وصمة الطلاق، كفن العنف، .عروس المنوفية، صافرة إنذار لمجتمع أصم،
وصمة الطلاق .. في مجتمعاتنا العربية، ما زالت كلمة “مطلقة” تُرعب النساء والأهالي أكثر من أي شئ آخر، وكأن مجرد الإنفصال عن رجل أصبح جريمة ؛ المجتمع يضع وصمة على أمرأة أختارت أن تحمي نفسها، بينما يتجاهل أحيانًا أن البديل قد يكون الموت كما رأينا في قصة “عروس المنوفية”، التي هزّت ضميرنا الجماعي وأحرقت قلوب الكثيرين.
بقلم: زينب النجار
قبل أربعة أشهر فقط من زفافها، كانت كريمة شابة في العشرين من عمرها تستعد لحياة زوجية طبيعية ومستقبل مع طفلها الذي كان في أحشائها ؛ لا خلافات ظاهرة، لا علامات تحذير صريحة، مجرد هدوء ظاهري في علاقة تبدو عادية؛ وفي أحد الأيام، سمع الجيران أصواتًا عالية داخل المنزل، قبل أن يُكتشَف لاحقًا جثة كريمة وقد فارقت الحياة على يد زوجها داخل بيت الزوجية، بعد أن كان يفترض أن يكون حافظًا لأمنها وسلامتها.
الطب الشرعي أظهر وجود آثار اعتداء عنيف وكدمات تشير إلى عنف جسدي قبل أن تُقتل، في جريمة مزقت قلوب أهلها وجيرانها ؛ تم القبض على الزوج والمضي في التحقيقات، لكن الخبر لم يزل صدمة في قرى ومحافظات كثيرة، لأنه يُذكِّرنا بأن الخطر الحقيقي ليس في إنهاء علاقة غير صحية، بل في استمرارها تحت مسمى «عشرة» قد تنتهي بمأساة.
صفحة في كتاب
الحقيقة إن كريمة ليست إلا صفحة واحدة من كتابٍ مليان وجع للاف الحالات رأينا بعضها، والبعض الآخر يختنق في الصمت ولا نعلم عنه شيئًا يختبئ تحت شعار الاستقرار، خوفٌ من كلام الناس ومن كلمة «مطلّقة».
إذًا السؤال الذي يفرض نفسه بكل قوة:
هل من المعقول أن يظل المجتمع يعيِّر المرأة لأنها طلبت الطلاق أو فكرت فيه، بينما واقع العنف والقتل موجود؟
هل وصمة المجتمع على المطلقة أخفّ من نظرة اللوم على من يُمارس العنف؟ بالطبع لا الطلاق أهون من الموت، وكثير من النساء يدفعن حياتهن ثمنًا لرفض المجتمع هذه الحقيقة.
الطلاق وصمة عار
الطلاق ليس عيبًا، بل غالبًا هو قرار شجاع يُنقذ حياة ؛ المطلقة ليست ناقصة ولا مخطئة هي فقط أختارت الحياة بدل القهر، والكرامة بدل الأستسلام.
المجتمع الذي يحمّل المرأة وحدها مسؤولية إنهيار علاقة، بينما يغض الطرف عن العنف الزوجي، هو مجتمع يُكرّس الخوف بدل الحماية.
إذا أردنا أن نكون مجتمعًا أكثر إنسانية وعدلًا، علينا أن نغيّر منظورنا: نعتبر الطلاق خيار حياة وليس وصمة.
نساند النساء في حماية أنفسهن بدل أن نحاكمهن اجتماعيًا.
نحاسب من يمارس العنف بدل أن نلوم من يهرب منه.
الطلاق أهون ألف مرة من الموت، والمرأة التي تطلبه ليست ضعيفة هي أكثر قوة مما يظن البعض. لنقف مع الحياة، وليس مع التقاليد الجائرة التي تقتل قبل أن تسمح بالحرية.
يجب أن يكون هناك ردٌّ قاطع وحاسم تجاه مثل هذه الجرائم…
ردٌّ لا يترك ثغرة ولا يقدّم مبررًا ولا يكتفي بالتعاطف بعد وقوع المأساة.
لابد أن يصبح العنف ضد المرأة خطًا أحمر،
وقبل أن نسمع عن “كريمة” جديدة،
وقبل أن تتحوّل كل أمرأة صامتة إلى ضحية منسية…
لابد أن نُغيّر نظرة المجتمع، ونحاسب الظالم قبل أن نُحاكم المظلومة،
وندافع عن حق المرأة في الأمان قبل أن نفكّر في “كلام الناس”.
فالحياة أثمن من العادات،
والكرامة أغلى من الألقاب،
ولا يستحق أي مجتمع الأحترام طالما يترك نساءه يواجهن الموت وحدهن.

