كتبت: ماريان مكاريوس
كيف تستخدم النساء الإنترنت .. في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، تحولت شبكة الإنترنت من وسيلة ترفيه أو تواصل اجتماعي إلى فضاء مقاومة وصوت احتجاجي، خاصة لدى النساء في المجتمعات التي تعاني من فجوات حقوقية أو قيود ثقافية على حرية التعبير. لقد أصبح الإنترنت اليوم امتدادًا للحركة النسوية، ومنصة قوية لتحدي التقاليد الذكورية، ومساءلة الواقع القانوني والاجتماعي، وتمكين النساء من الدفاع عن أنفسهن وحقوقهن بأشكال غير تقليدية تابع التقرير على تريندات.
الإنترنت مساحة آمنة بديلة
في الكثير من المجتمعات،و خاصة في البلدان النامية تفتقر النساء إلى المساحات العامة التي تسمح لهن بحرية التعبير أو المشاركة السياسية والاجتماعية بشكل متساوٍ. ولذلك، شكّل الإنترنت بديلًا أكثر مرونة وأمانًا، خاصة للفتيات والنساء اللاتي لا يمكنهن الانخراط في الفضاءات العامة لأسباب تتعلق بالأعراف أو القيود الأسرية أو حتى مخاوف العنف.
من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والبودكاست والمنصات الإعلامية الرقمية، استطاعت المرأة أن تُعيد سرد قصتها، وأن تنتزع حقها في الكلام، وتفتح أعين المجتمع على تجارب كانت تُعتبر محظورة أو “عيبًا”.
الحملات الإلكترونية: من الهاشتاج إلى الحراك
أحد أبرز الأدوات التي وظفتها النساء في هذا الفضاء الرقمي هي الحملات الإلكترونية التي تنطلق غالبًا من وسم (هاشتاج) بسيط، لكنه سرعان ما يتحول إلى ظاهرة اجتماعية.
وشجّع آلاف النساء على الحديث عن تجارب التحرش والاعتداء الجنسي.
كيف تستخدم النساء الإنترنت
من الأمثلة الهامة لتلك الهاشتاجات القوية
#الولاية_سقوط الذي أطلقته سعوديات للمطالبة بإسقاط نظام الولاية الذكورية.
#خليها_تعنس كرد ساخر ومقاوم لحملات تزويج الفتيات بالإجبار أو الضغط المجتمعي.
#مش_باسكت الذي انطلق من لبنان دعمًا للنساء اللواتي يرفضن الصمت على العنف.
هذه الحملات لم تُحدث فقط ضجة إعلامية، بل أجبرت أحيانًا السلطات والمؤسسات على مراجعة قوانين، أو فتح تحقيقات، أو على الأقل الاعتراف بوجود المشكلة.
فضح المتحرشين: كسر جدار الصمت
واحدة من أقوى أدوات الدفاع التي استخدمتها النساء هي فضح المتحرشين عبر الإنترنت. وهو فعلٌ لم يكن سهلًا في مجتمعات تعاقب الضحية بالصمت، وتتهمها بالتبرّج أو قلة الاحتشام. لكن مع شجاعة بعض النساء، انتشر نمط جديد من المقاومة: نشر المحادثات المسيئة، تسجيلات التحرش، أو صور المتحرشين عبر حسابات عامة، وهو ما أدى إلى محاسبة البعض وفصل آخرين من أعمالهم، بل وفتح تحقيقات في قضايا كانت تُدفن خوفًا من العار.
و ذلك شجع الكثير من الاباء الناجين فكريا على مساندة بناتهم او نسائهم وعدم وصمهم بالعار بل وصم المتحرش و محاسبته .
لم يكن الهدف من هذا الفضح هو التشهير أو الانتقام كما يدّعي البعض، بل كان محاولة للنجاة، ورسالة تحذيرية للمجتمع: “لسنا صامتات بعد الآن”. ومع تكرار هذه الممارسات، بدأ ميزان القوة المعنوية يتغيّر، وبدأت النساء يمتلكن أدوات الرد على المواقف المسيئة، خاصة حين يغيب القانون أو يسود العرف.
كيف تستخدم النساء الإنترنت
التوثيق الرقمي: سرد الحقيقة من أصحابها
النساء استخدمن الإنترنت أيضًا كأداة توثيق رقمي. فبدلًا من أن يبقى الألم حبيس الجدران، بات يُوثَّق عبر فيديوهات، تسجيلات صوتية، تدوينات، وحتى شهادات جماعية لمتضررات من نفس الجاني أو نفس المؤسسة. وهذا التوثيق لا يشكل فقط وسيلة للفضح، بل أيضًا أرشيفًا مجتمعيًا يعكس حجم العنف والصمت المفروض، ويُربك الصورة النمطية التي تحاول المجتمعات التمسك بها.
النسوية الرقمية: الجيل الجديد من النضال
ظهرت عبر الإنترنت أيضًا ملامح ما يُعرف بـ”النسوية الرقمية” – وهي شكل من أشكال الخطاب النسوي الذي ينمو ويتبلور من خلال التفاعل الإلكتروني. هذا النوع من النسوية لا يرتبط بحزب سياسي أو منظمة، بل ينبع من الأفراد أنفسهم، من فتيات يكتبن عن تجاربهن، من فنانات ينشرن رسومات ساخرة عن القمع، ومن ناشطات يصنعن محتوى توعوي عن الحقوق والتمييز والتربية الجنسية.
الإنترنت مكّن هؤلاء من إعادة تعريف المفاهيم مثل: الجسد، الحريات، الأمومة، الذكورة، و”العيب”. لقد أصبح الخطاب النسوي أكثر قربًا من الناس، بعيدًا عن المصطلحات الأكاديمية، وأكثر قدرة على التأثير في الأجيال الجديدة.
هل يردّ المجتمع؟
رغم هذا الحضور القوي، لا يزال هناك الكثير من المقاومة المجتمعية، خاصة في الأوساط المحافظة. فبعض النساء اللواتي فضحن متحرشين أو تحدثن عن تجاربهن واجهن موجات من التحريض، والتهديد، والتشهير المضاد. وهناك من فقدن وظائفهن، أو تعرضن لملاحقات قانونية مضادة. لكن ذلك لم يوقف الموجة، بل جعلها أكثر وعيًا وحرصًا على التوثيق والاتحاد والتضامن.
شجاعة رقمية… وتحوّلات حقيقية
المرأة اليوم لم تعد ضحية صامتة خلف شاشة. صارت صانعة خطاب، وقائدة رأي، وراصدة للانتهاكات. بفضل الإنترنت، لم تعد المعركة فقط في الشوارع أو المحاكم، بل انتقلت إلى الهواتف المحمولة والحسابات الإلكترونية، حيث كل تدوينة قد تتحول إلى صرخة تغيير.
التحوّل قد يبدو بطيئًا، لكنّه بدأ. والفضل فيه يعود إلى نساء آمنّ أن أصواتهن، حتى وإن كانت افتراضية، قادرة على تحريك الواقع.
كاتبة المقال
الأستاذة / ماريان مكاريوس