناميين. وقد استخدمت الطائرات الأمريكية مادة “يوديد الفضة” لحقن السحب، مما أدى إلى إطالة موسم الأمطار وزيادة كميتها بشكلٍ غير مسبوق .

كشفت وثائق رسمية أمريكية أن هدف العملية كان “إنتاج كميات كافية من الأمطار على طول خطوط الاتصالات لعرقلة أو على الأقل التدخل في حركة الشاحنات بين شمال وجنوب فيتنام”، مما يدل على أن الاستمطار كان يستخدم كوسيلة لقطع الإمدادات عن القوات الفيتنامية.

 

النتائج المذهلة و المخيفة

حققت عملية “بوب آي” نجاحا مذهلا، حيث أنتجت 82% من السحب التي تم زرعها مطرا خلال فترة قصيرة، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوقع. وقد أدت التجارب إلى إغراق مخيمات القوات الأمريكية الخاصة بمعدل تساقط بلغ تسع بوصات خلال أربع ساعات فقط، مما يدل على أن “التجارب كانت ناجحة بشكل مفرط”.

الاتفاقيات الدولية لحظر الاستمطار العسكري

معاهدة إنمود ENMOD

بعد انكشاف استخدام الولايات المتحدة للاستمطار كسلاح في فيتنام، أدرك المجتمع الدولي خطورة هذه التقنية، فتم التوقيع على “اتفاقية حظر استخدام تقنيات تغيير البيئة لأغراض عسكرية أو عدائية”، والمعروفة اختصارا بـ”إنمود ENMOD” في عام 1977 .

نصت الاتفاقية على “حظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات تغيير البيئة التي لها آثار واسعة النطاق أو طويلة الأمد أو شديدة الخطورة”، وقد دخلت حيز التنفيذ في الخامس من أكتوبر 1978.

لكن ورغم هذه الاتفاقية، فإن كثيرا من الدول واصلت تطوير تقنيات الاستمطار، بل واتهمت باستخدامها في صراعاتها مع الدول المجاورة، مما يدل على أن الاتفاقية لم تمنع تماما استخدام هذه التقنية لأغراض عدائية.

الصين والهند: حرب السحب في آسيا

اتهامات متبادلة بين العملاقين الآسيويين

في السنوات الأخيرة، اندلعت ما يعرف بـ”حرب السحب” بين الصين والهند، حيث اتهمت نيودلهي بكين باستخدام تقنية الاستمطار كسلاح ضدها. فقد زعمت الهند أن الصين تستهدف السحب القادمة نحو الأراضي الهندية وتفريغها من مياهها قبل أن تصل، مما يؤدي إلى زيادة الجفاف في الهند وتدمير الزراعة هناك.

وقد اعتبرت الصحف الهندية أن “الصين أصبحت تستخدم تقنية الاستمطار كسلاح لمواجهة جارتها الهند، التي تخوض معها صراعا حدوديا منذ عقود، وصل حد المواجهة العسكرية”، مما يدل على أن الاستمطار أصبح جزءا من الصراع الجيوسياسي بين القوتين النوويتين.

 

المشروع الصيني الضخم

كشفت الصين عن خطط طموحة لتطوير “نظام متقدم لتعديل الطقس” ينتظر إطلاقه عام 2025، ويهدف إلى تغطية مساحة تزيد عن 22 مرة من مساحة بريطانيا بالاستمطار الصناعي، مما أثار قلقا دوليا من احتمال استخدام هذه التقنية لأغراض عسكرية .

إيران وإسرائيل: اتهامات بالسرقة المناخية

الجنرال الإيراني يتهم إسرائيل بسرقة الغيوم

في عام 2018، أثار الجنرال الإيراني غلام رضا جلالي جدلا دوليا عندما اتهم إسرائيل و”دولة أخرى” بـ”سرقة الغيوم الإيرانية” ومنعها من الإمطار. وقال جلالي: “تعمل إسرائيل ودولة أخرى على جعل السحب الإيرانية غير ممطرة”، مما اعتبر اتهاما خطيرا باستخدام تقنية الاستمطار ضد إيران.

 

ردود الفعل الإيرانية

أدت هذه الاتهامات إلى تصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب، حيث اعتبرت إيران أن ما يحدث هو “اعتداء صارخ على سيادتها المناخية”، ودعت إلى اتخاذ إجراءات دولية لمنع استخدام تقنيات تعديل الطقس لأغراض عدائية، مما يدل على أن الاستمطار أصبح جزءا من الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط .

 

الإمارات العربية المتحدة: الاستمطار كسياسة مائية

الرائدة في المنطقة العربية

تعد دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في استخدام تقنية الاستمطار في المنطقة العربية، حيث بدأت بتطبيقها منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي. وقد قادت المزروعي، رئيسة البرنامج الوطني للاستمطار، عدة مبادرات دولية لتعزيز علوم الاستمطار، مما جعل الإمارات مركزا عالميا لهذه التقنية.

 

التعاون الدولي

شاركت الإمارات في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP28) لتقديم خبرتها في مجال الاستمطار الصناعي، حيث وقعت اتفاقيات تعاون مع دول أوروبية مثل ألمانيا، مما يدل على أن الاستمطار أصبح جزءا من السياسة الخارجية والتعاون الدولي للدولة .

السلبيات والإيجابيات: وجهان لعملة واحدة

الإيجابيات

1. مواجهة الجفاف: يساعد الاستمطار في توفير المياه في المناطق التي تعاني من شح المياه، مما يساهم في تحقيق الأمن المائي.

2. تحسين الزراعة: يمكن استخدامه لتحسين الظروف المناخية للزراعة، مما يزيد من الإنتاج الزراعي.

3. تقليل التصحر: يساهم في تقليل عمليات التصحر من خلال زيادة الرطوبة في التربة.

 

السلبيات

1. التأثير على المناخ: قد يؤدي إلى تغيير أنماط الطقس الطبيعية، مما يسبب اضطرابات مناخية في المناطق المجاورة.

2. التلوث البيئي: المواد الكيميائية المستخدمة في الاستمطار قد تلوث الهواء والمياه، مما يؤثر على النظام البيئي.

3. الاستخدام العسكري: قد يستخدم كسلاح حربي لتدمير الزراعة في الدول الأخرى، مما يهدد الأمن الغذائي العالمي.

 

الحلول والمعالجات: كيف نحمي أنفسنا من “قنابل المطر”؟

التشريعات الدولية

يجب تعزيز الاتفاقيات الدولية مثل “إنمود”. ووضع آليات رقابية فعالة لمنع استخدام الاستمطار لأغراض عسكرية. مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين.

 

الشفافية والتعاون

على الدول أن تتعاون بشفافية في مجال الاستمطار. وتعلن عن برامجها ومشاريعها. مع إنشاء آليات للتشاور بين الدول المجاورة لتجنب النزاعات.

 

التوعية العلمية

يجب نشر الوعي العلمي حول تقنية الاستمطار. وتوضيح فوائدها وأضرارها، مع تدريب الكوادر العلمية في الدول النامية على هذه التقنية.

 

التأمين المناخي

يمكن إنشاء صناديق دولية لتأمين الدول ضد مخاطر الاستمطار العسكري. مع تقديم تعويضات للدول المتضررة من استخدام هذه التقنية ضدها.

 

خاتمة: مطر الإنسانية في زمن الحروب

إن الاستمطار ليس مجرد تقنية علمية، بل أصبح سلاحا فتاكا في أيدي السياسيين. حيث تحولت قطرات المطر من نعمة إلهية إلى قنابل موقوتة تستخدم في حروب لا تعلن. وفي زمن يهدد فيه الأمن الغذائي العالمي بتغير المناخ. أصبح من الضروري أن نحمي أنفسنا من “مطر الإنسانية” الذي قد يتحول إلى “مطر الإبادة”.

فهل سنجد طريقا للتعاون بدلا من الصراع؟ وهل سنستطيع أن نجعل من الاستمطار وسيلة لإنقاذ البشرية بدلا من تدميرها؟ إن المستقبل يحدده خيارنا بين أن نجعل من السماء مصدرا للحياة، أو مصدرا للموت.

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00