محمد فوزى : أيقونة الفن المصري التي لم ينصفها التاريخ فنان العبقرية والتجديد

كتب باهر رجب

محمد فوزى.. قصة النغم الحزين: من قمة الإبداع إلى قسوة المرض والسياسة

في منتصف القرن العشرين، سطع نجم فنان مصري شامل، ترك بصمة لا تمحى في عالم الموسيقى والسينما، إنه محمد فوزي، الذي رحل عن عالمنا مبكرا تاركا وراءه إرثا فنيا غنيا وقصة حياة مليئة بالإنجازات والتحديات. من ميلاده في قرية هادئة بالغربية، مرورا بصعوده الصاروخي في عالم الفن، وصولا إلى معاناته مع المرض والضغوط السياسية، نستعرض في هذا المقال تفاصيل حياة هذا الفنان الاستثنائي.

الميلاد والنشأة في كفر أبو جندي: جذور الإبداع

في الخامس عشر من أغسطس عام 1918، ولد محمد فوزي في قرية كفر أبو جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية. كان الابن الحادي والعشرين بين 25 أخا وأختا، من بينهم المطربتان الشهيرتان هدى سلطان وهند علام. نشأ فوزي في أسرة بسيطة، حيث كان والده حافظا للقرآن الكريم، بينما كانت والدته تعمل في الزراعة. منذ نعومة أظفاره، أبدى شغفا كبيرا بالموسيقى، وتعلم العزف على العود وأصول النغم على يد محمد الخربتلي، صديق والده، الذي كان يصطحبه للغناء في الموالد و الافراح المحلية.

تأثر فوزي في شبابه بأغاني عمالقة الفن المصري أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وكان يترنم بأغانيهما في احتفالات قريته و مدينته طنطا. بعد حصوله على الشهادة الابتدائية عام 1931، التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى في القاهرة، لكنه لم يستمر طويلا، إذ فضل الانخراط في الحياة الفنية العملية بعد عامين فقط.

بداية المشوار الفني: من الفرق المسرحية إلى شاشة السينما

بدأ محمد فوزي مسيرته الفنية بالعمل في فرق مسرحية شهيرة مثل فرقة بديعة مصابني وفرقة فاطمة رشدي، حيث شارك في تلحين وغناء الاسكتشات و الاستعراضات. هذه المرحلة كانت بمثابة مدرسة فنية حقيقية، تعرف خلالها على كبار الفنانين مثل فريد الأطرش ومحمد عبد المطلب، مما ساعده على تطوير موهبته في الغناء والعزف على العود.

عام 1944، كانت نقطة التحول في حياة فوزي بدخوله عالم السينما من خلال فيلم “سيف الجلاد” للمخرج يوسف وهبي. سرعان ما برز نجمه في السينما الغنائية، وقدم خلال مسيرته حوالي 36 فيلما ناجحا، من أبرزها “كل دقة في قلبي“، “بنات حواء“، و”الساحرة الصغيرة“. لم يقتصر دوره في هذه الأفلام على التمثيل والغناء فقط، بل كان أيضا يقوم بتلحين العديد من الأغاني التي حققت شهرة واسعة، مثل “أنا قلبي ضاع يا بنات” و”يا أعز من عيني“.

إنجازات فنية وإدارية رائدة: بصمة لا تمحى

تميز محمد فوزي بعبقريته الموسيقية وأسلوبه الفني البسيط والمنهج. كان رائدا في تقديم الأغاني الخفيفة ذات الطابع الكوميدي، والتي لاقت رواجا كبيرا لدى الجمهور. لم يكتف فوزي بالنجاح كمطرب وملحن وممثل، بل كان لديه رؤية إدارية طموحة. ففي عام 1958، أسس شركة “مصر فون” لإنتاج الأسطوانات الموسيقية، لتكون بذلك أول شركة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط. كما أنشأ استوديو حديثا لتسجيل الألحان والأغاني، مما ساهم في تطوير صناعة الموسيقى في مصر.

من أبرز إنجازاته الوطنية تلحين النشيد الوطني الجزائري “قسما” عام 1956، بناءً على طلب من جبهة التحرير الوطني الجزائرية، حيث رفض فوزي الحصول على أي مقابل مادي، معتبرا ذلك واجبا قوميا تجاه الشعب الجزائري المناضل. وقد اعتمد هذا اللحن لاحقا كنشيد رسمي للجزائر تقديرا لقوته و تعبيره عن روح الثورة.

تأثيرات فنية وشخصية: مزيج من الأصالة والتجديد

خلال شبابه، تأثر محمد فوزي بشكل كبير بأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، حيث كان يعتبر عبد الوهاب مثله الأعلى في التلحين. وقد انعكس هذا التأثر في ألحانه التي جمعت بين الأصالة والتجديد. لكن فوزي استطاع أن يطور أسلوبه الخاص، الذي تميز بالسهولة والبهجة، ليقدم نوعا جديدا من الأغاني الخفيفة التي لاقت استحسان الجمهور.

على الصعيد الشخصي، عرف محمد فوزي بتواضعه وعلاقته الطيبة بزملائه في الوسط الفني. تزوج ثلاث مرات و أنجب خمسة أطفال، وكان له دور في دعم المشروعات التعليمية والطبية في مصر، مما يعكس جانبه الإنساني وحرصه على خدمة مجتمعه.

التحديات والصعوبات: المرض والضغوط السياسية

في أواخر الخمسينيات والستينيات، واجه محمد فوزي تحديات كبيرة أثرت على مسيرته الفنية وحياته الشخصية. ففي عام 1961، اتخذ نظام الرئيس جمال عبد الناصر قرارا بتأميم شركة “مصر فون“، وهو ما شكل صدمة كبيرة لفوزي وأثر سلبا على حالته النفسية. وقد ذكرت زوجته أنه دخل في حالة اكتئاب بعد التأميم.

بالإضافة إلى ذلك، كانت علاقة فوزي باللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر والذي كان خصما سياسيا لعبد الناصر، سببا في تعرضه لضغوط و تضييقات من النظام. فوزي كان من المؤيدين المقربين لنجيب، وهو ما لم يرق للسلطة الحاكمة آنذاك، حيث فرضت حراسة على شركة توزيع أفلامه، مما زاد من معاناته.

في هذه الفترة الصعبة، بدأت تظهر أعراض مرض نادر على محمد فوزي، وهو تليف الغشاء البريتوني الخلفي، وهو مرض لم يتمكن الأطباء في البداية من تشخيصه وعلاجه بشكل كامل، حتى أطلق عليه اسم “مرض فوزي“. تدهورت حالته الصحية تدريجيا، وسافر للعلاج في لندن وألمانيا، لكن دون جدوى.

الرحيل المبكر: نهاية قصة النغم الحزين

بعد معاناة مريرة مع المرض،. رحل الفنان القدير محمد فوزي عن عالمنا في العشرين من أكتوبر عام 1966،. عن عمر يناهز 48 عاما، بعد أن فقد الكثير من وزنه وأصبح جسده نحيلا. ترك فوزي إرثا فنيا عظيما سيظل خالدا في ذاكرة الفن المصري والعربي.

إيجابيات مسيرة محمد فوزي الفنية:

ريادة وتجديد:

كان رائدا في تقديم الأغاني الخفيفة والكوميدية، مما أثر على شكل الأغنية العربية لاحقا.

عبقرية التلحين:

لحن العديد من الأغاني الخالدة التي ما زالت تحظى بشعبية كبيرة.

موهبة شاملة:

جمع بين الغناء والتمثيل والتلحين والإنتاج السينمائي والموسيقي.

إسهامات وطنية:

لحن النشيد الوطني الجزائري وساهم في دعم القضايا الوطنية.

تطوير الصناعة:

أسس أول شركة إنتاج أسطوانات في الشرق الأوسط.

 

سلبيات وتحديات مسيرة محمد فوزي الفنية:

التأميم:

تأميم شركة “مصر فون” أثر سلبا على حالته النفسية والصحية.

الضغوط السياسية:

تعرض لتضييقات بسبب علاقته بمحمد نجيب.

المرض:

إصابته بمرض نادر أدى إلى اعتزاله الفن مبكرا ووفاته.

الختام

في الختام، يظل محمد فوزي. قامة فنية شامخة في تاريخ مصر والوطن العربي،. فنانا مبدعا ترك بصمة لا تمحى في قلوب محبيه،. وستبقى أعماله شاهدة على عبقريته و ريادته في عالم الفن. ورغم التحديات والصعوبات التي واجهته في حياته، سيظل اسمه محفورا بأحرف من نور في سجلات الفن الخالد.

Related posts

نور الشريف أسطورة الفن التي لم تختزل في لقب واحد

الصحفي خالد فؤاد يؤيد تركي الشيخ في قراره ضد فنانين مصر .. فيديو

تعرف على إيرادات فيلم “المشروع X” منذ طرحه في السينمات