كتب:هاني سليم
في زمن تتسارع فيه الخطوات، وتذوب الأيام كما يذوب الملح في الماء، يطل الإعلامي هاني سليم عبر برنامجه «فضفضة» على إذاعة راديو أسرار المشاهير ليوقظ داخل المستمعين أسئلة مؤجلة، ويفتح أبوابًا للحوار الذاتي الذي كثيرًا ما نتجاهله تحت ضغط الحياة.
الطفولة… زمن ممتد بلا حدود
استعاد سليم ببراعة ذكريات الطفولة التي تظل عالقة في أذهان الجميع: أيام طويلة كأنها لا تنتهي، ضحكات لا تعرف الهموم، لعب ومرح وأحلام بريئة لم تتلوث بعد بصخب الواقع. كان النهار آنذاك كافيًا للعب والضحك والنوم واليقظة من جديد، دون شعور بالضغط أو الندرة في الوقت.
هذه العودة إلى الطفولة لم تكن مجرد حنين، بل كانت مدخلًا لتوضيح كيف تغيّر إدراكنا للزمن. فما إن يكبر الإنسان حتى يشعر أن الساعات تضيق، وأن النهار ينتهي قبل أن يبدأ.
القطار كرمز للزمن
أحد أقوى المشاهد التصويرية في الحلقة كان حين شبّه الإعلامي العمر بقطار سريع يعبر المحطة. كل عربة تمثل سنة من سنوات حياتنا، تمر أمام أعيننا في لمح البصر. إن اكتفينا بالوقوف على الرصيف ومراقبة المشهد فسوف يمر القطار كله دون أن نعي أننا لم نتحرك من أماكننا. أما إن قررنا أن نصعد، أن نعيش التجربة، فسوف نكتشف أن للرحلة طعمًا آخر: مناظر من النافذة، حكايات نتشاركها مع الرفاق، لحظات تبقى في القلب مهما طال الزمن.
هذا التشبيه لم يكن مجرد صورة فنية، بل دعوة مباشرة لاغتنام الحاضر والاندماج في تفاصيله.
فضفضة مع المستمع… منبر للأرواح القلقة
ما يميز برنامج «فضفضة» أنه لا يقدم مستمعيه كجمهور صامت، بل كأصحاب تجارب وذكريات وأحلام مؤجلة. ففي قلب الحلقة طرح هاني سليم أسئلة مفتوحة:
-
متى شعرتم أن العمر يسرقكم؟
-
لو عاد الزمن إلى الوراء، ماذا كنتم ستبدؤون أبكر: دراسة؟ حب؟ مشروع؟ هواية؟
-
هل لا يزال لديكم أمل في تحقيق الأحلام، أم تشعرون أن القطار قد فات؟
التفاصيل الصغيرة… مفاتيح البقاء الإنساني
الجزء الأكثر وجدانية في الحلقة كان التأكيد على أن المشكلة ليست في سرعة الزمن، بل في أننا نحن من نؤجل الحياة. نؤجل الضحكة، نؤجل اللقاء، نؤجل الكلمة الطيبة، حتى نفاجأ أن العمر لم يعد ينتظرنا.
لكن وسط هذا الإحباط، جاء الأمل: هناك تفاصيل صغيرة قادرة على إيقاف الزمن داخلنا. فنجان قهوة مع صديق، مكالمة قصيرة لشخص غائب، حضن أبوي، ضحكة صافية… كلها لحظات تترك أثرًا أكبر من السنوات ذاتها. إنها الذكريات التي تدفئ الروح حين يبرد الحاضر.
فلسفة البرنامج… صوت يعيد صياغة علاقتنا بالوقت
نجاح «فضفضة» مع هاني سليم لا يعود فقط لأسلوبه الإذاعي القريب من القلب، بل لقدرته على تحويل البرنامج إلى تجربة فلسفية إنسانية.و يضع يده على جرح عميق: غيابنا عن لحظاتنا الحاضرة.
إنه يذكّرنا بأن العمر ليس أرقامًا تُمحى من التقويم، بل قصصًا نعيشها أو نهدرها. وأن السعادة ليست حدثًا عظيمًا مؤجلًا، بل تفاصيل بسيطة متاحة الآن.
الختام… دعوة للحياة قبل فوات الأوان
أنهى هاني سليم الحلقة بجملة بليغة: “الزمن لا يعود، لكن الذكريات الجميلة تبقى للأبد.”
كانت هذه الخاتمة بمثابة صرخة إنسانية، ودعوة إلى أن نصنع من كل يوم حكاية تستحق أن تُروى. أن نضحك أكثر، نحب أكثر، نعطي أكثر، فلا يصبح العمر مجرد ماضٍ ضائع، بل حاضرًا حيًا يليق بنا.
برنامج «فضفضة» إذن ليس مجرد إذاعة عابرة، بل مساحة صادقة للبوح، وجسر بين الماضي والمستقبل عبر الحاضر. إنه محاولة لإعادة ترتيب علاقتنا بالوقت، وإقناعنا أن اللحظة التي بين أيدينا هي أثمن ما نملك.