عمر خورشيد… أسطورة الجيتار الذي غيّبه القدر تابع الخبر على تريندات.
في عالم الفن، نادرًا ما يمر اسم يختصر الأناقة والموهبة والعبقرية كما فعل عمر خورشيد. نجمٌ سطع في سماء الموسيقى والسينما العربية في فترة السبعينات، ثم اختفى في لحظة مباغتة، تاركًا خلفه أثرًا لا يُمحى في قلوب محبيه ومجال لا يزال يفتقد حضوره.
كتبت ماريان مكاريوس
وُلد عمر محمد عمر خورشيد في حي عابدين العريق بالقاهرة في 9 أبريل 1945، لأسرة مهتمة بالفن والثقافة. والده هو أحمد خورشيد، أحد رواد التصوير السينمائي في مصر، مما أتاح لعمر فرصة التعرّف على الوسط الفني منذ نعومة أظافره. لكنه لم يكتف بكونه ابن فنان، بل أصرّ على أن يصنع لنفسه اسمًا يوازي وربما يفوق من سبقوه.
عبقري الجيتار في زمن الطرب الأصيل
على عكس التيار السائد آنذاك، لم يتجه خورشيد نحو الغناء أو التمثيل في البداية، بل جذبته أنغام الجيتار، آلة كانت تُعد “غربية” في عالم الموسيقى العربية. درس الفلسفة في كلية الآداب، لكنه في الوقت نفسه انغمس في دراسة الموسيقى بـ المعهد اليوناني للفيلهارموني، وهناك نضجت موهبته وتشكّل صوته الفني.
بدأ عمر مشواره كعازف في فرقة ليه بتي شاه، ولفت الأنظار بسرعة ببراعته وشخصيته الجذابة. ولم تمضِ سنوات قليلة حتى وجد نفسه يعزف خلف عمالقة الطرب: محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم. كانت تلك لحظات مفصلية ليس فقط في حياة خورشيد، بل في تطور الموسيقى العربية؛ فقد أدخل أنغام الجيتار الكهربائي بأسلوبٍ متناغم مع أصالة الأغنية الشرقية.
من محطات المجد… عزف في البيت الأبيض وأبهر الرئيس كارتر
لم يكن عمر خورشيد مجرد موسيقي بارع، بل كان أيضًا سفيرًا ثقافيًا لمصر في لحظة تاريخية بالغة الحساسية. ففي أواخر السبعينات، وأثناء مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل، قرر الرئيس أنور السادات اصطحاب خورشيد ضمن الوفد المصري الرسمي إلى البيت الأبيض، في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة.
في أمسية فنية وثقافية أقيمت على هامش الاجتماعات السياسية، وقف عمر خورشيد أمام جمهور عالمي، يتقدمه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، ليعزف مقطوعات موسيقية على الجيتار بأسلوبه الشرقي الفريد. لم يكن مجرد أداء تقليدي، بل عرضًا مبهرًا جذب الأنظار، حتى أن الرئيس كارتر عبّر عن انبهاره الشديد بعزفه، وأشاد بموهبته التي تمزج الشرق بالغرب في انسجام ساحر.
هذا الموقف لم يُنسَ، واعتُبر لحظة فخر للفن المصري، حيث جسّد خورشيد صورة الفنان الراقي الذي يتحدث لغة السلام والنغم، في وقتٍ كانت فيه السياسة تصنع تاريخًا جديدًا للمنطقة.
من الموسيقى إلى شاشة السينما
ولأن الموهبة لا تعرف حدًا، لم يكتف خورشيد بالموسيقى فقط. في عام 1971، دخل عالم التمثيل من خلال فيلم “ابنتي العزيزة” من إخراج حلمي رفلة، وشاركه البطولة نجاة الصغيرة ورشدي أباظة. كان ظهوره الأول مبشرًا، فجمع بين الوسامة والحضور والكاريزما، لتتوالى بعدها الأدوار
نعم لم يكن الممثل القوى مقارنة بقوة موهبته في العزف الا انك تنجذب لا اراديا لتشاهد ادواره و كأن سحره في العزف قد اضفي لمسة علي روح الممثل بداخله.
أول بطولة مطلقة له جاءت في فيلم “جيتار الحب” أمام النجمة صباح، ومعهما جورجينا رزق، ملكة جمال العالم لعام 1971. قدم فيه خورشيد صورة الفنان الرومانسي الذي يتحدث من خلال آلته الموسيقية. لم تكن أفلامه كثيرة، لكنها تركت انطباعًا قويًا، حيث شارك في عدة أعمال درامية وتلفزيونية أبرزها: “الانسة” مع سناء جميل، و فيلم “العرافة” مع الفنانة مديحة كامل.
كما دخل مجال الإنتاج السينمائي، وقدّم فيلمين هما: “العاشقة” و*”العرافة”*، ليؤكد أنه فنان شامل، لا يحده إطار أو قالب.
حياة شخصية لا تخلو من الأضواء والجدل
كثيرًا ما شغلت حياة عمر خورشيد الشخصية الإعلام والجمهور. ارتبط اسمه بعدة زيجات من داخل الوسط الفني وخارجه، من أبرزها زواجه من الفنانة ميرفت أمين، الذي لم يستمر طويلًا، ثم زواجه من الفنانة مها أبو عوف، والتي كانت آخر زوجاته قبل وفاته. وفي وقت الحادث الذي أودى بحياته، كانت برفقته زوجته اللبنانية دينا.
كان عمر قريبًا أيضًا من اخته غير الشقيقة، الفنانة شريهان، التي ورثت عنه حب الفن والجرأة في الاختيار، لكنها اختارت المسرح الاستعراضي والتمثيل طريقًا مختلفً
النهاية الصادمة… وموت في عز الشباب
في مساء يوم ٢٩ مايو 1981، وقع الحدث الذي صدم الأوساط الفنية والجمهور العربي. بعد خروجه من ملهى الرولاند الليلي في نهاية شارع الهرم، انقلبت السيارة التي كان يستقلها عمر خورشيد وزوجته “دينا”، مما أدى إلى وفاته على الفور عن عمر لا يتجاوز 36 عامًا.
ورغم الرواية الرسمية التي أكدت أن الوفاة كانت نتيجة حادث سير، إلا أن الشكوك والفرضيات لم تتوقف، خاصةً في ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تمر بها مصر آنذاك. فهناك من ربط رحيله المفاجئ بأسباب غامضة لم تُحسم حتى اليوم، ليظل موته محاطًا بالغموض، مثل كثير من المبدعين الذين سبقوه
إرث خالد رغم الرحيل
رغم قصر عمره الفني، ترك عمر خورشيد إرثًا هائلًا، لا يزال تأثيره ظاهرًا حتى الآن. لم يكن فقط عازفًا مبدعًا، بل أعاد تعريف علاقة الجمهور بالموسيقى الغربية في السياق الشرقي، وساهم في تحديث الأغنية العربية دون أن يطمس هويتها.
عشرات المقطوعات التي عزفها لا تزال تُستخدم في الأعمال الفنية، ويستشهد بها كبار العازفين والملحنين كمرجع في البساطة والإبداع. وحتى اليوم، يعتبره كثيرون “جيمي هندريكس العرب”، لكن بطابع شرقي
عمر خورشيد لم يكن مجرد فنان، بل ظاهرة ثقافية وموسيقية وإنسانية بل مشروع فنان مكتمل . رجل سبق عصره، ومزج بين الشرق والغرب بمهارة قلّ نظيرها. رحيله كان خسارة كبيرة، لكن أثره باقٍ، يتردد صداه كلما عزف أحدهم جيتارا باحاسيس شرقية.