في خطوة تعكس عمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تربط بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، استقبل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، في مقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وفدًا رفيع المستوى يضم نخبة من رجال الأعمال السعوديين البارزين.
هذا اللقاء الهام، الذي أعقب يومًا واحدًا من انعقاد “ملتقى رجال الأعمال المصري السعودي” الذي استضافته القاهرة، يؤكد على التوجه الراسخ لدى قيادتي البلدين نحو تعزيز التعاون الاقتصادي وتنمية الشراكات الاستثمارية المثمرة، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تحولات اقتصادية وتحديات متزايدة.
هذا الحضور الرفيع المستوى يعكس الأهمية القصوى التي توليها المملكة لتنمية استثماراتها في مصر واستكشاف الفرص المتاحة في السوق المصري الواعد.
في مستهل اللقاء، رحب رئيس الوزراء المصري بالوفد السعودي، معربًا عن تقديره العميق للمشاركة الفعالة لرجال الأعمال السعوديين في ملتقى القاهرة. كما دعا الدكتور مدبولي الضيوف الكرام للقيام بجولة تعريفية في العاصمة الإدارية الجديدة، هذا المشروع القومي العملاق الذي يجسد طموحات مصر في التنمية العمرانية المستدامة، بهدف إطلاعهم على حجم الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع.
وقد أعرب رئيس الوزراء عن اعتزازه بالعلاقات التاريخية المتينة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، مؤكدًا على تقدير مصر للاهتمام المتزايد من الجانب السعودي بالاستثمار في السوق المصري، وهو ما يعكس ثقة المستثمر السعودي في قوة ومتانة الاقتصاد المصري وقدرته على تحقيق النمو.
أكد الدكتور مصطفى مدبولي على حرص القيادة السياسية في كلا البلدين على تعميق الروابط الاقتصادية وتوسيع آفاق التعاون المشترك في مختلف المجالات.
وفي هذا السياق، أشار رئيس الوزراء إلى دخول “اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة” بين حكومتي البلدين حيز التنفيذ، مؤكدًا أن هذه الاتفاقية تمثل نقطة انطلاق جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي وتوسيع حجم التبادل التجاري بين البلدين، خاصة بين القطاع الخاص في كلا الجانبين.
جدد الدكتور مدبولي التأكيد على أن الحكومة المصرية مستمرة في جهودها الرامية إلى توفير بيئة استثمارية جاذبة وتذليل كافة العقبات التي قد تواجه المستثمرين، وتقديم كافة التسهيلات والدعم اللازم لهم. وأوضح أن الحكومة اتخذت بالفعل العديد من الإجراءات لتحسين مناخ الأعمال، وتطوير البنية التحتية، وتبسيط الإجراءات الحكومية، بما في ذلك منظومة الضرائب والجمارك، بالإضافة إلى توفير حزمة من الحوافز الاستثمارية في مختلف القطاعات ذات الأولوية.
كما أكد رئيس الوزراء على أهمية التعاون والتكامل بين مصر والمملكة العربية السعودية في إقامة مشروعات مشتركة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية، بهدف الاستفادة من المزايا النسبية التي يتمتع بها كلا البلدين لمواجهة التحديات العالمية الراهنة وتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود وتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة. وفي هذا الإطار، أكد أن “مصر بلد واعد للاستثمار وأن بناء الروابط والشراكات هو الحل الأمثل للبلدين”.
أشار الدكتور مدبولي إلى النمو الملحوظ في حجم الشركات المصرية العاملة في السوق السعودي، وكذلك الشركات السعودية المستثمرة في مصر، مؤكدًا أن هذا التزايد يعكس ثقة القطاع الخاص في كلا البلدين في جدوى الاستثمار في أسواق الطرف الآخر، وهو ما يساهم بشكل فعال في تحقيق أهداف التكامل الاقتصادي التي تتطلع إليها القيادتان.
أكد رئيس الوزراء على حرص الحكومة المصرية على تذليل كافة التحديات التي تواجه الشركات السعودية المستثمرة في مصر، وذلك بالتنسيق الكامل مع كافة الجهات المعنية. وأشار إلى أنه تم بالفعل تشكيل لجنة خاصة بمجلس الوزراء برئاسة المهندسة راندة المنشاوي، مساعد أول رئيس الوزراء، لبحث المشكلات المقدمة من الشركات السعودية والعمل على إيجاد حلول جذرية لها. وأوضح أن اللجنة تعقد اجتماعات دورية بحضور ممثلي الجهات الحكومية المختصة للوقوف على أسباب المشكلات واقتراح الحلول المناسبة في ضوء مبادئ تشجيع الاستثمار والحفاظ عليه، مع إطلاع سفارة المملكة العربية السعودية في القاهرة على نتائج هذه الجهود بشكل منتظم.
وقد أكد الدكتور مدبولي أن اللجنة تتخذ إجراءات استثنائية من أجل حل مشكلات المستثمرين السعوديين، مشيرًا إلى النجاح في حل غالبية المشكلات، بما في ذلك بعض المشكلات التي كانت عالقة لعقود طويلة، وأن العمل جارٍ على إيجاد حلول للمشكلات المتبقية بالتنسيق مع الجهات المعنية، مؤكدًا حرصه الشخصي والمستمر على تذليل أي عقبات تواجه المستثمرين السعوديين.
أعرب رئيس الوزراء عن تطلعه إلى جذب المزيد من الاستثمارات السعودية إلى السوق المصرية، خاصة في ظل ما تتمتع به مصر من فرص استثمارية واعدة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
تطرق الدكتور مدبولي إلى التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الحروب التجارية، مؤكدًا أن هذه الظروف قد تمثل فرصة مهمة لبناء شراكات قوية وفتح أسواق جديدة فيما بين البلدين. وفي هذا السياق، أعرب عن سعادته بالزيادة الملحوظة في استثمارات الشركات السعودية في مصر، وكذلك استثمارات الشركات المصرية في السعودية.
خلال الاجتماع، استعرض رئيس الوزراء الرؤية المصرية لدفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال التركيز على أربعة قطاعات رئيسية ذات أولوية قصوى: الصناعة، والزراعة، والسياحة، والاتصالات.
كما قدم عرضًا لعدد من الفرص الاستثمارية الواعدة في قطاع الزراعة.
من جانبه، أوضح السيد حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، أن ملتقى رجال الأعمال المصري السعودي شهد حضورًا لافتًا تجاوز 100 مستثمر سعودي وأكثر من 80 مستثمرًا مصريًا، مع الحرص على تغطية القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل العقارات والصناعة والسياحة وغيرها. وأشار إلى مشاركة ممثلين عن هذه القطاعات لعرض الفرص المتاحة أمام المستثمرين السعوديين، بالإضافة إلى زيارة المستثمرين السعوديين لمركز خدمات المستثمرين حيث تم إطلاعهم على كافة الإجراءات المتعلقة بإقامة الاستثمارات في مصر والحوافز الممنوحة لها.
بدوره، أعرب المهندس إبراهيم المبارك، الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية لتسويق الاستثمار، عن شكره وتقديره لرئيس الوزراء على حرصه على استقباله والوفد المرافق له، مؤكدًا أن هذا اللقاء يعكس اهتمامًا كبيرًا من جانب الحكومة المصرية بالمستثمر السعودي.
كما أعرب “المبارك” عن تقديره لرئيس الوزراء والوزراء المعنيين لسرعة العمل على دخول اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة حيز التنفيذ، مؤكدًا أن “زيارتنا لمصر تؤكد اهتمام الشركات السعودية للعمل في مصر”.
وأشار إلى أن المشاورات التي جرت خلال ملتقى رجال الأعمال المصري السعودي مع الجانب المصري من القطاعين الحكومي والخاص كانت مثمرة للغاية، حيث تم إطلاع الجانب السعودي على الفرص الاستثمارية المتنوعة في مصر، كما لمسوا حرصًا ورغبة مماثلة من رجال الأعمال المصريين على الاستثمار في المملكة.
أعرب “المبارك” عن تطلعه لزيادة الروابط الاقتصادية بين البلدين الشقيقين، واصفًا الاقتصاديين المصري والسعودي بأنهما من دعائم الاستقرار في المنطقة. كما أشار إلى وجود فرص مهمة لتوفير برامج سياحية مشتركة بين البلدين، مما يتيح خيارات متنوعة للسائحين ويعزز التكامل في هذا القطاع الحيوي.
وأكد الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية لتسويق الاستثمار على ضرورة العمل على تحقيق التكامل بين البلدين في القطاع الصناعي في ظل التطورات التجارية التي تشهدها الساحة الدولية حاليًا.
من جهته، تقدم السيد حسن معجب الحويزي، رئيس اتحاد الغرف السعودية، بالشكر والتقدير لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ولرئيس الوزراء على دعمهما الكبير للقطاع الخاص السعودي، مثمنًا جهود اللجنة المعنية بحل مشكلات المستثمرين السعوديين بمجلس الوزراء تحت رئاسة المهندسة راندة المنشاوي. وأكد أن رجال الأعمال السعوديين لديهم قناعة تامة بأن مصر سوق جاذبة ومُمكّنة للاستثمارات، مشيدًا في الوقت نفسه بحجم الإنجاز الهائل الذي تحقق في العاصمة الإدارية الجديدة، واصفًا إياه بأنه “فخر لنا جميعًا كعرب”.
في ختام الاجتماع، أعرب رئيس الوزراء عن تطلعه إلى سرعة عقد شراكات مصرية سعودية جديدة، مؤكدًا أن “أي مشروع سعودي جديد سيتم عرضه على الفور على مجلس الوزراء حتى يتسنى له الحصول على الرخصة الذهبية”، ووعد بتسريع جميع الإجراءات اللازمة لإقامة مشاريعهم في مصر.
هذا اللقاء المثمر بين رئيس الوزراء المصري ووفد رجال الأعمال السعوديين يمثل خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين الشقيقين. يعكس حرص القيادتين على استغلال الفرص المتاحة وتذليل التحديات المشتركة، بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين ويساهم في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي في المنطقة بأسرها. إن الآفاق واعدة لشراكة استراتيجية قوية ومتينة، قادرة على مواجهة المتغيرات العالمية وتحقيق التنمية المستدامة لكلا البلدين.