مشروع الهوية البصرية الوطني: بين طموح التوحيد وإلاشكالية الفنية

مشروع الهوية البصرية

مشروع الهوية البصرية للمدن المصرية: استعادة الطابع المميز ومواجهة التشوه البصري

كتب باهر رجب

في خطوة طموحة تهدف إلى استعادة الطابع الحضاري والتاريخي الفريد للمدن المصرية ومواجهة سنوات من العشوائية و التشوه البصري، تتبنى مصر مشروعا قوميا شاملا لتصميم وتطبيق هويات بصرية مميزة لكل محافظة ومدينة رئيسية. يقود هذا المشروع، الذي يحظى بدعم مباشر من رئاسة الجمهورية، تحالف من المؤسسات الحكومية والأكاديمية، وعلى رأسها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ووزارات التخطيط والتنمية الاقتصادية، والإسكان، والسياحة والآثار، بالتعاون مع الجامعات المصرية، أبرزها الجامعة الألمانية بالقاهرة التي لعبت دورا رياديا في وضع الأسس التصميمية للمراحل الأولى من المشروع تابع المشروع على تريندات.

اهداف المشروع

يهدف المشروع إلى خلق “بصمة بصرية” لكل مدينة، تعبر عن مقوماتها التاريخية والثقافية والطبيعية والجغرافية الفريدة، وتساهم في تعزيز الانتماء لدى المواطنين، وتعمل كأداة تسويقية فعالة لجذب السياحة والاستثمارات. وتتجاوز الهوية البصرية مجرد تصميم شعار، لتشمل منظومة متكاملة من العناصر البصرية الموحدة، مثل الألوان، والخطوط، واللافتات، وتصميمات الأثاث الحضري، والإنارة، وواجهات المباني، وحتى وسائل النقل العام.

 

نماذج رائدة: الأقصر وأسوان وشرم الشيخ

كانت محافظتا الأقصر وأسوان، بجنوبهما الساحر و تراثهم الفرعوني و النوبي الثري، في طليعة المدن التي شهدت تطبيقا لمشروع الهوية البصرية، لتمثلا نموذجا يحتذى به لباقي المحافظات.

 

الأقصر: عاصمة الحضارة المصرية القديمة

الهوية البصرية لمدينة الأقصر، التي صممتها الجامعة الألمانية، تستلهم عناصرها من التراث الفرعوني الغني للمدينة. الشعار المبتكر للمدينة مستوحى من حروف كلمة “الأقصر” باللغة الإنجليزية (LUXOR)، حيث يرمز كل حرف إلى أحد معالم المدينة وخصائصها:

 L: يمثل الزاوية القائمة المميزة للعمارة المصرية القديمة.

U: مستوحى من ممرات المعابد الفرعونية.

X: يرمز إلى تقاطع البرين الشرقي والغربي عند نهر النيل.

O: يمثل الشمس والنيل، مصدري الحياة.

R: يجسد عين حورس، التي ترمز إلى الحكمة والرؤية الثاقبة.

وتم تطبيق هذه الهوية البصرية على نطاق واسع في المدينة، لتشمل مطار الأقصر الدولي، ومحطة القطار، والمركبات العامة مثل سيارات الأجرة و الحنطور، والمراكب الشراعية في النيل، بالإضافة إلى لافتات الشوارع والمباني الحكومية.

 

أسوان: سحر النوبة والطبيعة الخلابة

تعتمد الهوية البصرية لأسوان على إبراز طابعها النوبي المميز وجمالها الطبيعي. تم تصميم شعار (“لوجو”) خاص للمدينة يعكس تراثها الثقافي، وتم تطبيقه على المنشآت الحيوية ووسائل النقل، بما في ذلك تزيين أشرعة المراكب النيلية بالألوان والرموز المستوحاة من الفن النوبي، وتوحيد ألوان سيارات الأجرة والمباني. كما تم التركيز على استخدام الألوان الزاهية التي تعكس طبيعة أسوان المشرقة.

 

شرم الشيخ: مدينة السلام والسياحة العالمية

مع استضافتها للعديد من الفعاليات الدولية، كان من الضروري تطوير هوية بصرية تعكس مكانة شرم الشيخ كمدينة عالمية للسلام والسياحة. تم تصميم شعار يدمج اسم المدينة باللغتين العربية والإنجليزية، حيث يمثل الجزء العلوي أمواج البحر، والجزء السفلي أعماق البحر الغنية بالشعاب المرجانية، بينما ترمز النقاط الثلاث في حرف “الشين” إلى جبال سيناء الشامخة. وشمل التطبيق مطار شرم الشيخ الدولي، وسيارات الأجرة، واللافتات، وحتى المنتجات التذكارية.

 

الإسكندرية والقاهرة: تحديات ومعالجات خاصة

يمتد المشروع ليشمل مدنا أخرى ذات ثقل تاريخي و حضري كبير، مع الأخذ في الاعتبار طبيعتها الخاصة.

الإسكندرية:

يهدف مشروع الهوية البصرية لعروس البحر المتوسط إلى إبراز تراثها الروماني و اليوناني و المتوسطي. وقد بدأ تطبيق المشروع في مناطق رئيسية مثل منطقة بئر مسعود وعلى طول الكورنيش، من خلال توحيد تصميم بوابات الشواطئ ومحطات الحافلات، واستخدام خط كتابي خاص باسم “الإسكندرية” مستوحى من تاريخها.

 

القاهرة الكبرى:

نظرا لاتساعها وتنوعها و تعقيداتها، يمثل تطوير هوية بصرية موحدة للقاهرة تحديا كبيرا. حاليا، يتركز العمل على مشروع ضخم لتحسين الهوية البصرية للطريق الدائري، الذي يربط أجزاء العاصمة المترامية الأطراف. يهدف المشروع، الذي يتم بالتعاون بين جامعتي القاهرة وعين شمس، إلى معالجة التشوه البصري على جانبي الطريق من خلال تطوير واجهات المباني، وزيادة الرقعة الخضراء، ووضع لافتات إعلانية تبرز تاريخ القاهرة والجيزة، وذلك استعدادا لافتتاح المتحف المصري الكبير. و يثار جدل حول الهوية البصرية المناسبة للقاهرة، بين من يدعو للتركيز على الطابع الفرعوني، ومن يرى ضرورة إبراز تاريخها الإسلامي و القبطي والحديث.

استراتيجية وطنية وتحديات قائمة

يتم الإشراف على مشروع الهوية البصرية من قبل جهات عليا في الدولة، ويلعب “الجهاز القومي للتنسيق الحضاري” دورا مهما في وضع الأسس والمعايير العامة للمشروع، ويهدف إلى إصدار دليل إرشادي لكل إقليم من أقاليم مصر السبعة، يحدد الطابع المعماري والألوان والمواد المناسبة لكل منطقة.

 

التحديات والانتقادات

وعلى الرغم من الإشادة الواسعة بالمشروع وأهدافه، ظهرت بعض التحديات والانتقادات. ففي محافظة قنا، .على سبيل المثال، أثار التصميم المبدئي المقترح للهوية البصرية. جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي،. مما دفع المحافظة إلى التأكيد على أن التصميم لا يزال قيد الدراسة والمناقشة المجتمعية. وهذا يسلط الضوء على أهمية المشاركة المجتمعية. في عملية التصميم لضمان أن تعكس الهوية البصرية بالفعل روح المكان وتلقى قبولا من أهله.

الختام

في المجمل، يمثل مشروع الهوية البصرية للمدن المصرية. خطوة هامة نحو إعادة تعريف صورة مصر الحضرية، .والانتقال من مرحلة العشوائية البصرية. إلى مرحلة التخطيط الواعي الذي يحتفي بالتنوع والغنى الحضاري لكل جزء من أرضها.

Related posts

شيرين تسرق الأضواء في افتتاح راديو المشاهير.. أسرار مثيرة

وردة الجزائرية فى ذكرى ميلادها .. أسرار تنشر لأول مره “حب وألم ودموع”

بالفيديو .. بعد مرور 42 عاما على وفاتها..مفاجأة مدوية في طريقة وتاريخ وفاة ميمي شكيب