عبد السلام النابلسي:
رحلة فنان بين المجد والمعاناة
النشأة و البدايات
ولد عبد السلام عبد الغني النابلسي في 23 أغسطس 1899 في شمال طرابلس اللبنانية، وينحدر من أصول فلسطينية و تحديدا من مدينة نابلس، حيث كان جده ووالده من قضاة المدينة، فنشأ في أسرة متدينة مثقفة وذات مكانة اجتماعية مرموقة. بعمر العشرين، أرسله والده إلى القاهرة ليدرس في الأزهر الشريف، فحفظ القرآن وبرع في اللغة العربية، وتعلم الفرنسية والإنجليزية.
الطريق إلى الفن
بدأ حياته العملية في الصحافة الفنية والأدبية في مجلات عدة بمصر، من بينها “مصر الجديدة” و“اللطائف المصورة” و“الصباح”. ثم جذبه المسرح فانضم إلى فرقة جورج أبيض المسرحية، ورغم معارضة أسرته وقطع الدعم المالي عنه، أصر على متابعة شغفه بالفن. بعد ذلك التحق بفرقة يوسف وهبي، لكنه طرد منها بعد شهرين فقط. ورغم الإخفاقات الأولى، واصل المحاولة حتى أتته الفرصة الذهبية ليظهر بدور صغير في فيلم “وخز الضمير” عام 1931، تلاه أول دور كوميدي في “القناع الأحمر”، فكان مفتاح شهرته كممثل كوميدي استثنائي.
مسيرته الفنية: مدرسة وأسلوب
سطع نجم النابلسي في السينما المصرية، حيث أصبحت خفة ظله وذكائه وسرعة بديهته علامة فارقة في عالم الكوميديا، متربعا على عرش أدوار “الصديق الثاني للبطل“. شارك العديد من عمالقة السينما العربية، منهم إسماعيل يس، عبد الحليم حافظ، محمد فوزي، وفريد الأطرش، وبلغ رصيده الفني أكثر من 150 فيلما متنوعا، برع فيها بالقائه الشعر و سخريته الراقية، إضافة إلى الرقي والبساطة في الأداء.
علاقاته بالوسط الفني والأصدقاء
لم يكن النابلسي مجرد ممثل، بل كان صديقا وفيا للعديد من نجوم عصره، خاصة فريد الأطرش، الذي كان من أقرب الناس إليه ودعمه في أحلك الظروف. والشاهد على ذلك أن فريد تكفل بمصاريف علاج النابلسي في المستشفى وسدد ديونه، وحتى بعد وفاته عام 1968، تكفل أيضا بمصاريف الجنازة. أما عبد الحليم حافظ، فكان من أصدقائه المقربين، لكن النابلسي أخفى عنه أزمته المالية حفاظا على كرامته.
المواقف المؤثرة والصراعات
مرت حياة النابلسي بعدة منعطفات صعبة، أبرزها أزمته مع الضرائب المصرية التي بلغت مطالبتها له 13,000 جنيه،. ما اضطره في نهاية المطاف للهروب من مصر إلى لبنان. زادت معاناته بعد إفلاس بنك “إنترا” في بيروت، الذي كان يضع فيه كل مدخراته،. ليمر بأزمات مالية متلاحقة وتدهور صحي كبير أفضى إلى وفاته بالأزمة القلبية في 5 يوليو 1968.
الحياة العاطفية
اشتهر بين أوساط الفن بلقب “أشهر عازب“، فظل أعزب حتى سن الستين، حين تعرف إلى إحدى معجباته،. “جورجيت سبات“، التي خطف قلبه وتزوجها رغم الفارق الكبير في السن والديانة،. متحديا رفض عائلتها ورفعهم دعاوى قضائية لإجباره على الطلاق؛ لكن المحكمة أقرت بصحة الزواج في النهاية. عاش معها سنوات مليئة بالحب والمودة،. وكانت له سندا في سنواته الأخيرة القاسية.
الجانب السياسي والمالي
بالرغم من خلفيته الأرستقراطية و تدينه، كان النابلسي بعيدا عن السياسة المباشرة،. لكن معاناته مع النظام الضريبي المصري والسياسات المالية في المنطقة أثرت عليه بقوة،. وأدت عمليا إلى تغير مسار حياته في العقد الأخير، إذ رحل إلى لبنان التي أدار فيها شركة أفلام، لكنه انتهى مفلسا.
الخاتمة
عبد السلام النابلسي أسطورة لا تتكرر، جمعت بين قوة الحضور الفكاهي وعمق التجربة الإنسانية،. وأثبت أن خلف الوجه الضاحك قلوبا تعبرها الانكسارات والمعاناة، ليبقى اسمه خالدا في ذاكرة السينما العربية ووجدان جماهيرها عبر الأجيال.