قانون تنظيم الفتوى في مصر : خطوة نحو ضبط الخطاب الديني ومواجهة التطرف تابع المقال على تريندات.
شهد مجلس النواب المصري يوم الأحد الموافق الثاني عشر من مايو لعام 2025، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، خطوة تاريخية بالموافقة النهائية على مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية.هذه الموافقة جاءت بعد مناقشات مستفيضة شارك فيها ممثلون رفيعو المستوى من الحكومة والأزهر الشريف، مما يعكس الأهمية القصوى التي توليها الدولة المصرية لهذا القانون.يهدف هذا التشريع الجديد إلى وضع إطار قانوني محكم لعملية الإفتاء، وضمان التزام الفتاوى بأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الوطنية، بالإضافة إلى الحد من الآثار السلبية الناجمة عن ما يعرف بـ “الفتاوى الشعبوية” التي تصدر عن غير المؤسسات الشرعية المعتمدة.
كتب باهر رجب
أهداف القانون وآلية العقوبات:
نحو تنظيم رشيد للخطاب الديني
أكد المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية، على أن الهدف الأساسي للقانون يتمثل في تنظيم الخطاب الديني وضبط الساحة الدعوية بشكل عام،
مع التأكيد على عدم المساس بالحريات الفردية أو حرية الإعلام.
وفي هذا السياق، أوضح الوزير نقطة بالغة الأهمية تتعلق بالعقوبات المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون.
هذه العقوبات، التي تتراوح بين الغرامات المالية والحبس، لا تستهدف وسائل النشر والإعلام، طالما أنها تلتزم بنشر فتاوى الجهات الرسمية المعتمدة في البلاد، وعلى رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية.
و أضاف المستشار فوزي أن المادة (٧١) من الدستور المصري وقانون الصحافة يلغيان عقوبة الحبس في قضايا النشر، باستثناء حالات التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين،
وهو ما تم مراعاته بدقة في مشروع القانون الجديد. كما لفت الانتباه إلى أن تقدير العقوبة النهائية يظل في نهاية المطاف ضمن سلطة القضاء المصري، مما يضمن تحقيق التوازن اللازم بين تنظيم عملية الإفتاء وحماية الحقوق والحريات.
طمأنة للصحفيين وتبديد للمخاوف:
جاءت تصريحات وزير الشئون النيابية والقانونية بمثابة رسالة طمأنة واضحة للصحفيين والإعلاميين، وذلك بعد تداول بعض المخاوف بشأن تأثير القانون الجديد على حرية الإعلام.
وقد أكد الوزير بشكل قاطع أن المادة الثامنة من القانون لا تنطبق بأي شكل من الأشكال على “جرائم النشر“، وإنما تستهدف بشكل أساسي الأشخاص الذين يقومون بإصدار فتاوى مخالفة دون أن يكون لديهم الاختصاص الشرعي والقانوني للقيام بذلك.
علاوة على ذلك، شدد المستشار فوزي على أن مشروع القانون يلتزم بشكل كامل باختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مما يعكس التكامل والانسجام بين هذا القانون والأطر التشريعية القائمة في البلاد. هذه التأكيدات ساهمت بشكل كبير في تبديد المخاوف التي أثيرت في الأوساط الصحفية والإعلامية.
خلفية القانون وتوقعات المستقبل:
يأتي قانون تنظيم الفتوى الشرعية في سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة المصرية لمواجهة خطر التطرف الديني وتوحيد المرجعية الشرعية تحت مظلة المؤسسات الدينية المعتمدة.
وقد حظي هذا التوجه بدعم كامل من الأزهر الشريف، الذي أكد ممثله الدكتور محمد الضويني على أهمية هذا القانون في الحفاظ على صحيح الدين و تنقيه من الشوائب والأفكار المتطرفة.
من المتوقع أن يساهم هذا القانون بشكل فعال في الحد من ظاهرة “الشيوخ الظاهرين إعلاميا” الذين يروجون لآراء متطرفة أو فتاوى غير مستندة إلى أسس فقهية راسخة.
وفي الوقت نفسه، من المأمول أن يحافظ القانون على مساحة للنقاش الديني المسؤول و المستنير، الذي يهدف إلى إثراء الفكر الإسلامي وخدمة المجتمع.
الختام
يمكن القول إن موافقة مجلس النواب المصري على قانون تنظيم الفتوى الشرعية تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار الديني والمجتمعي في البلاد.
من خلال وضع ضوابط واضحة لعملية الإفتاء وتحديد الجهات المخولة بإصدار الفتاوى، يسعى القانون إلى حماية المجتمع من الفتاوى الضالة و المضللة، وترسيخ قيم الوسطية والاعتدال التي يتميز بها الإسلام.
يبقى الأمل معقودا على التطبيق الفعال لهذا القانون بما يحقق أهدافه النبيلة في خدمة الدين والوطن.