ماما نوال الدجوي .. حين يُذكر التعليم الخاص في مصر، لا يمكن أن تغيب عن الأذهان سيرة الدكتورة نوال الدجوي، المرأة التي قررت في خمسينيات القرن الماضي أن تقتحم مجالاً يهيمن عليه الأجانب، وتثبت أن المصريين قادرون على تقديم تعليم متميز بأيديهم.
كتبت: ماريان مكاريوس
لم تكن الدجوي مجرد مؤسسة لمدارس أو جامعة، بل كانت أيقونة، صاحبة رؤية واضحة وإيمان لا يتزعزع بأهمية التعليم كقوة ناعمة قادرة على تغيير المجتمع.
مؤسس أول مدرسة لغات مصرية
في عمر مبكر، وتحديدًا عام 1958، أسست نوال الدجوي أول مدرسة لغات مصرية خاصة، هي مدرسة دار التربية، و التي كانت إحدى وجهات الأميرة ديانا أثناء زيارتها لمصر وتخرج منها منها الكثير من المشاهير، والتي ابرزت دكتورة نوال تحديا للسياق الاجتماعي والتعليمي الذي كانت تسيطر عليه المدارس الأجنبية. في ذلك الوقت و هي لا تتخطى سن الحادية والعشرين، لم تكن تملك سوى الطموح والثقة، لكنهما كانا كافيين لتُحدث فرقًا جذريًا في حياة الآلاف من التلاميذ والأسر المصرية.
اقرأ ايضا: بسبب الغيرة رأس مهشم وأذن مقطوعة.. شاب ينهي حياة عشيقته المتزوجة
التعليم الخاص للجميع
آمنت الدجوي بأن التعليم الجيد ليس حكرًا على دول بعينها، بل يمكن أن يكون مصريًا خالصًا، بروح مصرية، ومعايير عالمية. ومع الوقت، لم تكتفِ بإنشاء المدارس، بل توسعت نحو التعليم الجامعي، فأنشأت جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب (MSA)، إحدى أولى الجامعات المصرية الخاصة التي وفرت للطلاب شهادات معتمدة من جامعات بريطانية مرموقة.
جامعة MSA كانت مشروعًا وطنيًا بامتياز. لم تكن مجرد مبنى أو برامج دراسية، بل كانت فلسفة متكاملة ترى في الطالب محور العملية التعليمية. سعت نوال إلى دمج التكنولوجيا بالتعليم، وإعداد خريجين قادرين على دخول سوق العمل المحلي والعالمي بثقة. حرصت على وجود برامج تدريبية متقدمة، وشجعت الطلاب على الابتكار والعمل الجماعي، وأتاحت لهم بيئة تعليمية منفتحة على العالم.
شهادات وجوائز وتكريمات
حصدت العديد من الجوائز وشهادات التكريم لما قدمت من إسهامات للنهوض بالتعليم في مصر.
منحتها جامعة ميديل سيكس البريطانية درجة الاستاذية الفخرية لدورها الرائدة في تطوير التعليم الأهلي في مصر والالتزام بمعايير الجودة العالمية.
حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة ميزوري بأمريكا عام ١٩٩٧ وكان ذلك من إتحاد الجامعات الأمريكية والتي تضم ٨٧ جامعة
علاقة نوال الدجوي بطلابها
لكن الأعظم من كل ذلك، هو العلاقة الخاصة التي كانت تربط الدكتورة نوال الدجوي بطلابها. لقبها المحبب “ماما نوال” لم يكن نابعًا من فراغ، بل من اهتمامها الشخصي بكل طالب، وحرصها على الاستماع، والمتابعة، والتوجيه بروح الأم والمعلمة في آن واحد. لم تكن تدير من خلف مكتب مغلق، بل كانت تتجول وسط الحرم الجامعي، تتابع التفاصيل، تحاور الطلاب، وتشاركهم أحلامهم وتحدياتهم.
ورغم مكانتها الرفيعة، ظلت نوال الدجوي متواضعة، قوية الإرادة، واضحة الرؤية. لم تسع إلى الأضواء، بل إلى النتائج. كانت ترى أن الاستثمار الحقيقي ليس في العقارات أو التجارة، بل في الإنسان. ومن خلال مسيرتها، ساهمت في صناعة أجيال من المتعلمين والمثقفين ورجال وسيدات المجتمع.
اقرأ ايضا: طائره حربية تسقط علي شاطئ رأس البر والمفاجأة: الطيار ينجو بأعجوبة قبل لحظات من الموت
لحظات قاسية
لكن الحياة لا تخلو من لحظات قاسية، حتى على العظماء. ففي مايو 2025، فوجئ الرأي العام المصري بنبأ صادم: عملية سرقة ضخمة استهدفت منزل الدكتورة نوال الدجوي بمدينة السادس من أكتوبر. السارقون استولوا على نحو 15 كيلوغرامًا من الذهب، وأكثر من 3 ملايين دولار أمريكي، و50 مليون جنيه مصري، و350 ألف جنيه إسترليني، في واحدة من أكبر السرقات الخاصة في تاريخ مصر الحديث.
ما زاد من ألم الحادث هو أن التحقيقات الأولية أشارت إلى أن الجناة لم يكسروا بابًا أو نافذة، ما يعني أن السرقة تمت من داخل الدائرة المقربة، من أحد الذين يعرفون تفاصيل الفيلا. لم تكن مجرد سرقة، بل خيانة للثقة، وطعنة في الظهر.
تقدير شعبي وأكاديمي
ورغم فداحة الخسارة، فإن نوال الدجوي لم تظهر في أي وسيلة إعلامية لتشكو أو تتباكى. بقيت كما عهدها الجميع، شامخة، قوية، صامتة بحكمة. لم تدع المأساة تنال من قيمتها أو تقلل من عطائها. فالذهب يُسرق، أما أثرها في نفوس الطلاب وفي مسيرة التعليم المصري، فباقٍ لا يُمس.
لقد كشفت تلك الحادثة عن حجم التقدير الشعبي والأكاديمي للدكتورة نوال، حيث غصت وسائل التواصل الاجتماعي بآلاف الرسائل التي عبّرت عن التعاطف والدعم، وذكّرت بتاريخها المشرّف. كثيرون اعتبروا أن ما حدث ليس مجرد حادث سرقة، بل اعتداء على قامة مصرية كبيرة، تستحق الحماية والتقدير.