بقلم : دكتور عمر محفوظ
معاول الهدم الأربعة أخطر ما يُهدد الأمة ليس الجهل، بل الجهل المتنكر في عباءة العلم. وليس العدو الذي يأتيك من الخارج، بل الذي يدخل عليك من الداخل باسم “التنوير” و”الحرية” و”تجديد الخطاب الديني”، بينما هو لا يجدد، بل يهدم، لا يحرر، بل يخلع الأسس.
أربعةٌ تصدّروا هذا المشهد: سيد القمني، نوال السعداوي، إبراهيم عيسى، وسعد الدين الهلالي، مختلفون ظاهريًّا، لكن يجمعهم هدفٌ واحد زعزعة ثقة الناس في تراثهم وثوابتهم.
دعونا نرى الصورة كما هي لا كما تُقدَّم.
1- سيد القمني: من التاريخ إلى التحريض
لم يكن القمني مؤرخًا، بل منقِّبًا في القبور باحثًا عن رفات الدين. كتب كثيرًا… وهاجم أكثر، وبلغ به القول أن الإسلام “انتشر بالسيف”، وأن الفتوحات الإسلامية “احتلال عسكري”. يقول نصًا:
الفتح الإسلامي لم يكن نشرًا للدين بل غزوًا سياسيًا وإعادة توزيع للثروات، (سيد القمني – مقابلة مع قناة الحرة)
في كتبه، كمثل “الحزب الهاشمي”، تجد تحليلًا سياسيًّا صرفًا للنبوة، وكأن الرسول ﷺ قائد قبلي طامع في الحكم، لا نبيًا يوحى إليه. وهكذا تتحول السيرة إلى نظرية مؤامرة… لا قداسة فيها ولا نور.
2- نوال السعداوي: حين تصرخ الأيديولوجيا باسم المرأة
السعداوي بدأت طبيبة، وانتهت مفكرةً غاضبة. كانت ترى الدين عبئًا ثقيلًا على المرأة، وتدعو لتحريرها من “القيد الديني”. قالت في أحد لقاءاتها،أنا لا أومن أن هناك إلهًا يفرض الحجاب أو يوصي به.. هذه خرافات اجتماعية.
(نوال السعداوي – قناة DW الألمانية)
ثم راحت تطعن في التراث كله: القرآن فيه “نظرة دونية للمرأة”، والسنة “إنتاج ذكوري”، وتاريخ الإسلام “سردية ذكورية مغلقة”.
تقول: الشريعة الإسلامية جاءت من المجتمع الذكوري وليست من الله، (من كتابها: “المرأة والجنس”).
لم يكن فكر السعداوي تحررًا، بل تمردًا عشوائيًّا… ضد كل قيد، حتى لو كان الضمير.
3- إبراهيم عيسى: الصحفي الذي ظن نفسه فقيهًا
إبراهيم عيسى لم يقرأ ألفية ابن مالك، ولا زاد المستقنع، لكنه فجأة صار مفتياً في الفضائيات. مشكلته ليست مع متشدد، بل مع الإسلام ذاته كما هو. يقول في إحدى حلقات برنامجه:
لا يوجد شيء اسمه عذاب القبر… هذه خرافة ولا دليل علمي عليها.
(إبراهيم عيسى – قناة القاهرة والناس)
ثم يضيف: أحاديث البخاري فيها خرافات لا يمكن لعقل أن يقبلها… لا أحد فوق النقد، حتى البخاري
إبراهيم عيسى يخلط بين الجرأة والجهل، بين الرأي والموروث، بين النقد والتهكم. مشروعه واضح: تفكيك التراث بلا علم، وهدم الثوابت بأسلوب ساخر يُضحك الناس ويبكي العقلاء.
4- دكتور سعد الدين الهلالي: منبر الأزهر ومعول الشذوذ
الهلالي أخطرهم لأنه يتكلم من داخل الشرعية الدينية. أستاذ فقه بالأزهر، لكنه يُحيي الآراء الشاذة ويدفع بها إلى واجهة الإعلام يقول: من حق كل مسلم أن يختار الرأي الفقهي الذي يناسبه حتى لو كان مخالفًا لرأي الجمهور، (سعد الدين الهلالي – قناة MBC مصر)، وقال أيضًا: الحجاب ليس فريضة دينية… وإنما هو مسألة اجتماعية نسبية، لا تتعلق بالثوابت،
ويستدل بآراء نادرة مهجورة منذ قرون، فيخرجها من القبور ويقدّمها للعامة كخلاص، وكأن التراث كان ظلامًا حتى جاء الهلالي ليمد الناس بنور الشذوذ.
الهلالي لا يجتهد بل يُشتّت، لا يقرّب العلم للناس، بل يُغرقهم في الحيرة، وهو بهذا لا يجدد الفقه، بل يُلغِّمه.
النتيجة؟
أمة مُنهكة، مُشوَّشة، لا تعرف الحلال من الحرام، ولا الثابت من المتغير. شبابٌ يتلقون الدين من إعلامي لا من عالم، ومن روائي لا من فقيه.
وتتكرر الجملة على ألسنتهم جميعًا: “نحن نجدد الخطاب الديني”.
لكن الحقيقة أنهم لا يجددون شيئًا… بل يريدون خلع الجبة والعمامة، لا غَسلها.
الخاتمة: حين يكون الهدم صوتًا عاليًا
يا سادة… نحن لا نخشى الفكر، بل نحترمه. ولا نرفض النقد، بل نطلبه. لكننا نرفض الخديعة حين يرتدي الهدم ثوب التجديد، وحين يتحول الشذوذ إلى اجتهاد، وحين يصبح منبر الأزهر صوتًا للبلبلة لا للبيان.
قولوا للهلالي والقمني وعيسى والسعداوي، لن تسرقوا منّا تراثنا باسم العقل، لأن العقل لا يعارض النقل، بل يُضيئه، ولن تُطفئوا النور بسُحب الشم، فالشمس لا تُطفئها السحب، بل تكشف زيفها.
الزبد يعلو قليلًا، لكن ما ينفع الناس، يمكث في الأرض.
كاتب المقال الناقد والكاتب الكبير
د. عمر محفوظ