كتبت ماريان مكاريوس
رحيل سامح عبد العزيز .. فُجع الوسط الفني المصري والعربي صباح اليوم الخميس 10 يوليو 2025، بخبر وفاة المخرج الكبير سامح عبد العزيز عن عمر ناهز 49 عامًا، بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة أدخلته المستشفى، حيث دخل في غيبوبة لم يفق منها. وبرحيله، تخسر السينما والدراما المصرية أحد أكثر المخرجين تأثيرًا خلال العقدين الأخيرين، صاحب البصمة البصرية الحية، واللغة الشعبية الصادقة تابع الخبر على تريندات.

رحيل سامح عبد العزيز
انا ازمته الصحية فقد بدأت بآلام حادة في الظهر، ليتبين لاحقًا إصابته بعدوى فيروسية في الدم أدت إلى ارتفاع شديد في نسبة السكر، ما تسبب في تدهور حالته بشكل سريع. وبينما كان الوسط الفني يُمنّي النفس بتحسن حالته، جاء النبأ الحزين الذي أكد أن العدسة التي التقطت تفاصيل الحياة اليومية، قد أُغلقت إلى الأبد.
عين على المجتمع.. قلب مع البسطاء
تميّز سامح عبد العزيز بأسلوب إخراجي خاص، دمج فيه بين الواقعية الاجتماعية والسخرية الخفيفة، معتمداً على الحس الشعبي والبصري الذي جعله أقرب إلى الناس. لم تكن أفلامه تبحث عن البهرجة أو الصنعة الزائدة، بل كانت تسير جنبًا إلى جنب مع النبض الحقيقي للمجتمع المصري، تتأمل أحياءه الشعبية، ومواسمه، وأفراحه الصغيرة الممزوجة بالحزن.
لم يكن من قبيل المصادفة أن تنتمي غالبية أعماله إلى فضاء الحارة الشعبية، فهو مخرج اختار أن ينحاز إلى الفقراء، المهمشين، الحالمين رغم كل شيء. في أفلامه، تتحول الشوارع الجانبية إلى منصات بطولية، وتصبح تفاصيل الحياة اليومية من زفة عروس، إلى أغنية في مولد مادة درامية شديدة الثراء.

رحيل سامح عبد العزيز
ثلاثية “كباريه–الفرح–الليلة الكبيرة“
في السينما، تُعد الثلاثية التي قدّمها عبد العزيز مع المنتج أحمد السبكي من أبرز ملامح تجربته الفنية. بدأها بفيلم “كباريه” عام 2008، الذي تناول الحياة المتشابكة داخل ملهى ليلي، مقدّمًا شخصيات من خلفيات متباينة، اجتمعت جميعها في فضاء ليلي واحد، عاكسًا صراعاتها الإنسانية في مشاهد محكمة.
ثم جاء “الفرح” (2009)، ليواصل استكشاف عوالم الحارة، ولكن هذه المرة من خلال حفل زفاف شعبي، يُكشف فيه عن علاقات شديدة التعقيد والصدق في آن واحد، لاقى الفيلم نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا. أما “الليلة الكبيرة” (2015)، فكان ذروة هذا التوجه، حيث صوّر يومًا كاملاً في مولد شعبي، جامعًا بين الطقوس الدينية، والآمال، والتناقضات، في عمل يُعد من أجمل ما قُدّم عن الموالد في السينما المصرية.
عودة محمد سعد في “الدشاش”
في 2025، أخرج عبد العزيز فيلم “الدشاش”، الذي مثّل عودة مختلفة للنجم محمد سعد، وقد شاركه البطولة باسم سمرة وزينة ونسرين طافش. دار الفيلم حول صاحب ملهى ليلي يدخل في صراعات عديدة تنقلب حياته رأسًا على عقب، ليقرر تغيير نمط حياته. كان الفيلم بمثابة تأكيد على استمرار المخرج الراحل في تقديم شخصيات تنتمي لعالم الصخب الشعبي، ولكنه كان أيضًا يشير إلى نضج مختلف في المعالجة.
الدراما.. حيث حكى المسكوت عنه
في التلفزيون، ترك عبد العزيز بصمة لا تُنسى. فمسلسل “بين السرايات” (2015) يُعد من أنجح أعماله، حيث قدّم حياة سكان حي شعبي بمنتهى الصدق والبساطة، بعيدًا عن المبالغات الميلودرامية. أما مسلسل “رمضان كريم” (2017)، فقدّم فيه مزيجًا ساحرًا من الطقوس الرمضانية والأحداث اليومية في حارة مصرية، جعلت من العمل مادة مفضلة لدى الجمهور في كل موسم.
وكان آخر أعماله في الدراما مسلسل “شهادة معاملة أطفال” من بطولة محمد هنيدي، والذي لم يُعرض بعد، وكان يُنتظر أن يشكّل عودة قوية لتعاونهما الفني.
الوداع الأخير.. وفقدان غير قابل للتعويض
الجنازة أقيمت عقب صلاة العصر من مسجد الشرطة في الشيخ زايد، وسط حضور كثيف من الفنانين والمخرجين وأصدقاء الراحل الذين لم يُخفوا حزنهم وصدمتهم. فقد كان عبد العزيز لا يُعدّ فقط مخرجًا موهوبًا، بل صديقًا “جدعًا”، كما وصفه الفنان هشام ماجد في وداعه المؤثر.
غياب سامح عبد العزيز لا يُعوض بسهولة، فهو ليس مجرد صانع أفلام، بل هو مؤرخ اجتماعي، اختار أن يسرد التاريخ الشعبي من زاوية الإنسان العادي، الذي لا تصله الكاميرات عادة. أفلامه كانت دائمًا تقف في المسافة الفاصلة بين الحلم والانكسار، بين الاحتفال والخذلان، لكنها كانت دائمًا صادقة، ومكتملة الحس والروح.
برحيله، تفقد الشاشة المصرية واحدًا من أكثر أبنائها وفاءً له
رحم الله سامح عبد العزيز، وأسكنه فسيح جناته.
كاتبة المقال
ماريان مكاريوس