هل يجب على المرأة استئذان زوجها قبل أداء الحج؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي
في ظل حرص المسلمين والمسلمات على أداء العبادات المفروضة والتقرب إلى الله، يتجدد السؤال حول مدى أحقية المرأة في أداء دون إذن زوجها، خاصة في ظل اختلاف الآراء وتعدد المواقف الاجتماعية. هذا السؤال كان محور حديث الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال استضافته في برنامج “فتاوى الناس” على قناة “الناس”، مع الإعلامي مهند السادات، مساء الثلاثاء الماضي.
استهل الشيخ عويضة عثمان حديثه بتوضيح أن العبادات في الشريعة الإسلامية لا تُفهم بمعزل عن الواقع الأسري والاجتماعي، بل جاءت لتنظم علاقة الإنسان بربه، وكذلك علاقته بالناس من حوله، وبالأخص أفراد أسرته. وفي هذا السياق، أشار إلى أن الزواج هو عقد مبني على المودة والتراحم والتفاهم، وكل طرف فيه له حقوق وعليه واجبات.
وأكد الشيخ أن الحج عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام، ولها شروط وضوابط تختلف باختلاف نوع الحج، سواء كان فرضًا أو تطوعًا، وهذا ما يجب على المسلمين والمسلمات إدراكه جيدًا قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بأداء هذه الفريضة.
شدد الشيخ عويضة على أن هناك فرقًا جوهريًا بين حج الفريضة وحج النافلة أو التطوع. فالحج الفريضة هو ما يُؤدى لأول مرة ويكون واجبًا على كل مسلم ومسلمة تتوافر فيهما شروط الاستطاعة. أما حج التطوع فهو الحج المتكرر بعد أداء الفريضة.
وأوضح أن المرأة إذا لم تكن قد أدت فريضة الحج من قبل، وكانت مستطيعة ماديًا وبدنيًا، وكان معها محرم أو ضمن حملة آمنة تضمن لها الحماية، فيحق لها أداء الفريضة، حتى دون إذن زوجها، لأن فريضة الحج مقدمة في هذه الحالة.
بحسب ما ذكره أمين الفتوى، فإن المرأة يجوز لها أداء فريضة الحج بدون إذن الزوج إذا تحققت عدة شروط، وهي:
1. أن يكون الحج فريضة، وليس تطوعًا.
2. أن تكون المرأة مستطيعة ماليًا وجسديًا.
3. أن تكون في رفقة آمنة، سواء بمحرم أو ضمن مجموعة نسائية موثوقة توفر لها الحماية.
وفي هذه الحالة، فإن الزوج لا يملك منع زوجته من أداء الفريضة، لأنها عبادة واجبة عليها ولا تسقط بطلبه أو رفضه، ما دام الشرط الأمني متوفرًا، بحسب ما أوضحته دار الإفتاء.
أوضح الشيخ أن منع الزوج لزوجته من أداء فريضة الحج غير جائز شرعًا، إذا كانت الشروط السابقة مكتملة. وأضاف أن الفريضة مقدمة في هذه الحالة، ولا يجوز لأحد أن يمنع المرأة من أدائها، لأنها واجبة على كل مسلم ومسلمة مرة واحدة في العمر، متى توفرت القدرة والاستطاعة.
وتابع: “المرأة إذا توفرت لها شروط الحج، وذهبت لأداء الفريضة دون إذن زوجها، فلا إثم عليها، ويُكتب لها الأجر الكامل، ولا يُعد ذلك عصيانًا له في هذه الحالة، لأن طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوق.”
أما فيما يتعلق بحج التطوع، فأكد الشيخ عويضة عثمان أن الحال يختلف تمامًا. فإذا كانت المرأة قد أدت فريضة الحج من قبل، وترغب في أداء حج تطوع أو عمرة، فحينها يلزمها استئذان الزوج، ويحق له أن يرفض في بعض الحالات إذا رأى أن هناك ضررًا أو تقصيرًا في حقه أو في مسؤوليات الأسرة.
وأشار إلى أن الطاعة هنا مرتبطة بتنظيم الحياة الأسرية، وليس تقليلاً من شأن المرأة أو من حقوقها الدينية. فكما أن للمرأة حقوقًا، فللزوج أيضًا حقوق، ويجب أن يكون هناك توازن بين أداء العبادات وتسيير شؤون الحياة اليومية.
ودعا أمين الفتوى إلى أهمية وجود حوار وتفاهم بين الزوجين في مثل هذه الأمور، مؤكدًا أن الزواج السليم يقوم على التشاور والتعاون في طاعة الله، لا على فرض الرأي أو التحكم. كما شدد على ضرورة أن يفهم كل طرف حقوقه وواجباته الشرعية، دون تعنت أو تفريط.
وقال: “ينبغي أن يكون الزوج عونًا لزوجته في الطاعة، وأن يشجعها على أداء العبادات، لا أن يمنعها دون سبب شرعي واضح. وكذلك على الزوجة أن تراعي ظروف زوجها وأسرتهما، خاصة في حالة حج النافلة أو العمرة، فالتفاهم هو أساس الاستقرار.”
في ختام حديثه، أوضح الشيخ عويضة عثمان أن رأي دار الإفتاء المصرية واضح ومحدد في هذا الشأن:
في فريضة الحج: لا يُشترط إذن الزوج إذا توفرت الشروط، ولا يجوز له منعها.
في حج التطوع أو العمرة: يُشترط إذن الزوج، وله أن يمنع إذا اقتضت مصلحة الأسرة ذلك.
ودعت دار الإفتاء إلى الابتعاد عن الجدال في مثل هذه الأمور، والرجوع إلى أهل العلم والاختصاص لفهم الأحكام على وجهها الصحيح، بعيدًا عن التعصب أو الجهل الذي قد يؤدي إلى خلافات زوجية لا داعي لها.
يبقى أداء فريضة الحج من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويجب أن تُؤدى في جو من الطمأنينة والتفاهم. ولا ينبغي أن تتحول هذه الفريضة إلى مصدر خلاف أو خصام بين الزوجين، بل تكون وسيلة للتعاون على البر والتقوى.
فالمرأة التي تتوفر لديها شروط الحج الفريضة، وتؤديها بنيّة خالصة، لا يجوز لأحد منعها من ذلك. أما في الحج النافلة، فالتشاور مطلوب، والطاعة في غير معصية الله واجبة.