سميحة أيوب… سيدة المسرح العربي ووجه المرأة المشرفة
سميحة ايوب..في كل جيل تولد امرأة لا تكتفي بأن تعيش في الظل، بل تصرّ أن تترك أثرًا لا يُمحى، وصوتًا لا يخفت، ومكانة لا تُنتزع
كتبت / داليا حسام
سميحة أيوب لم تكن فنانة فقط، بل كانت شعلة من الإصرار، وراية مرفوعة باسم المرأة المصرية في سماء الفن العربي.
من حي شبرا الشعبي إلى خشبات أعرق المسارح، ومن التحديات الشخصية إلى قمة المجد، سطّرت سميحة أيوب فصولًا من العطاء، وأثبتت أن النجاح ليس حكرًا على أحد، بل هو ثمرة الإيمان بالنفس والكفاح النبيل.
إنها ليست مجرد اسم في أرشيف المسرح، بل قصة امرأة ألهمت، وأثّرت، وخلّدت حضورها في ذاكرة أمة
في زمنٍ كانت فيه المرأة تبحث عن مكانٍ لها وسط عالم الفن والثقافة، ظهرت سميحة أيوب، تلك السيدة التي لم تكن مجرّد فنانة، بل كانت قامة شامخة، قصة كفاح حقيقية، ووجهًا مشرفًا للمرأة المصرية والعربية على مدار عقود طويلة.
النشأة والبدايات
ولدت سميحة أيوب في 8 مارس عام 1932، في حي شبرا بالقاهرة، لعائلة مصرية بسيطة. عشقت الفن منذ نعومة أظافرها، ورغم ما كان يحيط بالفن من تحفظات اجتماعية آنذاك، فإن إيمانها بموهبتها قادها إلى معهد التمثيل الذي التحقت به عام 1947، لتتخرج فيه عام 1952 بعد أن تتلمذت على يد عظماء المسرح مثل زكي طليمات ويوسف وهبي.
مشوار فني حافل بالكبرياء والمواقف
منذ بدايتها، لم تسعَ سميحة أيوب إلى الشهرة السريعة أو الأدوار السطحية، بل كانت تؤمن بأن المسرح هو وسيلة لتغيير الوعي، وكان هذا الإيمان بوصلتها طوال مشوارها. لقّبها النقاد والجمهور بـسيدة المسرح العربي وحققت هذا اللقب بجدارة من خلال أعمال مسرحية عظيمة مثل
الناس اللي تحت
السراب
السلطان الحائر
سكة السلامة
كما شاركت في عدد من المسلسلات التي أثبتت موهبتها في التمثيل الدرامى
منهم
الضوء الشارد (1998)
من أشهر أدوارها التلفزيونية، حيث جسدت دور “رقيّة الهوراي”، الأم الصعيدية القوية التي لا تنكسر، وترك أداءها فيه أثرًا كبيرًا لدى الجمهور.
الوسية (1990)
لعبت دور الأم الصبورة في مسلسل مأخوذ عن رواية خيرى شلبي، وأبدعت في تجسيد ملامح الريفية المصرية.
الحب وأشياء أخرى
مسلسل اجتماعي يسلّط الضوء على العلاقات الأسرية والإنسانية
يوميات ونيس (جزء من الأجزاء المتأخرة)
ظهرت كضيفة شرف في بعض الحلقات بدور الأم الحكيمة.
ضمير أبلة حكمت (1991)
شاركت فيه بدور ثانوي لكنها تركت بصمة، خاصة بجوار العملاقة فاتن حمامة.
سارة (2005)
بطولة حنان ترك، وشاركت سميحة أيوب في دور الأم التي توازن بين الحنان والحزم.
فرصة تانية (2020)
من آخر أعمالها التلفزيونية، قدمت فيه دور الجدة بحكمة ورُقيّ.
العارف بالله جلال الدين السيوطي
جسدت شخصية محورية في هذا المسلسل الديني التاريخي.
العائلة (1994)
من تأليف وحيد حامد، وشاركت فيه بدور مميز ضمن أحداث المسلسل الذي ناقش ظاهرة التطرف والإرهاب.
وغيرهم من الأعمال الدرامية
أول امرأة تدير المسرح القومي
من أكبر إنجازاتها أنها أصبحت أول امرأة تتولى إدارة المسرح القومي في مصر، وقد أعادت إليه وهجه وجديته، وجعلت من الخشبة منبرًا للفكر والثقافة. خلال فترة إدارتها، ساهمت في إطلاق جيل كامل من المخرجين والممثلين الذين صاروا نجوماً لاحقًا.
قصة كفاح ملهمة
لم تكن حياة سميحة أيوب مفروشة بالورود؛ فقد مرت بصعوبات شخصية ومادية، وعانت من ظروف اجتماعية صعبة، خاصة في بداياتها. لكنها لم تستسلم أبدًا. صعدت سلم المجد درجة درجة، وتحمّلت مسؤوليات جسيمة، وتحدّت النظرة النمطية للمرأة في المجتمع والفن. واجهت بقوة كل من قلّل من موهبة المرأة أو أراد حصرها في أدوار نمطية.
حياتها الشخصية
تزوجت سميحة أيوب أكثر من مرة، وكان من أبرز أزواجها الفنان محمود مرسي، والفنان محسن سرحان، ثم الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، الذي شكّل معها ثنائيًا ثقافيًا وإنسانيًا مؤثرًا. ورغم صعوبة حياتها الشخصية، فإنها لم تسمح لها بالتأثير على مهنيتها أو عطائها الفني.
وسام المرأة القوية الراقية
سميحة أيوب ليست مجرد فنانة، بل رمز لقوة المرأة، وذكاءها، وقدرتها على تحمّل المسؤولية. أثبتت أن الأنوثة لا تتنافى مع الوقار، وأن الرقي لا يتنافى مع الشجاعة. حتى في كبر سنها، لا تزال تمثل القدوة، ولا تزال كلماتها تُحترم، وآراؤها تُصغى لها.
جوائز وتكريمات
حصلت على وسام الفنون والآداب من الدرجة الأولى، وتم تكريمها في العديد من المهرجانات داخل وخارج مصر، واحتفى بها رؤساء ومثقفون ومحبون للفن الحقيقي.
حين نكتب عن سميحة أيوب، فإننا لا نكتب عن ممثلة فقط، بل نكتب عن “قصة كفاح امرأة مصرية”، كانت وما زالت وجهًا مشرفًا للمرأة العربية. امرأة لم تنحني أمام الصعاب، ولم تتخلَّ عن مبادئها الفنية أو الشخصية، فاستحقت أن تبقى في الذاكرة والوجدان، رمزًا للمرأة التي تصنع التاريخ من فوق خشبة المسرح.
رحل الجسد وبقي الأثر
رحلت سميحة أيوب عن عالمنا، لكنها لم ترحل من ذاكرتنا ولا من وجداننا. غابت بالجسد، لكن فنها باقٍ، وصوتها لا يزال يتردد في أروقة المسرح، وأدوارها تضيء الشاشة كأنها خُلقت لتبقى. ستظل سميحة أيوب رمزًا من رموز المرأة المصرية القوية، التي آمنت بنفسها، وصنعت مجدها بموهبتها واجتهادها، وتركت لنا سيرة تشبه الأسطورة، وبصمة لا تُمحى في تاريخ الفن.
قصتها ليست فقط حكاية نجاح، بل درس لكل فتاة وسيدة بأن المرأة المصرية قادرة على الوصول، والتأثير، والبقاء في الذاكرة، إذا آمنت بنفسها ومشت طريقها بثقة وكرامة.