عيد غزة و السودان : المآسي  و الجرحى بين نزوح أو فكي الموت والتجويع المؤلم

عيد غزة و السودان

عيد غزة و السودان … هذا الشهر لم يختلف كثيرًا عن الثلاثة أعياد السابقين ، إذ قضوهم بين النزوح و الموت بشتى أنواع الطرق الوحشية ، حتى تحول السودان لساحة حرب بالوكالة عن أطراف إقليمية مثل تركيا و الإمارات ، و الأمر لا يختلف البتة بالنسبة لغزة لإن الحرب توغلت مع خطة مساعدات هدفها تهجير القطاع و تدميره

كتب :مصطفى نصار

فضلًا عن استمرار القتلى و الجرحى بالسقوط المريع في مآسي معتصرة للقلب أو مجاعة مميتة تفتك بالمدنيين دون سواهم تاركين الحلول الجذرية .

عيد غزة و السودان : تعددت الأسباب و الجرحى واحدة .

استمرت الحرب الإبادية في السودان و غزة قرابة العامين بنمطين مختلفين تمامًا لإن أحدهما حرب أهلية مكلفة و دموية و الأخرى حرب بين محتل غاشم وحشي بربري لا يعرف للرحمة رائحة ، و كذلك الدعم السريع التي تسبب في مآسي جسيمة و كوارث محققة من أزمات مركبة و معقدة من نزوح و تسمم و قصف طائرات و حصار،  و أخيرًا و ليس أخرًا سلاح التجويع الذي أحسن استخدامه في الحربين ، بشكل جعل الأمم المتحدة تصدر في تقاريرها الحقوقية أن غزة و السودان من الدرجة الخامسة ، ما يعني أنها مجاعة مميتة تصيب الجميع .

عيد غزة و السودان

و بطريقة أكثر وحشية و تماديًا ، تفوقت النتائج الإنسانية حد المتوقع و المعقول لتحمله لمرور العيد الرابع في الحرب من دون بهجة و فرح لما للحرب من أوزار ثقيلة على النفس ، فضلًا عن التوغل الإجرامي ليتساوي الموت مع الحياة ، المقاومة هنا تتحول من أداة للتعايش و المواجهة لأداة بقاء وجودي حتى لا تجن أو تموت بالكسرة مثلما أكد جوناثان هايد أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك في كتاب تدليل العقل الأمريكي ، و يأحذ تلك الأطروحة الرصينة الأستاذ الفخري للأدب المقارن في جامعة كولومبيا البريطانية ألمني الكاي في مقاله على موقع ميدل إيست أي .

و ذلك يتزامن مع غياب تام للحوم و الدواجن إما لارتفاع سعرها أو عدم وجود أضاحي كافية ، ما أدى بالاحتلال الغاشم لاستهدافها بطرق عديدة إما بقصفها أو تسميمها أو سرقتها فقل على إثر ذلك الأضاحى من ٤ ملايين رأس لما يقارب المليون رأس ، و الوضع في السودان متقارب للغاية مع وجود سمة أساسية ممتدة بالفعل بين كليهما ألا وهي الندرة و الشح و الغلاء لتكون بها صورة مؤلمة حقًا مفادها أن غزة و السودان عيدهما اتسم بالكآبة المقيتة و الحرمان الشديد مع تواصل الحرمان و التجويع و التشريد المجحف من أبشع و أسوء مجرمي التاريخ المعاصر .

و هكذا تحول العيد في غزة و السودان للمرة الرابعة خلال عامين لما يشبه الجحيم الحي الذي يكوي الجميع بناره ، و التهديدات المستمرة و تحويل الحياة لما يقارب المشي على النيران الجمرية ،   و مايزيد الأمر ألمًا و قهرًا هو استمرار الحربين لأجل غير مسمى بسبب تغذية أحد الطرفين على الحرب بشكل أساسي في كلتا الدولتين ،ما يطرح عدة تساؤلات أهمها تحول العيد نفسه من مصدر للفرحة و البهجة لمصدر للحسرة و الحزن الدائم فغدا لتناقض متضارب مجنون ، و خاصة ما يهدد غزة و السودان من خطط و مؤمرات شيطانية لا يقبلها حتى مجرمي الحرب الفاشيين .

العيد من طقوس و مظاهر البهجة المفقودة :حرمان متفاقم و فقر معظم 

 

تحول العيد في الشهر الماضي لما يشبه الجحيم المأساوي الذي سمته الأولى الفقر المدقع ، و الحرمان المتفاقم الذي يفتك بأهالي غزة و السودان نظرًا لجملة من العوامل أهمها نقص الموارد الأساسية و ارتفاع الأسعار التي لا ترحم ولا تترك رأفة بأحد، غير مأساة النزوح اللانهائي و شديدة القسوة الممزقة للقلب و الروح ، فضلًا عن فكرة أن المرء في البلدين لا يعرفا أفقًا للحرب أو نهايتها وسط الحرب الضروس المنتهكة كل حدود العقل و المنطق ، و التي تقتل يوميًا ما بين ٢٠٠ و ٥٠٠ شخص .

علاوة على ذلك،  لا يتوقف المشهد المأساوي الذي طغى على عيد الأضحى الماضي عند تلك الحدود المحدودة في القتل الممنهج و المتزايد و غير المحدود فقط ، فالطائرات المسيرة مشطرت المنطقة الجغرافية كاملة في السودان و غزة خاصة بعد إعادة التسليح من القوى الداعمة للإبادة في كلا الحالتين من الإمارات أو تركيا أو أمريكا حتى بات يستهدفون المشاة الهاربين في الشوارع ،لغاية تراكم الجثث و انتشار الروائح الكريهة في الشوارع المختلفة و الميادين الكبرى لدرجة جعلت نسرين مالك و محمد أمين وصف تلك الحالة و الظاهرة الوحشية بالصيد الإبادي المستهدف للمدنيين دون ترك أثر للأمان النفسي .

فهي بذلك حولت لمعسكر اعتقال مفتوح بعد تحويل الحروب الآتية لحروب ظل مدارة من قبيل الداعمين الأساسين و المزودين لهم، ملقيًا بظلال هذا التطور الخطير على العيد في الاستهدافات المحددة للمخيمات و كذلك الآبار المائية السطحية و المستشفيات ، فأصبحت طقوس العيد طقوسًا هدفها البقاء و النجاة حصرًا ليس إلا لإن ليس ما يوجد ما يمسك به المرء للاحتفال بالعيد ، متخطيًا مظاهر البؤس و الحزن و الحسرة التي اعتاد على فقدان بعضها بسبب العوامل الاقتصادية و السياسية التي يعاني منها مواطني الدول العربية و على رأسها اليمن و الصومال لكن السودان و غزة غلفتهما مجاعة حقيقة و شديدة الوطأة وصفها ألكس دي وال بالأكبر و الأشد على مدار التاريخ الحديث.

و استكمالًا على ما سبق ، فإن الحصول على الطعام المناسب سواء في غزة أو السودان لهو أمر صعب لإنه يحتاج رحلة صعبة المرحلة  يتخللها منابع متعددة و متفرقة من القهر الحاجز و اتخاذ الجغرافيا كمربع للشطرنج و ابتزاز الطرف الآخر غير حقيقة جازمة مفادها أن الإغاثة فخ و مصائد للموت من دون البحث عن حلول أخرى رغم كثرتها العملية ، و تجاهل النظام الدولي المجرم ذا الضمير الميت و الإرادة الصفرية لإنه يسير بنظام المصلحة العملية ، متحققا بقوة في دعم قوي و إمداد لا سقف له للدعم السريع و الاحتلال الإسرائيلي مجرمي الحرب في تلك الإبادة الجماعية الدائرة في بلدتين حيوتين .

و برغم تحول العيد لكتلة قاتمة من المآسي و الأهوال القاهرة للمرء ، ظل الشعبان يحاولان استعادة روحه عبر تادية الشعائر الروحية ، و الالتزام بالعادات الاحتفالية الخاصة و المميزة بكل شعب ما يثير سؤالًا مشروعُا ، يكمن في الهدف الكامن في ضربهم المكثف و الوحشي بطريقة متزايدة و متصاعدة تجعل المار أو السائر العفوي يتعجب بطريقة مطرقة بحدة للذهن ، غير الاستهدافات المباشرة للمرافق العامة و الحكومية التي وصلت بتحويل غزة و السودان لما يشبه مدن الخيام الشبيحة و المتفرقة بتبعثر .

الرضوخ أو الانهزام الاستسلامي ….ما وراء إفساد البهجة 

لعل من أهم الأسباب المتعلقة بالضرب المتواصل طوال أيام العيد يرجع لنزع الأنسنة الكامل الذين يرغب كل من الدعم السريع و الاحتلال في تحقيقه حتى و لو ظاهريًا الكسر الممنهج للمرء ،و من ثم إجباره الحتمي على الخضوع لهم بمنتهى الوضوح الفج ، فإشعال الأزمات الحربية الموجهة عمدا نحو المدنيين تزيد من قابلية انصياعهم للعدو، و خاصة إن ما ملك العدو قياسًا تاريخيًا للتحرك عليه باعتباره مسطرة مستقيمة ،ما جعل الفيلسوفة سمنثنا روث هيل في مقال لها عن الحرب النازية على اليهود تؤكد حتمية زيادة عدد المحرقين و المجوعيين في أيام أعيادهم.

و لا يكتفي النازي بمجرد اختيار العيد اليهودي أو اليوم المميز للفرد أو حتى للعائلة إذ اختاروا أن يقتل الفرد عشوائيًا و يعلق أمام أسرته إمعانًا في كسره و ذله العظيمين لا لشيء فقط زرع الرضوخ و الكسر التام و النهائي لنفسه التي لم و لن يعرف إصلاحها مع مرور الزمن ، و لهذا تأثير بليغ في داخل النفس مفاده فقدان الثقة و الاهتزاز الارتيابي و الشك المثقل بالذنب المعذب كما لو أنه القاتل الرئيس لعائلته بالدرجة الأولى ، و لعل هذا ما جعل الباحث في دراسات الإبادة عبدالوهاب الأفندي يمثلها بالكابوس الذي يعيشه المرء حيًا و مستعصي على الهروب المسؤولياتي منه  .

و قد تشابه بعض الأحداث الجلل بينهما لدرجة التطابق ، بدء من التجويع المستخدم في كلتا الدولتين مرورًا بالتدمير النفسي الكبير الذي فاق مجزرتي دارفور و أم درمان في بداية الألفية ، و التي فاقت التصور الغربي السائد آنذاك لكنه لم يمانع استخدام الإبادة الجماعية فيهم ، مع الوضع في الاعتبار أن عدد الشهداء من الحربين الجاريتين حاليًا أكبر من أي حرب سابقة منذ الحرب العالمية الأولي و الثانية معًا ، ما يعاني وجود نوايا تقسيم لكلا منها بتباين الأنماط التقسيمية و التفتيتة الخبيثة الهادفة حصرًا لخدمات المخبرين و المخربين و الصهاينة المبيت النية لتحقيق أهدافهم

وقد تعطلت الخطط في السودان و غزة قرابة ٥ مرات معظمها إن لم يكن كلها نابع من وضع الخطة الأساسية بالتجريد من الإنسانية تحت أسماء متعددة منها العداء المطلق ، و أنهم مجرد أرقام مجردة بلا أحلام أو ذكريات جميلة أو حميمة أو إعادة تعريف الشخص نفسه ليتحول إما لحشرة أو حيوان مثلما فعل النازي مع اليهود ، و اليابانيين مع الصينيين حينما نظر لهم باعتبارهم فئران أو حيوانات بشرية ما كون أرضية للعداء و الطغينية العميقة ، و كذلك الكراهية الشريرة التي غيرت التعريف للإنسان،  و جعله محصورًا مهدورًا أو “الإصباغ الحيواني”بحد تعبير الفيلسوف الأمريكي ديفيد ليفجستون سميث .

إن إغفال فشل تلك التجارب الشيطانية و الخبيثة نظرًا للثقة النرجسية التي دخلت على إمبراطوريات كبرى فأفشلتها بشكل ذريع و كامل و سريع ، غير الخسائر المدوية الحقيقة في الطرف ذا الامكانيات الضخمة ، غير الحشود البشرية الضخمة ، و كذلك التاريخ يجزم بأن مجرد التركيز الكمي و المكثف و المركز لا يكفي لتحقيق الأهداف العسكرية الاستراتيجية أو كما حكى المفكر الأوغندي محمود ممداني في كتابه التعريف و الحكم عن قصة الإبادة الجماعية في رواندا و سيراليون المستمرة منذ ١٠ سنوات و ١٨ عام من دون تحقيق التقدم المنشود على المستوى الاستراتيجي و العسكري ، و نفس الأمر مع غزة و السودان.

Related posts

ما حكم الشرع في زكاة المال على قرض البنك؟.. أمين الفتوى يوضح

فيروز طفلة معجزة قدمتها الصدفه وسيدة قدمت مثال للتسامح الدينى

تعرف على حكم مصافحة المرأة لزميلها في العمل؟.. دار الإفتاء تجيب