تخليدا لرؤية تزاوج بين الإبداع والالتزام الإنساني، انطلقت يوم الخميس 16 أكتوبر 2025 فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي، لتمتد حتى 24 من الشهر نفسه، وسط حضور نجمي لامع وعروض سينمائية عالمية، يؤكد المهرجان، سنة تلو الأخرى، على مكانته كمنصة ثقافية رائدة تربط صناع الأفلام العرب بنظرائهم الدوليين، وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية الملحة عبر لغة السينما الكونية .
تقرير / محمد جابر
انطلاق الحفل
افتتح المهرجان بحضور لامع لنجوم الفن وصناع السينما من مصر والعالم، حيث ألقى مؤسس المهرجان، نجيب ساويرس، كلمة الافتتاح مشيرا إلى أن الدورة الحالية تقام وسط أجواء من الأمل، بعد أن كانت الدورة السابقة محملة بالحزن على ما يجري في غزة. وأكد ساويرس على دور مصر في الأزمات الصعبة، كما ذكر معاناة الملايين حول العالم الذين يعانون الجوع، مخصا بالذكر المدنيين في غزة والسودان .
ومن جانبها، أكدت ماريان خوري، المدير الفني للمهرجان، في كلمتها على قوة السينما وقدرتها على الصمود، قائلة: “المهرجان يعود هذا العام ليقدم برنامج ‘نافذة على فلسطين’… تأكيدا على أن الفن لا يحتل، وأن الحلم يظل ممكنا مهما كانت التحديات” .
محطات بارزة في حفل الافتتاح
شهد حفل الافتتاح، الذي نقل حصريا على عدة محطات مهمة :
التكريم: تم تكريم الفنانة منة شلبي بجائزة “الإنجاز الإبداعي” تقديرا لمسيرتها الفنية المتميزة و إسهاماتها في السينما المصرية والعربية. و أهدت منة شلبي التكريم إلى المخرج الراحل رضوان الكاشف وإلى والدتها الفنانة زيزي مصطفى .
ضيف الشرف: حضرت النجمة العالمية كيت بلانشيت ضيفة شرف المهرجان، حيث ستكرم خلال أيامه بجائزة “بطلة الإنسانية” تقديرا لمساهماتها الفنية والإنسانية، وسيتم عقد جلسة حوارية معها يوم 19 أكتوبر يديرها الإعلامي ريا أبي راشد .
فيلم الافتتاح: اختير الفيلم الروائي المصري “عيد ميلاد سعيد” للمخرجة سارة جوهر ليكون فيلم الافتتاح، بعد نجاحه في مهرجان ترايبيكا السينمائي 2025 وحصوله على ثلاث جوائز، منها أفضل فيلم روائي دولي وأفضل مخرجة .
عروض سينمائية متنوعة تثري المهرجان
يقدم المهرجان هذا العام باقة ثرية من الأفلام التي نالت إشادة نقدية وحصدت جوائز في أعرس المهرجانات العالمية مثل “كان” و”برلين” و”فينيسيا”، حيث يعرض أكثر من 70 فيلما من مختلف أنحاء العالم .
أبرز الأفلام في المسابقة الرسمية
تتنافس 13 فيلما في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، منها ثلاثة أفلام عربية لافتة :
– “كولونيا” (My Father’s Scent) للمخرج محمد صيام (مصر): إنتاج مشترك بين عدة دول، تدور أحداثه في ليلة واحدة بين أب وابنه لتنكشف جراح وأسرار عائلية.
– “المستعمرة” (The Settlement) للمخرج محمد رشاد (مصر): إنتاج مشترك، يتتبع شقيقين يحققان في وفاة والدهما الغامضة.
– “وين ياخدنا الريح” (Where the Wind Comes From) للمخرجة آمال القلالي (تونس): إنتاج مشترك، عن شابين تونسيين يحلمان بالهرب من واقع قاس.
إلى جانب أفلام عالمية مرموقة مثل “حادث بسيط” للمخرج الإيراني جعفر بناهي الحائز على السعفة الذهبية من مهرجان كان، و”أب، أم، أخت، أخ” للمخرج الأمريكي جيم جارموش .
مسابقة الأفلام الوثائقية.. صوت للقضايا الإنسانية
تضم المسابقة 12 فيلما وثائقيا تتنوع بين السرديات الشخصية و الاستكشافات لقضايا الصراع العالمي، ويتنافس صناعها على أربع جوائز مالية قيمتها الإجمالية 62,500 دولار . ومن أبرز الأفلام:
– “تحت الغيوم” للمخرج الإيطالي جيانفرانكو روسي، الحاصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان فينيسيا 2025 .
– “حكايات الأرض الجريحة” للمخرج عباس فاضل (لبنان)، وهو سجل بصري مؤثر عن جنوب لبنان بعد الحرب .
– “الحياة بعد سهام” للمخرج نمير عبد المسيح (مصر)، الذي يستكشف أزمة الإبداع وعلاقة الفن بالحزن من خلال تجربته الشخصية في فقدان والدته .
“نافذة على فلسطين”.. إصرار على أن الفن لا يحتل
كما يعتبر برنامج “نافذة على فلسطين”، الذي يعرض للعام الثالث على التوالي، أحد أبرز الملامح الإنسانية في المهرجان. يقدم البرنامج هذا العام سبعة أفلام وثائقية جديدة من إنتاج المبادرة التي يشرف عليها المنتج والمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، والتي تؤكد أن “أحدا لا يستطيع احتلال السينما أو إسكات الكاميرا الفلسطينية” .
من بين هذه الأفلام: “الأمنية” لأوس البنا، و”ألوان تحت السماء” لريما محمود، و”غزة إلى الأوسكار” لعلاء دمو، والتي توثق جميعا معاناة وصمود وإبداع الشعب الفلسطيني تحت وطأة الحرب، محولة المعاناة الفردية إلى ذاكرة جمعية حية .
احتفاء بالتراث ودعم للمستقبل
تكريم يوسف شاهين في مئويته
كما يحتفي المهرجان بمئوية ميلاد المخرج الأسطورة يوسف شاهين من خلال معرض فني تفاعلي مستوحى من فيلمه الخالد “باب الحديد”. صمم على هيئة محطة القطار الأيقونية التي شكلت مسرح الأحداث. ليقدم للزائر تجربة بصرية و حسية فريدة داخل عالم شاهين السينمائي . بالإضافة إلى ذلك، يعرض المهرجان فيلم “إسكندرية كمان وكمان” و ينظم جلسة حوارية بعنوان. “رحلة مع الأستاذ” بمشاركة مخرجين تأثروا بإرثه .
سيني جونة: منصة للصعود بالمواهب الناشئة
كذلك يواصل برنامج “سيني جونة” دوره الحيوي في دعم صناع الأفلام الناشئين. حيث تلقى برنامج المواهب الناشئة هذا العام أكثر من 1000 طلب مشاركة . كما تلقت منصة “سيني جونة لدعم إنتاج الأفلام” أكثر من 290 مشروعا. تم اختيار 20 مشروعا منها للمشاركة في فعاليات المهرجان. في إطار دعم حقيقي للإبداع الشبابي وتطوير مهاراتهم عبر ورش عمل وجلسات حصرية مع خبراء الصناعة .
خريطة الطريق إلى الجوائز
كما أعلن المهرجان عن تشكيل لجان تحكيم الدورة الثامنة التي تضم مجموعة من أبرز الأسماء العربية والعالمية. حيث تترأس الفنانة ليلى علوي لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة. ويرأس المخرج الفرنسي نيكولا فيليبير لجنة أفلام الوثائقية الطويلة. بينما يتولى رئاسة لجنة الأفلام القصيرة المخرج مهدي فليفل .
رسالة إنسانية تخترق الشاشة
بحسب عمرو منسي، المدير التنفيذي والمؤسس الشريك للمهرجان، فإن انعقاد الدورة الحالية يتزامن مع قمة شرم الشيخ للسلام. “وهو ما يعكس أهمية الحوار الثقافي والإنساني إلى جانب الحوار السياسي”. مؤكدا أن مصر “كانت وما زالت أرض التاريخ والثقافة والسلام” .
وعلاوة على ذلك. لا يكتفي مهرجان الجونة السينمائي 2025 بعرض أفلام استثنائية. بل يرسخ نفسه كمنصة إنسانية ترفع صوت الحق والإبداع. وتؤكد أن السينما تظل وسيلة فاعلة للتأثير والتغيير الإيجابي. مجسدة رؤية مؤسسه سميح ساويرس بأن نجاحه المتواصل يأتي من تبني “الأفكار الجديدة” التي تميزه على الساحة الفنية. في إطار من التكامل وليس المنافسة مع كل الفعاليات الفنية في مصر. لأن “مصر هي الرابح الحقيقي” في النهاية .