سنترال رمسيس .. شباب يصنعون المجد من بين الرماد ” أفتحوا الطريق للكفاءات وكفي …؟! 

سنترال رمسيس

كتبت / ماريان مكاريوس

سنترال رمسيس .. في قلب القاهرة، وتحديدًا في منطقة رمسيس التي لا تنام، وقف الزمن للحظات صباح أحد الأيام الماضية، حينما اندلع حريق مفاجئ في السنترال الكبير الذى يعد أحد أهم مراكز الاتصالات في العاصمة تابع الخبر على تريندات.

اللهب الذي تصاعد في الهواء لم يلتهم فقط الكابلات والأسلاك، بل امتدت آثاره إلى شبكات الاتصالات والإنترنت في مناطق متفرقة، مما هز البنية التحتية لقطاع حيوي يعول عليه ملايين المصريين في أعمالهم اليومية.

لكن من بين الرماد، كان هناك ضوء لا يخبو.. ضوء أضاءه شباب مصر بأيديهم وعقولهم.

حريق سنترال رمسيس: أكثر من مجرد حادث عارض

لم يكن الحريق عابرًا، بل كشف عن هشاشة في الاستعداد لمثل هذه الكوارث التقنية، وأظهر إلى أي مدى نحن بحاجة إلى كفاءات مدرّبة، قادرة على المواجهة السريعة، لا سيما في مجال التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية. فبعد دقائق من السيطرة على النيران، بدأت التساؤلات: من سيتحمل مسؤولية الإصلاح؟ كم من الوقت ستستغرق عملية استعادة الشبكة؟ وكيف ستتأثر الحياة اليومية للمواطنين؟

وفيما كانت الأجهزة الرسمية تباشر عملها، حدث ما لم يكن في الحسبان.. نداء غير رسمي، جاء من وجدان الشباب.

شبابنا.. على خط النار

بلا دعوات رسمية ولا تغطيات إعلامية، تجمع عدد من خريجي كليات الهندسة والحاسبات والمعلومات، بعضهم من القاهرة والآخرون من رمسيس، وشكلوا معسكر عمل تطوعي على مقربة من موقع الحريق. ليسوا موظفين حكوميين، ولا عمالًا من شركات الاتصالات، بل شباب آمنوا أن الأزمة تحتاج إلى المبادرة، لا الانتظار.

حمل كل منهم حقيبته التي تحوي أدواته، وارتدى زيّه العملي، وانطلق وسط بقايا الكابلات المتفحمة وأجهزة الاتصال المعطلة، يدرس، يفحص، يصلح، ويقترح حلولًا بديلة. فريق منظم على طريقة ورش العمل، يتحرك بثقة ومعرفة، وكأنهم خلية نحل إلكترونية لا تهدأ.

قال أحدهم: “إحنا درسنا علشان نخدم بلدنا. ودي لحظة لازم نكون فيها في الصفوف الأولى، مش قاعدين على جنب نستنى حد يحل بدلنا.”

من التعليم إلى التطبيق.. حين يتجسد الوطن في الميدان

ما فعله هؤلاء الشباب هو التطبيق الحقيقي لشعار “التعليم من أجل التنمية”. استخدموا معارفهم في الإلكترونيات وهندسة الشبكات والبرمجة لقراءة الأعطال بدقة، ثم انتقلوا إلى مرحلة الإصلاح. بعضهم كان يتواصل مباشرة مع مهندسين في شركات الاتصالات لتنسيق الجهود، وآخرون سعوا إلى تسجيل ما يحدث وتوثيقه من أجل تقديمه كدراسة حالة تُدرّس لاحقًا في الجامعات.

لم يكن العمل سهلاً، فالبيئة كانت غير مهيّأة، ولا توجد أدوات كافية، ومع ذلك لم يتوقفوا. استعاروا المعدات، وابتكروا حلولًا من خارج الصندوق، ونجحوا في إعادة تشغيل أجزاء من الشبكة المحلية خلال 48 ساعة فقط.

الإعلام الغائب والوطنية الحاضرة

ربما لم تلتقط الكاميرات هذه اللحظات، وربما لم تُخصص لها نشرات الأخبار ساعات من البث، لكن الذاكرة الشعبية ستحتفظ بها طويلًا. شباب صنعوا ملحمة من العطاء وسط غياب الأضواء. مشهد يذكرنا بأيام بناء السد العالي، عندما اجتمع العلم والإرادة لخدمة الوطن دون انتظار مقابل.

هؤلاء الشباب لم يطلبوا شكرًا، فقط أرادوا أن يطمئنوا أن بلدهم ما زال بخير، وأن ما تعلموه في مدرجات الجامعات ليس حبرًا على ورق، بل ذخيرة تُستدعى وقت الحاجة.

مصر لا تُختصر في أزمتها.. بل تُروى من بطولات أبنائها

ما حدث أمام سنترال رمسيس هو صورة مصغّرة من مصر الحقيقية، مصر التي تُولد من جديد كل مرة تنهض فيها على يد شبابها. هم لا ينتظرون إذنًا، ولا يبحثون عن بطولات مصطنعة، فقط يرون أن الوطن يستحق، وأن العلم وحده لا يكفي إن لم تقف خلفه إرادة.

لم يكن الحريق مجرد كارثة حلت على البلد و شلت اداء اغلب قطعاتها، بل كان اختبارًا وطنيًا، لابناء مصر بأخلاقهم وتخصصاتهم وحبهم لهذا البلد الذي لا يُقاس بمشروعاته فقط، بل بأرواح من يخدمونه في الصمت.

وهكذا من تحت الرماد.. يوُلد المجد.

كاتبة المقال

أستاذة: ماريان مكاريوس

Related posts

بدء التقديم لكلية الشرطة 2025.. الشروط والمواعيد الكاملة

أهرامات الجيزة تتألق بإضاءة صديقة للبيئة في مشروع تطوير غير مسبوق

دسوق في قلب التنمية: افتتاح المرحلة الأولى من ساحة المسجد الإبراهيمي