لجان فحص المنازعات: إجراء إلزامي جديد قبل رفع الدعاوى القضائية

قرار تاريخي للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي: إنشاء “لجان فحص المنازعات” لإنصاف المواطنين وتجنب التقاضي

كتب باهر رجب

في خطوة هادفة إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتبسيط الإجراءات وتخفيف العبء عن كاهل المحاكم، أصدرت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي قرارا جديدا يحمل رقم (٧٦٢٢) لسنة ٢٠٢٥، في الثامن عشر من نوفمبر الجاري. ويهدف القرار إلى إرساء آلية مؤسسية وقانونية واضحة لتسوية المنازعات التأمينية وديا، قبل اللجوء إلى ساحات القضاء. ويأتي هذا القرار امتدادا للجهود الرامية إلى تطوير المنظومة التأمينية المصرية، وترجمة حقيقية لروح القانون رقم ١٤٨ لسنة ٢٠١٩.

اللبنة الأساسية: تشكيل لجان متخصصة في كل منطقة

في صلب القرار، أمرت الهيئة بتشكيل لجنة دائمة بكل منطقة من مناطقها التابعة، تسمى “لجنة فحص المنازعات”. وتتسم هذه اللجان بتشكيل فني وقانوني متوازن، حيث تترأسها إدارة المنطقة القانونية، وتضم في عضويتها:

1- عضوا قانونيا تابعا للإدارة المركزية للشؤون القانونية.

2- عضوا من مركز عمليات المنطقة.

3- عضوا من إدارة ضبط الجودة.

4- عضوا فنيا متخصصا في موضوع النزاع المطروح.
ويلتزم التشكيل بألا يشارك في اللجنة أي عضو سبق له المشاركة في”لجان بحث اعتراضات أصحاب الأعمال” التي أصدرت القرار الأصل محل النزاع، مما يضمن الحياد والموضوعية.

كذلك لتعزيز كفاءة العمل، منح القرار مدير المنطقة صلاحية تشكيل “أمانة فنية” للجنة، تضم حتى خمسة أعضاء من ذوي الخبرة، لتقوم بالأعمال التحضيرية و الإجرائية. كما أجازت المادة الأولى للجنة الاستعانة بخبرات أخرى من داخل الهيئة دون أن يكون لهم صوت معدود في القرار.

الهدف الاستراتيجي: الباب الأول قبل باب المحكمة

كما حددت المادة الثانية من القرار الاختصاص الواضح لهذه اللجان، والذي يتمحور حول محورين رئيسيين:

1. تسوية المنازعات وديا:

بحث كافة المنازعات المقدمة من جميع الفئات (أصحاب الأعمال، المؤمن عليهم، أصحاب المعاشات، المستحقين) والناشئة عن تطبيق قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، بهدف حلها وديا.

2. ​​​​​​​نظرة ثانية على اعتراضات أصحاب العمل:

بحث المنازعات الناتجة عن اعتراض صاحب عمل على قرار صادر من “لجنة بحث اعتراضات أصحاب الأعمال” المشكلة سابقا، مما يوفر درجة من درجات التقاضي الإداري.

وجاء النص صريحا على أن هذه اللجان تجتمع مرة أسبوعيا على الأقل، لضمان سرعة البت في الطلبات وعدم تأخير الحقوق.

إجراءات ميسرة ومواعيد محددة لصالح صاحب الشأن

وضع القرار في مواده الثالثة والرابعة والخامسة خطوات وإجراءات مفصلة لكنها واضحة:

تقديم الطلب:

حيث يقدم صاحب الشأن طلبا خطيا أو إلكترونيا إلى المنطقة التأمينية المختصة، مرفقا به بيان مفصل للنزاع وأسبابه وجميع المستندات المؤيدة، وذلك خلال (٣٠) يوما من تاريخ إخطاره بالمستحقات.

ضمان استمرار السداد:

كما نص القرار بوضوح على أن تقديم الطلب لا يوقف التزام صاحب العمل بسداد اشتراكاته المستحقة للهيئة في مواعيدها، باستثناء المبالغ المتنازع عليها فقط.

شفافية الإجراءات:

علاوة على ذلك تلتزم الأمانة الفنية بقيد الطلبات وإخطار أصحاب الشأن بمواعيد الجلسات قبلها بفترة كافية (١٧ يوما ثم ٧ أيام إذا تغيب)، و إبلاغهم بالقرار الصادر خلال ثلاثة أيام من صدوره.

ضمانات الحياد:

كما يجب لصحة اجتماع اللجنة حضور رئيسها وثلاثة أعضاء على الأقل، وتصدر القرارات بالأغلبية. كما يتعين على اللجنة دراسة الموضوع والانتهاء منه خلال (٣٠) يوما من تاريخ وروده، مع إعداد تقرير مفصل يرد على مستندات و دفوع صاحب الشأن.

ضمانات وحوافز: بين الإلزام والمصلحة

أضاف القرار ضمانات مهمة لجدية الإجراءات:

 

شرط الإلزام قبل التقاضي:

وفقا للمادة السادسة، لا يجوز لأي من الفئات رفع دعوى أمام المحكمة المختصة إلا بعد مرور (٣٠) يوما على الأقل من تاريخ تقديم طلب إلى “لجنة فحص المنازعات”، مما يجعل هذه اللجان هي المحطة الأولى الإلزامية لحل النزاع.

 

الحسم السريع:

كذلك إذا تم الطعن على قرار اللجنة أمام المحكمة خلال الثلاثين يوما التالية لصدوره، يصبح الحساب نهائيا من الناحية الإدارية، مما يشجع على البت السريع.

 

متابعة أداء رقابية:

كما كلفت المادة الثامنة قطاع التخطيط الاستراتيجي بمتابعة وتقييم أداء هذه اللجان كل ثلاثة أشهر، وعرض تقرير تحليلي على السلطة المختصة، لضمان كفاءتها وتحسين أدائها المستمر.

 

حوافز مالية:

كما نصت المادة التاسعة على صرف حوافز مالية مناسبة لأعضاء هذه اللجان والأمانة الفنية ومن يستعان بهم، وفقا للقواعد المنظمة، مما يحفز على الجدية والإنتاجية.

قرار الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي رقم (٧٦٢٢) لسنة ٢٠٢٥ يمثل نقلة نوعية في ثقافة حل النزاعات داخل الجهاز الإداري المصري. فهو لا يكتفي بإنشاء آلية، بل يضع لها أطرا زمنية و إجرائية وقانونية واضحة. كما يضمن حيادها وكفاءتها. ينتظر من هذا القرار أن يخفف بشكل كبير من أعباء التقاضي على المواطنين وأصحاب الأعمال وهيئة القضاء معا. وأن يساهم في إنهاء المنازعات في مهدها بسرعة وإنصاف. مما يعزز الثقة في المنظومة التأمينية ككل. ويحقق الطمأنينة لملايين المصريين من العاملين والمتقاعدين. ويسهم في تحسين مناخ الأعمال من خلال تقديم بديل عملي وفعال للنزاعات القانونية المطولة.

👁 عدد المشاهدات : 5,016

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *