في السنوات الأخيرة، أصبحت إيران تتصدر المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط كقوة إقليمية مؤثرة، إلا أن المتتبع للأحداث الكبرى سيلاحظ تناقضًا كبيرًا بين ما تعلنه طهران من تهديدات وبين ما تقوم به فعليًا على الأرض. فعلى الرغم من تصريحات التهديد والشجب المتكررة التي تصدر عن القيادة الإيرانية، إلا أن أفعالها على أرض الواقع تعكس ضعفًا واضحًا في مواجهة التحديات الكبرى، وخاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
تبدو إيران في المشهد الإقليمي وكأنها قوة لا يُستهان بها، حيث تظهر دائمًا في وسائل الإعلام لتعلن تهديداتها بعد كل ضربة أو اغتيال يستهدف قادتها أو حلفاءها. ومع ذلك، هذه التهديدات لم تتحول إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال، عندما تم اغتيال العديد من القيادات الكبيرة الموالية لطهران، من بينهم القائد العسكري قاسم سليماني، لم تحرك إيران ساكنًا سوى بإطلاق بضع صواريخ لم تحدث أضرارًا تُذكر، واكتفت بعبارات التهديد.
إن من أبرز الأحداث التي كشفت عن ضعف الرد الإيراني كان اغتيال القيادي في حركة حماس إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية.
فقد كان لهذا الحدث وقعٌ كبير على الساحة الإقليمية والدولية، حيث كان يُنتظر من طهران رد فعل قوي نظرًا للوجود المباشر للقيادة الفلسطينية داخل حدودها.
إلا أن إيران، كما هي عادتها، اكتفت ببيانات الشجب والتهديدات الفارغة، دون أن يتبعها أي رد حقيقي على الأرض.
وفي نفس السياق، اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، يُعَدّ صدمة أخرى لطهران وحلفائها. كان حسن نصر الله يمثل أحد أركان التحالف الإيراني في المنطقة، وباغتياله تعرّضت إيران لضربة مؤلمة تُضاف إلى سلسلة الضربات التي تلقتها. ولكن مرة أخرى، لم يُسفر عن هذا الاغتيال أي تحرك فعلي من إيران، ولم يظهر منها سوى التصريحات النارية التي لم تترجم إلى أفعال.
السؤال الذي يطرحه الكثيرون اليوم هو: لماذا لا تتحرك إيران للرد على هذه الضربات المتتالية؟ الإجابة قد تكون واضحة في قراءة دقيقة للوضع الإقليمي والدولي. إيران تُدرك تمامًا أن الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، أو أي دولة كبرى أخرى، قد يُؤدي إلى نتائج كارثية عليها.
وعلى الرغم من محاولاتها للظهور كقوة قادرة على مواجهة خصومها، إلا أن الحقيقة تُظهر ضعفًا كبيرًا في قدراتها العسكرية والاقتصادية على الصمود في حرب طويلة الأمد.
هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن إيران ليست في وضع يمكنها من الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل أو أي قوة أخرى. أولاً، الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعاني منه إيران جراء العقوبات الاقتصادية الدولية.
هذه العقوبات أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني، وأضعفت من قدرته على تمويل حلفائها في المنطقة، مثل حزب الله وحركة حماس.
ثانيًا، الوضع الداخلي المتوتر في إيران، حيث تشهد البلاد موجات من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين الظروف المعيشية والحد من الفساد.
هذه الاحتجاجات تشكل ضغطًا كبيرًا على الحكومة الإيرانية، وتجعل من الصعب عليها التركيز على المواجهات الخارجية في ظل التحديات الداخلية.
إيران اليوم تجد نفسها بين خيارين صعبين. الخيار الأول هو التصعيد والدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، وهو ما قد يؤدي إلى انهيارها الاقتصادي والعسكري. والخيار الثاني هو الاستمرار في سياسة الشجب والوعيد الفارغ، مع الحفاظ على تحالفاتها في المنطقة عبر دعم الميليشيات والجماعات المسلحة، دون الدخول في مواجهات مباشرة.
لا شك أن المستقبل يحمل تحديات كبيرة لإيران على مختلف الأصعدة. فالضغوط الدولية والإقليمية ستستمر، وخاصة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أن الاستمرار في سياسات التهديد والشجب دون تحرك فعلي سيؤدي إلى تآكل سمعتها الإقليمية والدولية. الحلفاء الذين تعتمد عليهم إيران قد يفقدون الثقة في قدرتها على حمايتهم، مما سيُضعف من نفوذها في المنطقة.
إسرائيل تُدرك تمامًا ضعف إيران، ولذلك تستمر في توجيه الضربات المتتالية لقادتها وحلفائها دون خوف من رد فعل قوي. هذه الضربات تأتي في إطار معركة النفوذ بين الطرفين على السيطرة في منطقة الشرق الأوسط. إسرائيل تسعى دائمًا إلى تقليص نفوذ إيران في المنطقة، وخاصة في سوريا ولبنان، فيما تحاول إيران الحفاظ على وجودها ونفوذها من خلال دعم الجماعات المسلحة.
إيران حاولت على مدى السنوات الماضية تقديم نفسها كقوة كبرى في المنطقة، ولكن الأحداث الأخيرة أظهرت أن هذه الصورة التي حاولت طهران رسمها لنفسها ليست سوى إكذوبة كبرى.
فسياسة الشجب والوعيد الفارغ لا تعكس إلا ضعفًا في القدرة على المواجهة الفعلية. ورغم كل التهديدات التي تصدر من القيادة الإيرانية بعد كل اغتيال أو ضربة، إلا أن الأفعال الحقيقية على الأرض تظهر أن إيران أضعف من أن تدخل في حرب مباشرة مع إسرائيل أو أي قوة أخرى.
إن استمرار هذه السياسة سيؤدي إلى المزيد من الضربات والخسائر لإيران وحلفائها في المنطقة، مما يضع طهران أمام تحديات كبيرة في المستقبل.