شيرين في المغرب.. ليلة غنائية انتظرها جمهور مهرجان “موازين” بشغف، كأنها وعدٌ بالصوت المميز بالحضور الذي يأسر القلوب قبل الأذن. كانت شيرين عبد الوهاب، بكل ما فيها من ملامح الفوضى والجمال، على موعدٍ مع جمهور العاصمة المغربية الرباط. لكنها لم تكن ليلة عادية. لم يكن الغناء وحده بطل الحدث، بل كانت التوقعات، والإرباك، والارتباك، والعتاب، ثم الغفران.
كتبت ماريان مكاريوس
حكاية كاملة، صيغت على المسرح وبين أروقة السوشيال ميديا، فماذا جرى في حفل شيرين؟
البداية المرتبكة: حين خذل الصوت ذاكرة الحنجرة
افتتحت شيرين حفلها بأغنية “نساي” بصيغة الـ”بلاي باك”، وهو أمر لم يغفره جمهور ذواق اعتاد منها صوتًا مختلف قوي. من أول وهلة، علت الهتافات: “بصوتك بصوتك!”، احتجاجًا على غياب الحضور الحي. البعض انسحب من ساحة الحفل، وآخرون اكتفوا بالتذمر عبر هواتفهم. لم يكن الغضب فقط على الأداء، بل على الخذلان: الجمهور لم يأتِ ليستمع إلى شيرين، بل ليغني معها، ليشهد لحظة الانفعال المباشر لا التسجيل المُعلّب .
لكن المدهش في تلك اللحظة أن شيرين نفسها شعرت بذلك. هي ليست نجمة منعزلة عن المدى، بل تعيش و تتغذى من حب و تفاعل الجمهور، تشعر به كما يشعر بها. كانت ردّة فعلها سريعة وذكية. نزعت القناع الصوتي وعادت تغني مباشرة، كأنها تخلع ثوبًا ضيقًا لا يشبهها. أعادت للجمهور بعضًا من هيبة المشهد، وأدّت أغانيها “آه يا ليل”، و”على بالي”، و”كتير بنعشق”، بصوتها المجروح الملئ بالوجع.
الكواليس: أزمة الثقة في توقيت خطير
ما لم يُقل على المسرح، قيل في الكواليس. تأخر انطلاق الحفل حتى قرابة منتصف الليل، وتناقلت الصحافة المغربية أن شيرين طلبت تقاضي أجرها نقدًا قبل صعودها إلى المسرح. إن صحت الرواية، فإنها تفتح بابًا على أزمة ثقة و تعطش للمال
شيرين، التي مرت بكل ما يكسر الإنسان، لا تثق كثيرًا في العقود، بل في اللحظة. ربما ظنت أن الحضور يجب أن يُكافأ بالثقة الفورية، وربما كانت تلك محاولة لحماية نفسها من ماضٍ لم يغفر لها هشاشتها.
فستان أبيض… وسقوط بلا انكسار
اختارت شيرين أن ترتدي “قندورة” مغربية بيضاء فضفاضة لتعيش أجواء وجودها وسط الجمهور المغربي و محاولة معايشة الأجواء و انها واحدة من اهل هذا البلد العريق … بدت الطلة غير متقنة لم تكن مأخوذة بالإتقان الشكلي. وفي لحظة ارتباك أثناء الحركة، كادت تسقط. تعثرت خطواتها، لكنها لم تسقط تمامًا، بل تماسكت وضحكت مع جمهورها، كأنها تقول: “نعم، يمكنني أن أتعثر، لكنني لا أنكسر”. ربما كانت تلك اللقطة أكثر بلاغة من كل الأغنيات، لأنها لخّصت رحلتها كلها: صعودًا، ثم عثرة، ثم نجاة.
جمهور غاضب… لكنه يحب
ما بين “الخذلان” و”المسامحة” تنقلت التعليقات على مواقع التواصل. قال أحدهم على تويتر: “كنا نستحق أكثر من شيرين… بلاي باك في مهرجان موازين؟ لا يليق بها”. بينما كتب آخر: “شيرين لما تغني لايف الدنيا بتسكت، إحساسها حاجة مش موجودة عند حد”. كان الرأي منقسمًا، كما هي شيرين دائمًا: منقسمة بين الحضور والغياب، بين المجد والندم، بين الطرب والدموع.
الجمهور الذي اعتاد الجلد نعم الجمهور يمتلك ذاكرة السمك في محبته للفنان لا يرحم و لا يغفر لا يذكر تاريخ طويل لفنان قد اسعده كثيرا من قبل.
لكن الحقيقة أن الذين هاجموها، لم يفعلوا ذلك إلا لأنهم يحبونها. لأنه حين يُخذَل المرء ممن لا يحب، يمرّ الموقف كغيمة عابرة، أما حين يأتي الخذلان من صوتٍ رافقك في الوحدة والحزن، فالصدمة تصبح مضاعفة.
شيرين: فوضى امرأة تكتب أغنيتها من حياتها
ربما كان ذلك الحفل درسًا لشيرين، كما كان للجمهور. أن تكون على خشبة المسرح لا يكفي، يجب أن تكون حيًّا بالكامل، بروحك وجسدك وصوتك وتاريخك. وشيرين عبد الوهاب ليست مجرد مطربة ذات خامة صوت فريدة، بل حالة إنسانية مركبة، تتنفس بقلق، وتضحك بعفوية، وتغني بحزن لا يُخفى.
لقد علمتنا هذه الليلة أن الفن لا يُقاس بالدقة بل بالحقيقة. وأن العطب جزء من الغناء، وأن الارتباك لا يعني الفشل بل الاستعداد للتصحيح. لهذا، لم يكن حفل شيرين بالمغرب مجرد عرض عابر بل درس لأي فنان يواجه محبيه من الجمهور الذي أعطاه حب و ثراء كما أعطاه الفنان أيضا.