عمرو سعد: رحلة فنان يبحث عن المعنى في زمن الصورة

في استوديو راديو إنرجي 92.1، حيث الأضواء الخافتة والهدوء الذي يسبق العاصفة، جلس الفنان عمرو سعد يحاور ذاكرته الفنية، وكأنه يستعيد شريطا طويلا من التجارب و الإنجازات. كانت هذه الجلسة الحوارية الخاصة، التي جاءت بعد اختياره نجم شهر نوفمبر، بمثابة اعترافات فنية صادقة، و كشفا لأسرار مسيرة حافلة بالتحديات و المنعطفات.

هوس الخوف من الصورة النمطي

“أخاف أن أتورط في انطباع عند الجمهور غير صحيح”.. بهذه العبارة يلخص عمرو سعد فلسفته في التعامل مع الإعلام. إنه ليس فنانا هروبيا، بل هو فنان حريص على بصمته الفنية. ففي عالم يزداد ضجيجا كل يوم، يختار الصمت أحيانا كفن من فنون الحكمة. حتى التكريمات التي اعتذر عنها كانت جزءا من هذه الرؤية، فالقيمة عنده لا تقاس بكمية الظهور، بل بنوعية الأثر.

 

لقاء مع شبح التاريخ

عندما يقترب فنان من شخصية مثل جمال عبدالناصر، فإنه لا يقترب من مجرد دور، بل من أسطورة حية في وجدان أمة. يقول عمرو سعد عن تجربة فيلم “الست”: “كنت في مأزق صعب”. لكن هذا المأزق كان ضروريا لفنان يبحث عن التحدي. لقد اختار طريقا صعبا في التحضير للدور، مبتعدا عن الأعمال السابقة، منغمسا في الأرشيف البصري للراحل الكبير، محاولاً التقاط روح الشخصية لا مجرد محاكاتها الشكلية.

مفارقة النجاح الجماهيري

في اعتراف مدهش، يتحدث عمرو سعد عن مسلسل “الأجهر” الذي حقق نجاحا جماهيريا لكنه لم يحقق له طموحه الشخصي. هنا تكمن مفارقة الفنان الحقيقي: أن تنجح في عيون الجميع لكنك تشعر في داخلك أن هناك شيئا لم يكتمل. هذه الروح النقدية الذاتية هي ما يميز الفنان الجاد عن غيره.

 

رحلة في عوالم السيرة الذاتية

يمتلك عمرو سعد رؤية عميقة لأفلام السيرة الذاتية، فهو يرى أن الإشكالية ليست في العمل نفسه بل في الصورة الذهنية المسبقة للجمهور عن الشخصية. هذه الرؤية تنم عن فهم عميق لطبيعة المتلقي وآلية التلقي. و الأكثر إثارة هو كشفه عن تفاصيل عرض تقديم شخصية أحمد زكي، ورفضه له لأن “الصورة الذهنية الثابتة” لم تكن قد تشكلت بعد عنده لدى الجمهور.

 

مغامرة “بيت السعد” واستمرارية المشروع

تحول برنامج “بيت السعد” من مجرد فكرة تلفزيونية إلى مشروع عائلي ممتد. الفكرة التي بدأت كابتكار من شقيقه أحمد سعد، تحولت إلى تجربة فريدة تجمع بين الواقعية والتلفزيون. وإعلان الجزء الثاني يؤكد أن الفن الحقيقي يمكن أن ينبت في تربة العلاقات الأصيلة.

 

كواليس التضحية: من “مولانا” إلى العالمية

قصة فيلم “مولانا” تروي جانباً من أخلاقيات الفنان الملتزم. الخوف الأولي من السيناريو، ثم الجلسات الطويلة مع صناع العمل لتعديله، وأخيرا التضحية بنصف الأجر. هذه التفاصيل تكشف عن فنان يؤمن بالفكرة أكثر من إيمانه بالمال.

مواجهة التكنولوجيا: إنسانية الفن فوق كل شيء

في زمن الذكاء الاصطناعي، يقف عمرو سعد صامداً في إيمانه بإنسانية الفن. قوله: “لا أحد يستطيع أن يحل مكان روح ووجدان الإنسان” هو بيان إنساني في وجه الطوفان التكنولوجي. إنه يؤمن أن القيمة الحقيقية تكمن في التجربة الإنسانية الخالصة.

 

مشاريع المستقبل: من المحلية إلى العالمية

يخطط عمرو سعد لخطوات كبيرة تتراوح بين فيلم “الغربان” متعدد اللغات، والمسلسل الضخم في رمضان 2026، والمسلسل الكوميدي “المتر” للمنصات. هذا التنوع في الاختيارات يدل على فنان يبحث عن مساحات جديدة، لا يكتفي بنجاح نمط معين.

 

فلسفة جديدة للظهور الإعلامي

تطورت نظرة عمرو سعد للإعلام من “الخوف” و”الخجل” إلى “النضج” و”الاحتياج للظهور”. هذا التحول ليس تناقضا، بل هو تطور طبيعي لفنان أدرك أن الصمت يمكن أن يساء فهمه، وأن الكلام ضرورة في بعض المراحل.

 

الخاتمة: فنان في حالة تحول دائم

عمرو سعد ليس مجرد ممثل، بل هو مشروع فني متجدد. من “مولانا” إلى “الست” إلى “الغربان”، يبحث دوماً عن التحدي. رحلته تشبه سفينة تبحث عن شواطئ جديدة، تارة تتعثر في الأمواج، وتارة تصل إلى بر الأمان، لكنها لا تتوقف عن الإبحار.

في النهاية، يبقى عمرو سعد ذلك الفنان الذي يرفض أن يكون نسخة من أحد، ويصر على أن يكون الأصل دائماً. إنه يمثل نموذجاً للفنان المفكر، الذي يحمل هم الرسالة الفنية، ويسعى لجعل كل عمل فني بصمة حقيقية في المشهد الثقافي، لا مجرد رقم في شباك التذاكر.

👁 عدد المشاهدات : 5,022

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *