في زمنٍ تتبدّل فيه القيم، وتُقلب فيه الموازين، أصبحنا نرى التافهين يتصدّرون المشهد، وكأنهم أبطالٌ في مسرحٍ كبيرٍ لا يعرف سوى الضجيج. أشخاصٌ بلا علمٍ ولا موهبة، يرقصون ويصرخون ويشتمون، فيصفّق لهم الجمهور، ويُرفعونه إلى القمم بلا جهدٍ ولا تعب.
كتبت : زينب النجار

إنها شهرةٌ تُبنى على الفراغ، وتُغذّى من جهلٍ جمعي، حتى صارت التفاهة عملةً رائجة في سوقٍ لا يعرف قيمة العقل ولا يحترم الجهد.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا نسمح لهذا العبث أن يسيطر؟
هل نحن ضحايا السوشيال ميديا، أم أننا بأنفسنا من صنعنا هذه الأصنام الورقية؟
نحن الذين منحناهم الأسماء، وفتحنا لهم الأبواب، ووهبناهم مكانةً لم يستحقوها؛ نحن الذين جعلنا من التفاهة قدوةً، ومن الصخب طريقًا إلى المجد، حتى صار أبناؤنا يظنون أن الشهرة لا تحتاج إلى علمٍ ولا إبداع، بل إلى جرأةٍ على القيم، وجرعةٍ من الضجيج.
إن الخوف الحقيقي ليس في وجود هؤلاء، بل في أثرهم على الأجيال القادمة ؛ فالأطفال، ببراءتهم، يقلّدون ما يرونه، ويظنون أن الطريق إلى النجاح هو أن تكون مهرّجًا على شاشةٍ صغيرة. وهنا تكمن الكارثة: أن نُعلِّمهم من حيث لا ندري أن الظهور بلا مجهود هو السبيل، وأن المال والشهرة يمكن أن يُحصلا بلا قيمة ولا مضمون.
ألسنا نخشى على عاداتنا وتقاليدنا؟
ألسنا نخاف أن تتحوّل مجتمعاتنا إلى ساحاتٍ للتهريج؟ إن التصفيق للتافهين ليس مجرد فعلٍ عابر، بل هو خيانةٌ للعقل، وسقوطٌ للقيم. فالمجتمعات لا تُبنى بالرقص والسباب، بل بالعلم والأجتهاد، ولا تنهض بالصخب، بل بالعمل والإبداع.
إننا بحاجةٍ إلى وقفةٍ صادقة مع أنفسنا، لنُعيد الاعتبار للجدّ والاجتهاد، ولنُعلِّم أبناءنا أن الشهرة الحقيقية لا تُبنى على التفاهة، بل على العطاء. علينا أن نزرع فيهم أن المجد لا يُنال بالصخب، بل بالعلم، وأن المال لا يُكسب بالفراغ، بل بالعمل.
فلنحذر إذن، قبل أن نصحو على جيلٍ كاملٍ يظن أن التفاهة بطولة، وأن الضجيج مجد، وأن الشهرة تُشترى بلا ثمن. فحينها لن نجد سوى مجتمعٍ يصفّق للفراغ، ويهتف للعبث، ويترك العقل في غياب النسيان.

