تُعد “معركة الوعي” هي الحرب الحقيقية في القرن الحادي والعشرين؛ حيث لم تعد الجيوش وحدها هي من تحمي الحدود، بل أصبحت المنصات الرقمية هي الثغور الجديدة التي تُخترق منها المجتمعات أو تُحصّن.
بقلم: سيد البالوي
في ظل الطفرة الرقمية الهائلة التي تعيشها مصر، يصبح دعم مقدمي المحتوى الوطنيين ضرورة استراتيجية قصوى لحماية الأمن القومي.
مصر الرقمية 2025: أرقام تفرض المواجهة
وفقاً لبعض الأرقام التقديرية لعام 2025، سجلت مصر أرقاماً غير مسبوقة تعكس حجم المسؤولية الملقاة على عاتق صناع المحتوى:
96.3 مليون مستخدم للإنترنت: بنسبة انتشار وصلت إلى 81.9% من إجمالي السكان.
50.7 مليون مستخدم نشط لوسائل التواصل الاجتماعي: مما يجعل مصر أكبر جمهور رقمي في المنطقة العربية، بزيادة مستمرة تعزز دور المنصات في تشكيل الرأي العام.
116 مليون خط هاتف محمول نشط: ما يعني أن الإنترنت صار رفيقاً لكل مواطن في كل لحظة.
هذه الكثافة الرقمية تعني أن كل مواطن هو هدف محتمل لرسائل إعلامية، مما يجعل الساحة الافتراضية ميداناً مفتوحاً لصراع الإرادات والأفكار.

مخطط الهدم: كيف يفسد الوعي “الأجندات الخبيثة”؟
يواجه المجتمع المصري هجمات ممنهجة عبر “المحتوى الفاسد” الذي يستهدف هدم الثوابت وتغييب الوعي وخلق واقع هش بنشر الشائعات المغرضة. هذا المحتوى الذي لا يهدف للترفيه فحسب، بل هو أداة ضمن مخططات “حروب الجيل الرابع والخامس” لزعزعة الاستقرار وتفكيك الهوية الوطنية.
هنا تبرز قيمة المبدعين الوطنيين، مثل الكتاب والأدباء وأصحاب الفكر الإيجابي والمبادرات التطوعية، الذين يقدمون محتوىً رصيناً وذلك من خلال عقل واعٍ قادر على إنتاج رسالة وطنية جذابة تمثل “مصل واقٍ” يفسد مفعول السموم الرقمية قبل انتشارها.
مثلث الحماية: الحكومة، المبدع، وجهات الأمن القومي
إن حماية المجتمع تتطلب صياغة “بروتوكول تعاون” ثلاثي الأبعاد يجمع بين الجهات الحكومية، المبدعين، وأجهزة حماية الأمن القومي:
الشراكة الاستراتيجية: يجب أن تتعامل الحكومة مع مقدمي المحتوى الهادف كشركاء في “الإعلام الأمني”. دعم الدولة لهؤلاء المبدعين بتسهيل الوصول للمعلومات الصحيحة يقطع الطريق على الشائعات.
التكامل مع جهات الأمن القومي: ضرورة وجود قنوات تواصل مباشرة بين المبدعين وجهات حماية الأمن القومي لتوفير “الغطاء التقني والقانوني” ضد الهجمات العدوانية المنظمة وبلاغات الحجب الكيدية التي تستهدف الأصوات الوطنية.
تذليل الصعوبات والتمكين: توفير منصات إنتاجية كبرى تسمح للمحتوى الوطني بمنافسة المحتوى الهابط من حيث “الجودة والانتشار”. فالمعركة لا تُربح بالمنع فقط، بل بتقديم البديل الأقوى والأكثر وعياً.
ختاماً: الوعي هو الحصن الأخير
إن استثمار الدولة في عقول شبابها يجب أن يكون عبر الدعم المباشر للقوى الناعمة، وليس فقط عن طريق برامج حكومية أو تعليمية تقليدية. فهذه الحرب تحتاج تجييشاً مجتمعياً من جميع الفئات، وليس الشباب فقط، مما يستدعي تخلي الحكومة عن سياسة الخطط والمشروعات طويلة التجهيز والإعداد، والتحول إلى فتح قنوات تواصل دائمة، ودعم جميع من يقدم محتوى هادفاً، واحتواء كافة الأصوات الوطنية، والتدخل العاجل لوقف “شللية” الوزارات، والعمل بعقلية وعقيدة رجل الجيش المحارب الذي يعظم كل مجهود ويعطي الفرص للجميع؛ فليس هذا بوقت المشروعات الوهمية أو البيانات المضللة.
هذه هي الضمانة الوحيدة لإفساد المخططات الخبيثة. عندما تتلاحم جهود الجهات السيادية مع إبداع مقدمي المحتوى الوطنيين، يتحول الفضاء الرقمي من ثغرة أمنية إلى درع متين يحمي الهوية ويبني المستقبل.

