هل يجوز الدعاء على الظالم ؟ دار الإفتاء المصرية توضح الحكم الشرعي

هل يجوز الدعاء على الظالم ؟ دار الإفتاء المصرية توضح الحكم الشرعي

 

كتبت: وفاء عبدالسلام 

 

ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال من أحد المواطنين عبر موقعها الرسمي، يسأل فيه عن جواز الدعاء على امرأة قريبة له تؤذيه باستمرار. وأوضح السائل أن هذه السيدة اعتادت الإساءة إليه بألفاظ نابية وسلوكيات غير أخلاقية أمام الناس، مما ألحق به أذى نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا. وأشار إلى أنه دعا عليها ليلًا بإصابتها بمرض شديد نتيجة ما عاناه من تصرفاتها، متسائلًا: “هل يأثم الإنسان إذا دعا على من ظلمه؟ وهل يجوز شرعًا الدعاء بهذا الشكل؟”

سلوك مرفوض شرعًا وله عواقب في الدنيا والآخرة

أكدت دار الإفتاء المصرية، في ردها، أن الإسلام شدّد على حرمة إيذاء الآخرين، خصوصًا الجار أو الأقارب، واعتبر ذلك من كبائر الذنوب إذا كان الأذى متعمدًا ومُستمرًّا. وأشارت الدار إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه”، وهو حديث صحيح يوضح أن من يؤذي جاره فقد انتقص من إيمانه، بل قد يصل إلى حد نفي الإيمان الكامل عنه.

 

وفي سياق متصل، بيّنت دار الإفتاء أن الأذى اللفظي والسلوكي، سواء كان من الجار أو من أي شخص آخر، يُعد من التصرفات المحرمة التي حذّر منها الشرع، لما تسببه من تفكك العلاقات وانعدام الطمأنينة بين الناس.

 

الدعاء على الظالم.. هل هو جائز؟

بين جواز الدعاء وحدود الأخلاق الإسلاميةأما بخصوص الدعاء على المؤذي، فقد أوضحت دار الإفتاء أن الدعاء على الظالم مشروع شرعًا، وهو من وسائل رد المظالم إذا لم يستطع الإنسان رد حقه بوسائل أخرى. واستشهدت الدار بقوله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم} [النساء: 148]، حيث تُبيح الآية للمظلوم أن يُعبّر عن مظلمته، سواء بالكلام أو بالدعاء.

 

ومع ذلك، شددت الدار على أن الإسلام يُربي النفس على السمو، ويدعو إلى العفو والتسامح متى أمكن ذلك، مشيرة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُؤذى من قومه ولم يدعُ عليهم، بل دعا لهم بالهداية، قائلاً: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”.

 

متى يُستحب العفو؟ ومتى يجوز الدعاء؟

ضوابط شرعية للتوازن بين الانتصار للنفس والتسامح و قالت دار الإفتاء إن الأصل في التعامل مع الأذى هو محاولة الإصلاح والصبر، خصوصًا إن كان الأذى من جار أو قريب، حيث يمكن أن تؤدي محاولة الإصلاح إلى تهدئة النفوس وعودة المودة. غير أن ذلك لا يُلزم المظلوم بالصمت الدائم، فله أن يدعو على من ظلمه إن لم يجد سبيلًا آخر لرفع الأذى، ولكن الأفضل أن يكون الدعاء عامًا وليس محددًا بإيقاع مرض أو كارثة.

وأوضحت الدار أن الدعاء المبالغ فيه، مثل الدعاء بالموت أو الأمراض الفتاكة، قد يكون فيه تعدٍّ في الدعاء، وهو أمر غير مستحب شرعًا، مستشهدة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “سيُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوتُ فلم يُستجب لي”.

 

الأذى اللفظي.. أشد من الجراح

 

أثر الكلمة المسيئة في نفوس الناس وسلّطت دار الإفتاء الضوء على أن الأذى اللفظي لا يقل خطرًا عن الأذى البدني، بل قد يكون أشد وقعًا على النفس، خاصة إذا تكرر أو حدث في العلن. فالكلمة الجارحة قد تزرع في القلب حزنًا لا يُشفى بسهولة، وتسبب اضطرابات نفسية واجتماعية كبيرة، لا سيما إن جاءت من شخص قريب يُفترض به أن يكون داعمًا ومُعينًا.

 

ومن هنا، شددت دار الإفتاء على ضرورة ضبط اللسان والالتزام بالأخلاق الإسلامية الرفيعة في التعامل مع الآخرين، معتبرة أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن السبّ والشتائم لا تليق بمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر.

 

الدعاء كوسيلة تهذيب للنفس

 

كيف يمكن تحويل الألم إلى عبادة؟ نصحت دار الإفتاء في ختام فتواها بأن يجعل الإنسان دعاءه وسيلة لتقوية صلته بالله، لا وسيلة للانتقام فقط، بل يُمكنه أن يدعو الله بأن يرفع عنه الأذى، وأن يُصلح من يؤذيه، ويهديه إلى سواء السبيل، وأن يُجنبه شر الناس وكيدهم. فمثل هذا الدعاء أقرب للقبول، ويُكسب صاحبه أجرًا في الدنيا والآخرة.

 

وأكدت الدار أن من يسلك طريق العفو والإصلاح يُعدّ من عباد الله الصالحين، مستشهدة بقول الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22].

 

في ضوء ما أوضحته دار الإفتاء المصرية، فإن الدعاء على من يؤذينا جائز شرعًا، بشرط عدم التعدي في الدعاء، مع تفضيل الصبر والعفو إذا كان ذلك ممكنًا. كما أن الأذى، سواء لفظي أو بدني، محرَّم في الإسلام، ويجب مواجهته بالحكمة والرفق أو باللجوء إلى الجهات المختصة إن لزم الأمر. وفي كل الأحوال، يبقى الدعاء وسيلة يلجأ بها المظلوم إلى الله، ولكن الأفضل أن يكون دعاؤه نابعًا من قلب سليم لا يحمل حقدًا، بل يطلب الإنصاف من الرحمن الرحيم.

Related posts

لتحقيق حلمك صدق نفسك واستمر في طريقه ستصل في النهايه

عمر الإنسان هل يُقاس بالسنوات أم بعدد اللحظات التي عاشها بقلبٍ حي ؟!

وردة الجزائرية فى ذكرى ميلادها .. أسرار تنشر لأول مره “حب وألم ودموع”