صلاة عيد مختلطة بربع حجاب أو نصفه: نحو تأصل معرفي لفهم المعاملات الشاذة و الغريبة .
أثارت صلاة العيد جدلًا واسعًا إذ احتوت على تكرارات كارثية للاختلاط الفج ، مع حرص الفتيات المقيمات للصلاة على التبرج و التعطر و لبس الطرحة بطريقة غير منمقة بالمرة تظهر الرقبة جزئيًا أو كليًا برغم تحذير الأزهر الشريف و الأوقاف لتعلب تلك اللحظات رؤية كاملة نحو تأصيل الأسس القاهرة للأخلاق من المجتمع المنتهية إما بانهياره أو تحويله لغابة أو اتباع النموذج الروماني في سنن السقوط الحر و الخمول حتى الموت .
كتب : مصطفى نصار
الشخصية مشوهة و النموذج خريان : في محاولة تأصيل السفائف المتراكمة !!
في شهر يوليو الماضي ، كتبت أن سبب فقدان الحياء مزيج بين فقدان الحياء ، و النسوية المصرية تحديدًا، مع تركيز و إلماحات أنثروبولوجية المنهج لأسباب فجر الفتيات في الظاهر مما يمكن تعميمه على فكرة الموضوع الحالي ليس لإنه يتصل فقط بمدى انفصال جزء عن جزء جذريًا و أصوليًا بل سلسلة من الحلقات المتتابعة التي تكون الدائرة المغلقة الحاكمة لحياتنا اليومية :المجتمع و الدين و السلطة السياسية بشكل تفاصيلي ، و متمركز حول الذات الفردية أولًا و تحقيقًا لسلطة الهوى قبيل السياسة .علاوة على ذلك ، إن القدرة الهائلة لمنطقة العادات و الأشكال الشاذة و المنفرة تمر و تمرر الرسائل بنعومة شديدة ، و على إثرها تتجذر في العقل الجمعي للناس ، مع التسامح التقبلي للأمور الهجينة بدعوى أن كل فرد عاقل يعرف التمييز و التفريق بين الصواب و الخطأ و الحلال و الحرام ، و هو كذلك بالفعل ، لكن التألف النفسي المرن مع تلك السفائف ينشرها بدعوى عدم ضررها على المجتمع و الفرد دون العلم أو بعلم أنها ترديهما لأسفل سفالين ، و تقبلهم مسوخًا فاقدين الهوية .
لا تنفصل صلاة العيد من تلك النماذج المعتلة التي طغت على المجتمع المصري، جاعلة إياه مثل السكير الضائع الذي يبحث عن سد رمقه مع استرقاقه و استعباده المستمرين من الخمر و السيد ، و هذا يكون عنده عقلية الوهن الخضوعي و الخنوعي الذي يسخر الفرد بأكمله للجري وراء أشياء و نماذج دون أن يضع أسس صحيحة لشخصيته بعدة دواعي واهية أهمها أن الاحتكاك بالعمل ، و المجتمع كفيل بتغيير و تطوير شخصيتك ليثبت في نهاية المطاف أن تلك الرؤية مغلوطة بالكلية لإن الشخصية مشوهة و ملوثة ، و كذلك النموذج التكويني للعمل هنا مهدم و هادم بالكلية يحاصر الفرد ، و يجعل غاية الفرد لقمة و جوازة!!
لا تكتمل تلك المعاملات الهجينة و الشاذة إلا بالتعنت المتكرر و المكابرة الفارغة التي تتحول لغشاوة معمية تكسب المرء التطرف التحجري الذي يذيب المفاهيم ، و يغذي الاستقطاب لجعل التصنيفات الحقيقة و الواقعية لتنسجم مع التشوه العميق في المجتمع أي بعبارة أخرى تمهد الطريق لقبول الاستهجان السائل مع الخنوع الذي يولد طاقة و يخلق المبررات الفارغة ، بل يعددها أحيانًا لمحاولة الدفاع المزيف ، واضعين بذلك مغالطات منطقية للتبرير و المنافحة مثل الاحتكام للسلطة و المسبب الزائف التي تتأخذ أسبابًا و علل زائفة لمحاولة التبرير الطفولية مثل الزحمة الكبيرة ، و النكد المقترن بالعيد الذي ليس له داع فقط ، علاوة على طغيان النزعة النسوية و الفردانية الهدامة لكل أسس القيم الأخلاقية و التي تحول الأفراد لمجرد نسخ ممسوخة متطرفة متباينة التوجهات تام الانقسام حتى على المعلوم من الفطرة و العقل و الدين بالبديهة .
الفردانية و النسوية و الاستبداد السياسي : إعادة التشكيل المشوه للشخصية .
الفردانية المصرية :’الانعزال و الانفصال منهجًا .
على مدار عامين ، دأب الناس على متابعة أحداث الطوفان ، و بعدها الإبادة الجماعية على أهالينا في القطاع المحاصر، لكن ما يلفت النظر و يثيره حقًا مدى التفاعل المثار حول القضية ، لإنه معيار محدد في تغيير القيم و المبادئ ،ليتضح في النهاية أن عدد المهتمين بالقضية في أغلبهم مصلحتهم شخصية محضة ، أو لا تتصل بخدمة مباشرة بما يحدث في القطاع المحاصر و الضفة الغربية بخاصة لدى فئة واسعة من الشباب المنعزلين أو ذوي الأفق الضيق الفرداني .
لئلًا يقع الفرد في الفردانية مثلما غرق فيها الشعب المصري، على المرء أن يعرف و يستوعب بفطرته أنه مجتمع في فرد ، و أن النجاة هنا ليست فردية بقدر ما هي جماعية ، فلا مجتمع يقوم على اللحظة الفردية و جفاء العلاقات، و إلا أصبح متبلد المشاعر عائلته تذهب منه و يبقى فقط العمل ليتحول المجتمع في نهاية المطاف لقطيع هائم على وجهه ، و يصير مأزق الفرد كذلك أكبر مثلما يؤكد الكاتب اللبناني حازم صياغة في كتابه مأزق الفرد في الشرق الأوسط، و تتحول الجماهير لمجموعات تبحث عن مصلحتها فقط لصالح نفسه ، و إما عائلته في أفضل الأحوال.
تشويه الشخصية الجماعية ليس بمحض تنظير محض ، لإن المجتمع شوهت معرفته ، و تجهيله ، و تغييبه فضلًا عن محاولة ربط المصطلح الغربي ذا الدلالة الخبيثة و المقيتة بمسؤولية الفرد و حريته فاتحًا الباب عليه لتقبل الأمر و استساغه على أهل بيته ، لتكلل الدياثة كإحدى أهم الأشكال انتشارًا بين الناس للفتيات تحت مسميات جذابة كالحرية الفردية ، و الاستقلالية المصيرية، و التميز الشخصية ، و ماهي إلا أقنعة مثبطة حقيقة ، حتى قال الباحثة ماري آيكن المختصرة في علم النفس التكنولوجي أن الاقتراب الشديد من الذات بدرجة شديدة لدرجة الانعزال و عبادة الذات بسبب الهواتف المحمولة و الانتريت التي شكلت شخصيات متمحورة حول ذواتها ، إنه عصر الأنا بحد تعبير إسماعيل عرفة في كتابه بنفس الاسم .
من أحقر سلبيات الفردانية في صياغة الشخصية المقهورة تكوين هالة مقدسة حول الآراء المنسجمة مع اعتقادات الفرد ، و أفكاره لتختزل في حياته اليومية ، مع إهمال تام أو جزئي بنسبة كبيرة لآراء العائلة مما يتفق مع رأي جون ألترمان الباحث في شئون الشرق الأوسط في ورقة بحثية مطولة يقول فيها بوضوح أن الروابط فككت ، مع ثبات فكرة الاستقرار السكوني التي تنقض بالكلية رغبة النجاة ، أو الهروب حتى و إن تمكن من ذلك، فلا يخلو ذلك من تهرب فهلوي من مشاكل مركبة .
النسوية و الاستبداد السياسي: وجهين لعملة واحدة .
تعد النسوية إحدى أهم المركزيات المصرية التي لا تنفك عن المجتمع المصري بتاريخها الطويل و المتشعب في مصر إذ أنها تعود لعصور ثورة ١٩١٩ أول تجلي لانتصارها عندما خلعت النساء البراقع في الميادين العامة مثل ميدان التحرير ، و السويس ، لتنتج نموذجًا سباقًا لأوربا بحوالي نصف قرن من تمكنها حتى أشيع عن هدى شعراوي أنها مضطهدة و فعلت ذلك لاكتساب شعبية كاسحة ، دون أن تعلم أن المجتمع كله سيتم تأنيثه إجباريًا بوتيرة مدهشة و مثيرة للفضول .
فتغول النسوية المصرية مع مفاهيم اللبرلة و الإلحاد و التبرج أوصل البلاد كلها لخنوثة مقيتة و قيادة فعلية من النساء على مستويات عدة ، و لست أقصد الإيجابيات البناءة و المحفزة فقط ، لكن أيضًا المقصد أن المشاعر الحاكمة و المسيطرة و المتحكمة مشاعر مموجة ، و متطرفة في معظم جوانب حياتنا اليومية حتى تحولت عقيدة اليهود في الحجاب لحجاب غالبية المصريات ، و كذلك بات التعطر حرية ، و لا يقترن لحظة ببائعات الهوى مثلًا ، أو أن الصلاة لا تحلى إلا بالاختلاط المحض بين الرجال و النساء في أغلبية المشاركات ، بالإضافة لتسليع أنفسهن وفقًا لأعلى مشتري في الزواج .
مع اتخاذ الخطابات الإعلامية الموجهة لهن باعتبارهن مركز الكون و الحياة الزوجية ، توسعت في توجهين لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ما تسبب في استفحال البطالة الشبابية ، فهي لا تختلف قط في بنيتها الاستبعادية للمرأة عن الاستبداد السياسي الذي يحول المرء لبهيمة تسير على قدمين ، و يجعله كالثور الهائج لا ينول إلا حد الكفاف إن استطاع من الأساس، لعل ذلك ما وضحه الفيلسوف كارل شميت قبيل أكثر من نصف قرن حينما صنف مفهوم السياسي باعتباره كل متحكم ، و ليس تنظيم مرن قابل لإعادة التركيب و الربط ليلائم احتياجات الناس بالعدل و القسط ، و ليس بالسوط و السؤال بحد وصف عبد الرحمن الكواكبي في طبائع الاستبداد.
تربية جذرية حميدة :حل مفقود لمجتمع يتحلل!!
يدل ارتفاع معدل الجريمة و التحرش و الاغتصاب و البلطجة على انحدار و سفول هدام لا يغني شئيًا ، فقط إعادة لنفس الفيلم الممل الخاص بانهيار المجتمعات المعقدة كما ذكرت في مقال سابق مستعينًا بتعبير بروفسير الأنثروبولوجيا الاجتماعية جوزيف تايتنر المتخصص في انهيار المجتمعات تاريخيًا و ثقافيًا .
باختصار ، يكمن الحل في إعادة منظومة الأفكار التربوية و التعليمية بطريقة منظمة و صارمة ، للتفريق بين أصنام تعبد و أفكار تهضم لا مثل الغرب المسيحي الذي طبق فجانى على نفسه ، من دون حتى وضع “حدود معاييرية “لإن المرء أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يغير أو يستلسم للتغيير مثلما قال على عزت بيجوفيتش في كتابه الإسلام بين الشرق و الغرب .
لا أمل في ضبط المجتمع إلا بوضع ضوابط دينية و أخلاقية شفافة واضحة، و تكوين قائد في كل بيت مسلم لإنها الحاضنة التي ستبني الأمة ، و هذا ما وضعه مالك ين نبؤ شرطًا أساسيًا للنهضة في كتابه مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي لإن بتدمير المرأة يدمر القطر بأكمله ، بتكوين المفاهيم المحدودة بحدود الشريعة وليس بالعقل لإن من أول الشريعة بعقله فسد عقله ، و أهلكته نفسه ، من هنا يتضح قول أم المؤمنين عائشة عندما خرجت النساء المتبرجات تبرجًا طفوليًا مقارنة باليوم “أن لو رأيهن الرسول ،”لمنعهن من الخروج من المنزل مثل نساء بني إسرائيل، علاوة على إنهن وسيلة التربية و تخريج الأجيال ، فالأجيال المهنية فقط كارثة محققة لإنها ستركز على نفسها و ستساعد في انهيار أسرع يصل لدرجة الخراب السريع و العظيم مثلما حدث في أوربا من جرائم محققة و فدائح كبرى لدرجة وصولهن لعدم التمييز الأخلاقي و عبادة العمل في بداية الألفية الجديدة تحت شعارات الحرية و الاستقلال التي باتت باهتة و كئيبة لا فائدة منها.