الرئيسية » فؤاد المهندس: الأستاذ… الأيقونة… الإنسان

فؤاد المهندس: الأستاذ… الأيقونة… الإنسان

by باهر رجب
0 comments

“الأستاذ”.. سيرة فنان ورسالة خالدة

كتب باهر رجب

مقدمة: “الأستاذ”.. سيرة فنان ونهج في الحياة والفن

يعد الفنان الراحل فؤاد المهندس، الذي لقب بـ”الأستاذ” و”سفير الكوميديا الراقية“، قامة فنية استثنائية في تاريخ الفن العربي، و تحديدا في مصر. لم يكن مجرد فنان كوميدي يسعى لإضحاك الجماهير، بل كان يجسد مدرسة فنية متكاملة وفلسفة حياة عميقة جعلت منه معلما و مصلحا اجتماعيا. إن لقب “الأستاذ” الذي منحه إياه جمهوره وزملاؤه لم يكن مجرد تقدير لنجوميته، بل كان اعترافا بدوره كمرشد، ومبتكر، و مكتشف للمواهب، وشخصية تركت بصمة لا تمحى في الوجدان الفني والاجتماعي. يتجاوز تأثيره الأداء على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا، ليشمل رسالته الإنسانية التي سعى لتقديمها في كل عمل، و مساهماته الفكرية التي عبر عنها عبر الأثير، وحياته الشخصية التي كانت انعكاسا لصراعات وأحلام جيل بأكمله.

إنّ تتبع سيرة فؤاد المهندس ليس مجرد سرد لتاريخ ميلاد أو قائمة أعمال، بل هو تحليل لمسار فنان آمن بأن الفن أداة للتنوير والتغيير، وأنه يمكن أن يعالج أخطر القضايا بابتسامة خفيفة. في هذا التقرير، نتعمق في رحلة “الأستاذ” المتفردة، من نشأته في بيئة ثقافية غنية، مرورا بعلاقاته المؤثرة، وصولا إلى إرثه الفني والفكري الذي لا يزال حيا، ونكشف كيف كانت كل مرحلة من حياته حجر زاوية في بناء شخصية “الأستاذ” التي نعرفها.

الفصل الأول: النشأة والتكوين.. من بيت “الأستاذ” إلى خشبة المسرح

المولد والبيئة الثقافية

ولد الفنان فؤاد زكي محمد المهندس في 6 سبتمبر 1924، في حي العباسية بالقاهرة. ومع أن بعض المصادر تشير إلى عام 1927، إلا أن التاريخ الأكثر تداولا هو 1924. نشأ في بيت يعلي من شأن الثقافة والعلم، حيث كان والده، زكي محمد المهندس، عالما لغويا بارزا وأحد أبرز علماء اللغة العربية، وكان صديقا لعميد الأدب العربي طه حسين. هذه البيئة الأسرية المثقفة ساهمت بشكل كبير في تشكيل شخصيته الفنية والفكرية الصلبة، وأعطته أساسا متينا من الأدب واللغة انعكس لاحقا في أسلوبه الكوميدي الفريد.

كان فؤاد المهندس الطفل الثالث في عائلة مكونة من أربع أشقاء؛ أختين هما صفية المهندس و درية المهندس، وشقيق واحد هو سامي المهندس. وكانت شقيقته الكبرى، صفية المهندس، إعلامية مرموقة، مما يدل على أن الموهبة الفنية كانت متأصلة في العائلة. كما كان لجواره الفني دور بالغ الأهمية، فالفنان الراحل صلاح ذو الفقار كان صديقه المقرب وابن حيه بالعباسية، وكان فؤاد المهندس يعتبر عائلة ذو الفقار بأكملها “أساتذته”. هذه العلاقة الوثيقة والدعم من عائلة ذو الفقار لعب دورا محوريا في انطلاقة مسيرته الفنية.

الحياة قبل الشهرة

لم تكن مسيرة فؤاد المهندس في البداية سهلة، فقد واجه معارضة شديدة من والدته لدخوله عالم التمثيل. كانت ترفض أن يعمل بالفن، وأحيانا كانت تضربه بالعصا عندما يقلد حركات الفنانين الكبار مثل غروتشو ماركس وتشارلي تشابلن. كان عليه أن ينتظر حتى يدخل الجامعة لكي يتمكن من ممارسة شغفه بالتمثيل، حيث جاءته فرصة ذهبية للعمل مع الفنان الكبير نجيب الريحاني في مسرحية بالجامعة. لكن القدر كان له رأي آخر، فقد توفيت والدته في ليلة افتتاح المسرحية، مما منعه من تحقيق هذا الحلم المبكر. هذه القصة المؤلمة لم تمنعه من مواصلة طريقه، بل ربما أضافت إلى شخصيته عمقا إنسانيا يفسر لاحقا جديته و حساسيته.

في هذا السياق، يمكن أن نرى أن نشأته في منزل يعلي من شأن الثقافة واللغة، وتأثره بعائلة صلاح ذو الفقار التي اعتبرها “أساتذته”، قد خلق لديه أساسا متينا لمفهوم “الأستاذية” الذي لازمه طوال حياته. إن هذا المزيج من الخلفية الأدبية والكوميديا الراقية والتأثر بالرواد هو ما ميز فنه لاحقا وجعله “الأستاذ” الذي لا يتوقف عن التعلم أو التعليم.

الفصل الثاني: فلسفة “الرسالة”.. الأهداف والطموح والاستراتيجية

الفن كرسالة اجتماعية

آمن فؤاد المهندس إيمانا عميقا بأن الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو أداة قوية لنقل رسالة مجتمعية والتعبير عن قضايا الإنسان. لقد خاض معارك فكرية شرسة في الستينيات مع النقاد، وعلى رأسهم الناقد علي الراعي، دفاعا عن رؤيته بأن “الفن لا يمكن أن يقدم دون هدف”. كان يؤكد أن الفن والكوميديا يجب أن يعنيا بالإنسان وقضاياه، بعيدا عن أي أيديولوجيات ضيقة. هذه الفلسفة كانت دليله في اختيار أعماله، سواء على المسرح أو في السينما.

ففي مسرحية “هالة حبيبتي“، سلط الضوء بأسلوب كوميدي على قضية الملاجئ وسوء معاملة الأطفال، وكيف يمكن لطفلة يتيمة أن تملأ فراغ حياة ملياردير و تغيره. وفي مسرحية “سك على بناتك“، تناول بذكاء وحرفية المشكلات الأسرية وعلاقة الأب مع بناته، وكيف يمكن للحب والخوف أن يدفع الأب إلى محاولة السيطرة على حياتهن حتى بعد زواجهن. هذه الأعمال لم تكن تهدف إلى الضحك فقط، بل إلى إثارة الوعي وتقديم حلول إنسانية للمشاكل الاجتماعية.

استراتيجية “الأستاذ” في اكتشاف وصناعة النجوم

ما يميز فؤاد المهندس عن غيره هو إيمانه المطلق بالجيل الجديد ورغبته في صناعة قامات فنية جديدة، وهو ما جعله “أستاذا” بالمعنى الحقيقي للكلمة. لقد كان يتبنى المواهب الشابة و يدعمها، وكان يرى في ذلك جزءا من رسالته الفنية والإنسانية.

أبرز مثال على ذلك علاقته بالنجم عادل إمام. وصفه فؤاد المهندس بأنه “ابنه البكري“، وأكد أنه رأى فيه موهبة فريدة لم يرها من قبل. منحه المهندس فرصة صغيرة في مسرحية “أنا وهو وهي” التي كانت بداية انطلاقة عادل إمام نحو النجومية. بمرور الوقت، ازدادت مساحة دوره حتى أصبح شريكا أساسيا في المسرحيات التالية، ثم تحول إلى “الزعيم” الذي نعرفه. ولم ينسى عادل إمام فضل أستاذه، مؤكدا أنه أول من منحه الفرصة الحقيقية وصار صديقا مقربا له.

ظهر هذا الدعم جليا في الثمانينيات عندما شارك المهندس في أفلام من بطولة عادل إمام مثل “خمسة باب” و”زوج تحت الطلب“. كان هذا الموقف بمثابة تأكيد من المهندس على أن قيمة الفنان لا تقل مع مرور الزمن، وأن دعم الأجيال الجديدة واجب لا بد منه. كما امتدت هذه الاستراتيجية لتشمل فنانين آخرين، مثل سناء يونس، التي منحها دورا محوريا في مسرحية “سك على بناتك“، والطفلة رانيا عاطف التي قدمت بطولة مسرحية “هالة حبيبتي“. يبرهن هذا السلوك أن فلسفة المهندس كانت شاملة، ولم تقتصر على محتوى أعماله فحسب، بل شملت دوره الإنساني في بناء الأجيال القادمة.

الفصل الثالث: “الرجل” الأستاذ.. علاقاته العاطفية والاجتماعية

لم تكن حياة فؤاد المهندس العاطفية أقل درامية أو ثراء من مسيرته الفنية. لقد كانت رحلة بحث عن شريك يتقبل طبيعته كفنان ويشاركه حياته بكل تفاصيلها.

الزواج الأول وقصة “الذنب”

تزوج فؤاد المهندس للمرة الأولى من السيدة “عفت سرور نجيب“، ابنة عائلة السرجاني و جارته في حي العباسية. كانت هذه الزيجة ثمرة قصة حب عنيفة بدأت في فترة المراهقة. لفتت “عفت” انتباهه بسبب شبهها بكوكب الشرق أم كلثوم التي كان المهندس من عشاقها. أسفر زواجهما عن إنجاب ولديه الوحيدين، محمد وأحمد.

لكن علاقتهما لم تستمر طويلا. فوفقا لما ذكره فؤاد المهندس، كان الانفصال نتيجة لعدم تفهم زوجته الأولى لطبيعة عمله كفنان. كانت تشعر بالقلق الدائم من الوسط الفني، وهو ما أدى إلى حدوث فجوة بينهما. ورغم الانفصال الودي، إلا أن فؤاد المهندس ظل يشعر بالذنب طوال حياته. فقد شعر أن زواجه من الفنانة شويكار كان سببا في مرض زوجته الأولى، وظل بجانبها يرعاها حتى وفاتها.

قصة الحب الأسطورية.. “شويكار”

كانت قصة حب فؤاد المهندس و شويكار واحدة من أشهر قصص الحب في الوسط الفني. بدأت علاقتهما في مسرحية “السكرتير الفني“، حيث حلت شويكار محل السيد بدير في البطولة. في البداية، شعرت شويكار بالدهشة من جديته، وتساءلت كيف يمكن لرجل بهذه الجدية أن يضحك الناس. لكن علاقتهما تطورت بسرعة، وخلال عرض مسرحية “أنا وهو وهي“، فاجأها فؤاد المهندس على خشبة المسرح بعرض زواج أيقوني، حيث قال لها: “تتجوزيني يا بسكوتة؟” فردت عليه: “وماله“.

لم تكن شراكتهما مجرد زواج، بل كانت شراكة فنية متكاملة نتج عنها أكثر من 160 عملا فنيا بين السينما والمسرح والإذاعة. استمر زواجهما 20 عاما ، واتفقا على عدم الإنجاب ليربيا أولادهما الثلاثة (ولدي فؤاد وابنة شويكار “منة”) معا كإخوة. كان هذا التناغم العائلي الفريد يعكس مدى عمق علاقتهما.

الانفصال ودوام الصداقة

على الرغم من قصة حبهما و شراكتهما الفنية، قرر الثنائي الانفصال بعد 20 عاما. كشف فؤاد المهندس في حوار سابق أن الانفصال كان نتيجة شعورهما بأن العلاقة كزوجين قد وصلت إلى نهايتها. كما أشارت بعض المصادر إلى أن غيرة المهندس الشديدة كانت أحد الأسباب.

لكن الانفصال لم ينهي العلاقة بينهما. بل تحولت إلى صداقة عميقة ودائمة. أكد نجله محمد المهندس أن والده كان يناديها بـ”شوشو” حتى بعد الطلاق، وأنها كانت أول من يطمئن عليه عند مرضه و يزوره في المستشفى. هذه العلاقة القوية بعد الانفصال تبرهن على أن ارتباطهما كان أعمق من مجرد زواج، فقد كانا رفيقي درب و حبيبين و صديقين في آن واحد. بكت شويكار المهندس يوم رحيله ، ووصفت علاقتها به بأنه “الأستاذ والحبيب والصديق“.

الفصل الرابع: أعمال فنية خلدها التاريخ

رغم تقديمه ما يقرب من 70 فيلما سينمائيا ، إلا أن المسرح كان عشقه الأول وموطن رسالته. وقد ترك المهندس خلفه إرثا فنيا ضخما و متنوعا، لا يزال يعرض حتى اليوم.

الكوميديا على خشبة المسرح

كان المسرح بالنسبة لفؤاد المهندس منبرا للرسالة، وليس مجرد منصة للترفيه. لقد آمن بضرورة تقديم “رسالة مجتمعية” من خلال أعماله. من أبرز مسرحياته:

أنا وهو وهي“: مسرحية أيقونية جمعت بين فؤاد المهندس و شويكار وعادل إمام، وكانت نقطة انطلاق لقصة حب المهندس و شويكار وتلميذه عادل إمام.

سيدتي الجميلة“: عمل كلاسيكي مأخوذ عن مسرحية عالمية، يدور حول فتاة متشردة يحاول رجل أرستقراطي تحويلها إلى سيدة مجتمع راقية.

سك على بناتك“: مسرحية اجتماعية رائدة عالجت بذكاء مشاكل الأبناء والعلاقات الأسرية، وأظهرت قدرته على الجمع بين الكوميديا الصادقة والرسائل الأبوية العميقة.

هالة حبيبتي“: عمل إنساني تناول قضية الملاجئ وسوء معاملة الأطفال، وكيف يمكن لطفلة يتيمة أن تفرض إرادتها ببراءتها على ملياردير و تملأ فراغ حياته.

تألق في السينما والتلفزيون

تنوعت أدواره السينمائية بين الكوميديا و التراجيديا، وشارك في أكثر من 70 فيلما. من أبرزها:

أخطر رجل في العالم“: فيلم كوميدي جسد فيه دورين مزدوجين: موظف المطار “زكي” ورئيس عصابة دولية “مستر إكس”.

أرض النفاق“: تجسيد لشخصية “حامد عبد السلام” الرمزية التي تعكس مفاهيم النفاق الاجتماعي بشكل نقدي و ساخر.

خمسة باب“: فيلم جمعه بتلميذه عادل إمام في الثمانينيات، وهو ما يعكس تواضعه ودعمه للجيل الجديد.

كما قدم العديد من المسلسلات التلفزيونية الناجحة مثل “عيون” و”روبابيكيا” ، وبرنامج الفوازير الشهير “فوازير عمو فؤاد” الذي استمر لأكثر من عقدين من عام 1982 إلى 2005، والذي جعله الأب الروحي لأجيال كاملة من الأطفال. كان دور “عمو فؤاد” تجسيدا لشخصيته الأبوية الحنونة التي عرفها الصغار، مما يثبت أنه كان فنانا شاملا يخاطب كافة الأعمار.

 

الفصل الخامس: “كلمتين وبس”.. الأستاذ كمعلق اقتصادي واجتماعي

لم يكن فؤاد المهندس مجرد فنان، بل كان مفكرا يستخدم منصته الشعبية لتقديم رؤى نقدية جريئة حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية. كان منبره الأبرز هو برنامجه الإذاعي “كلمتين وبس” الذي أذيع منذ عام 1968 واستمر لأكثر من 30 عاما. كان يلقي فيه الضوء على سلبيات المجتمع المصري على لسان شخصية “سيد أفندي“.

تحليل مفهوم “الفشخرة”

من أبرز ما قدمه المهندس في برنامجه هو مفهوم “الفشخرة“، والذي عرفه بأنه “أنك ما تمشيش على قدك”. ربط المهندس هذا السلوك الفردي بشكل مباشر بالاقتصاد الوطني، موضحا أن الفرد عندما يصرف أكثر من دخله يفتقر، والدولة عندما تستورد أكثر مما تصدر يميل ميزانها التجاري. كانت رؤيته سابقة لعصرها، حيث كان يدعو إلى ثقافة الادخار كسبيل للتمويل والإنتاج، مؤكدا أن “من غير ادخار ما فيش تمويل، ومن غير تمويل ما فيش مشروعات”.

انتقد المهندس بشدة مظاهر “الفشخرة” الاجتماعية، مثل إقامة حفلات الزفاف الباذخة في الفنادق، والتي اعتبرها تبذيرا للمال الذي يمكن استثماره في بناء منزل أو مشروع صغير.

دعوات للإصلاح الشامل

لم يقتصر نقد فؤاد المهندس على السلوكيات الفردية، بل امتد ليشمل دعوات لإصلاح شامل في المجتمع. كان يؤمن بضرورة تغييرالنفوس” و”التقاليد” و”القوانين“، وتوفير مناخ يشجع الناس على الادخار والاستثمار والعمل في بلادهم.

كما قدم رؤية عميقة للحرية، حيث أكد أنها ليست فعل ما تشاء، بل “احترام الناس” و”الخوف على مشاعر غيرك”. هذا الفكر الاجتماعي المتقدم يبرهن على أنه لم يكن مجرد فنان كوميدي، بل كان مثقفا يستخدم نفوذه لتقديم رؤى نقدية جريئة حول القضايا التي تهم الوطن والمواطن، مما يضعه في مصاف المصلحين الاجتماعيين.

 

الفصل السادس: “الأستاذ” الإنسان.. سلبيات وإيجابيات

تتجاوز شخصية فؤاد المهندس مجرد صورة الكوميديان المرح، فهي تحمل جوانب معقدة تجمع بين النقيضين.

إيجابياته

وفقًا لشهادة أقرب الناس إليه، وخاصة الفنانة شويكار، كان فؤاد المهندس يتمتع بالعديد من الصفات الإيجابية. وصفته بأنه “زوج كويس جدا” ، و”طيب و متسامح ومتطور“. كما ذكرت في أحد لقاءاتها أنه كان إنسانامصليا“، و”يحب بيته“، ويعتبر “رب أسرة ممتاز“. حتى بعد انفصالهما، تمنت شويكار لابنتها أن يرزقها الله بزوج مثل فؤاد المهندس.

سلبياته

لم تخف شويكار بعض العيوب الشخصية للمهندس. فقد وصفته بأنه “عصبي جدا” و”يكره الموسيقى العالية والسهر” و”غيور جدا“. هذه الصفات كانت تسبب لها بعض الضيق في حياتهما المشتركة. لكنها أكدت في الوقت نفسه أن مزاياه كانت تفوق عيوبه بكثير، مما جعل حياتهما معا تستحق كل شيء. هذه التناقضات لا تقلل من قيمته، بل تزيد من عمقه الإنساني، وتكشف عن رجل معقد، لا يمكن اختزاله في قالب واحد.

الفصل السابع: الوداع الأخير وإرث لا يزول

الأيام الأخيرة: الألم والفراق

كانت الأيام الأخيرة في حياة فؤاد المهندس مؤلمة ومليئة بالصدمات. قبل وفاته بفترة وجيزة، شب حريق في شقته بحي الزمالك نتيجة ماس كهربائي. التهمت النيران كل محتويات غرفته، التي وصفها نجله محمد المهندس بأنها كانت بمثابة “معبد” خاص بوالده. احترقت كل مقتنياته الثمينة، من صور نادرة، وجوائز، ودروع تكريم، وسيناريوهات قديمة، مما تسبب له في حالة من الحزن والانكسار العميق.

كما عانى المهندس من حزن شديد نتيجة فقدانه لاثنين من أقرب أصدقائه في نفس العام. فقد رحلت صديقته و تلميذته سناء يونس في مايو 2006، وبعدها صديق عمره عبد المنعم مدبولي في يوليو من نفس العام. كان حزنه على رحيلهما عميقا لدرجة أن نجله أرجع وفاته إلى هذا الحزن الشديد، وشعوره بأن وجوده في الحياة أصبح مسألة وقت بعد أن أدى رسالته.

الوفاة والإرث

توفي فؤاد المهندس في يوم السبت 16 سبتمبر 2006، عن عمر يناهز 82 عاما، إثر أزمة قلبية مفاجئة. جاءت وفاته بعد أيام قليلة من فزعه الشديد إثر سقوط جزء من سقف غرفة نومه بسبب الحريق الذي شب في منزله.

وفاة المهندس لم تكن نهاية طبيعية لمسيرة طويلة بقدر ما كانت خاتمة لسلسلة من الصدمات النفسية المتلاحقة التي أثرت على صحته. فقدانه لتاريخه الفني في الحريق، و فقدانه لأحب أصدقائه، جعله يشعر بأن “رسالته قد انتهت“، مما أدى إلى زهد في الحياة ساهم في تدهور حالته الصحية.

خاتمة: الأستاذ باقى في الذاكرة

كان فؤاد المهندس أكثر من مجرد فنان، بل كان ظاهرة فنية وثقافية واجتماعية، ترك خلفه إرثا خالدا من الفن الهادف. لقد أسس مدرسة كوميدية فريدة، وكان مصلحا اجتماعيا جريئا، و معلما للأجيال الجديدة. استراتيجيته في تبني المواهب ودعمها لم تكن مجرد كرم، بل كانت إيمانا منه بأن الفن رسالة مستمرة يجب أن تتجدد عبر الأجيال.

إن إرث “الأستاذ” لا يزال حيا في قلوب الأجيال، من خلال أعماله التي تعرض على الشاشات، وكلماته التي لا تزال تسمع عبر الأثير، وذكرياته التي يرويها تلاميذه وأصدقاؤه. لم يرحل فؤاد المهندس، بل خلد فنه في ذاكرة الأمة، وبقي “الأستاذ” الذي يحتفي به التاريخ.

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00