بقلم / عزة الفشني
في ظل صمت العالم تئن مدينة الفاشر تحت وطأة الحرب والدمار.. حيث تتحول حياتها اليومية إلى جحيم لا يطاق القصف العنيف يهز أركان المدينة والدماء تسيل في الشوارع والأرواح تتساقط دون رحمة.. في هذا المشهد الدموى يصرخ أهل الفاشر طالبين النجدة والخلاص من براثن الموت والدمار.. الأطفال يبكون جوعاً وخوفاً.. والنساء لا حول لهن ولا قوة يفقدون أحبائهن واحداً تلو الآخر ومن قبلهم يفقدون كرامتهم ويتم إغتصابهن.. والشيوخ يتضرعون إلى الله بالخلاص.. المدينة التي كانت يوماً ملاذاً للآلاف من النازحين أصبحت الآن ساحة قتال.. حيث تتصارع القوى العسكرية وتتراشق بالصواريخ والمدافع.. النزوح واللجوء أصبحا الخيار الوحيد للكثيرين.. لكن حتى هذا الخيار بات صعب المنال في ظل إنعدام الأمن والخوف المستمر من قوات الدعم السريع التى تقوم بارتكاب انتهاكات وجرائم إنسانية بحق المدنيين. وأصبحت الفاشر وكأنها الجحيم بعينه.. تحتاج إلى الخلاص إلى يد عون تمتد لتنقذها من براثن الموت والدمار.

فهل سيبقى صوت الفاشر مسموعاً؟ هل ستتحرك الضمائر لإنقاذ المدينة وأهلها؟ أم أن الفاشر ستكون مجرد رقم آخر في سجل الحروب المنسية؟ الوقت ليس في صالحنا والحرب لا تعرف الرحمة.. نتمنى أن يكون هناك من يسمع صرخاتهم
المكتومة ويأتي لإنقاذهم قبل فوات الأوان.

صرخة في ظلام الحرب: الفاشر تنزف وتتألم
مما لاشك فيه أن ما يحدث في الفاشر من أحداث مروعة نتيجة إنتشار السلاح بين المدنيين.. والسلاح المتروك بأيدي الحركات المسلحة الموقعة بجوبا.. والذي كان يجب أن يسحب منهم ويتم وضعه في أماكن مخصصة لذلك.. كما أن تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية في إتفاق جوبا للسلام أدى إلى خلق فراغ أمني في ولايات دارفور.. مما زاد من تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية في المنطقة.. وما ترتب عليه من بطش قوات الدعم السريع التى أحكمت قبضتها على مدينة الفاشر بل وفرضت حصاراً على المدينة بأكملها فأصبح أهل الفاشر لا يجدون الغذاء ولا الدواء مما يعرض حياتهم للخطر.

أحداث الفاشر من يقف خلفها ولمصلحة من؟
من المؤكد أن هناك دول وجهات تدعم قوات الدعم السريع ضد أهالى الفاشر لما لهم من مصالح سياسية وعسكرية ما دفعهم إلى المساهمة في تأجيج الصراع فى السودان.. والذى بدأ بدعم إسرائيلي محتمل بل وأكيد لقوات الدعم السريع حيث أن نية إسرائيل فى زيادة الفوضى والحروب فى المنطقة باتت واضحة للجميع.

ما أصابني بالدهشة الدور الذي تقوم به الإمارات العربية والتى اتضح فيما بعد أنها تقوم بدعم قوات الدعم السريع عسكرياً ومالياً. اليوم تتدخل في السودان ومن قبل في ليبيا. مما يظهر أن الإمارات كل هدفها تقسيم الدول العربية لإضعافها لتصبح دويلات.. وليس لهذا العمل مسمى غير أنها دولة وظيفية بأجندة خارجية.. بكل أسف لقد أصبحت الإمارات الوجه الآخر العربى لإسرائيل.. تتدخل فى الدول العربية بسهولة لكونها دولة عربية و لكن فى الحقيقة هى أداة لتنفيذ سياسات اللوبى الصهيونى فى الوطن العربى و فى نفس الوقت إذا حدث عداء يكون بين دول عربية و بعضها و يتم زرع الفتن بين العرب و استنزاف ثروات الدول فى مشاحنات وصراعات و النتيجة لا إتفاق.. لا تحالف

وتستمر إسرائيل وأمريكا فى السيطرة على جميع الدول العربية والإفريقية ونهب ثرواتهم.
أيضاً هناك بعض الدول الإفريقية التي تقوم بدعم قوات الدعم السريع وإشعال الأزمة في السودانكل ذلك بتحريض من إسرائيل لزعزعة إستقرار المنطقة.
– بعض الدول العربية تدعم الحرب في السودان
لكن ما يحزنني أن بعض الدول العربية تدعم الحرب والإنتهاكات الجسيمة فى السودان وكأنهم ليسوا عرب ولا إخوة فمصالحهم طغت على إنسانيتهم وعروبتهم.. فبعض هذه الدول قد ترى في دعم قوات الدعم السريع فرصة لتعزيز مصالحها الإستراتيجية في المنطقة مثل السيطرة على الممرات التجارية أو التأثير على السياسة المحلية.. خاصةً أن قوات الدعم السريع تسيطر على مناطق غنية بالموارد الطبيعية مثل الذهب.. والدعم لهذه القوات يمكن أن يضمن وصولاً أفضل لهذه الموارد.. كما أن دعم المليشيات فى السودان يمكن أن يكون وسيلة لممارسة التأثير السياسي على الحكومة السودانية أو تشكيلها وفقاً لمصالح هذه الدول.
على الأرجح أن تورط هذه الجهات في دعم قوات حمديتى قد يكون له عواقب وخيمة على الوضع الإنساني في السودان خاصةً في مناطق النزاع مثل الفاشر.. حيث يتعرض المدنيون للخطر والتهديد المستمر.
– تأثير أحداث السودان الدامية على مصر
بدون أدنى شك أن أحداث الفاشر من الممكن أن تؤثر على مصر تأثيراً كبيراً خاصةً من الناحية الإستراتيجية بما فيها الأمن القومي.. والتعاون الإقتصادي والعلاقات التاريخية.. فلا استبعد التدخل العسكري المصري في الفاشر لمساندة الجيش السوداني وحفاظاً على الأمن القومي المصري.. فأنا على ثقة تامة في إمكانيات مصر السياسية في حل أي مشكله أو نزاع إقليمى.. فهى دائماً ما تكون ذات حل جذري و نهائي ويفوق التوقعات.. وهو من شأنه أن يشعرنى بالفخر والزهو والإعتزاز كونى مصرية الهوى والمنشأ.
لقد قالها الرئيس السيسي وصدق “لن نتوانى عن ضرب معسكرات الإرهاب داخل أو خارج البلاد” لأن الهدف والتوقيت ينبئ عن خطة لتعكير صفو مصر بإحتفالية القرن ويتوهمون أنهم قادرون على ذلك.. فنحن فى مرحلة رجوع الحق لأصحابه وهدم كل عوامل الزيف والوهم بدايةّ من الشخصيات والأفراد وصولاً إلى الحضارات والأمم.

ويحب أن نتذكر دائماً وأبداً أن مصالح الخليج تتعارض مع سياستنا وأمننا القومي.
فى النهاية وفي ظل الصمت العالمي تكتب الفصول الأخيرة من مأساة الفاشر.. حيث تتحول الشوارع إلى مقابر مفتوحة والأحلام إلى سراب.. والأرواح إلى أرقام تنسى.. الفاشر التي كانت يوماً رمزاً للصمود والتحدي.. أصبحت اليوم شاهدة على جبروت الحرب وقسوتها. إنها لحظة حاسمة تتطلب منا جميعاً الوقوف مع أهل الفاشر.. ورفض الظلم والعنف والدعوة إلى السلام والعدالة.. فهل ستكون صرخات الأبرياء هي من توقظ الضمائر.. أم أن الفاشر ستكون مجرد ذكرى تروى في سجلات التاريخ؟ إنها مسؤولية الجميع.. لابد أن نرفع أصواتنا من أجل إنقاذ الفاشر.. ومن أجل مستقبل أفضل للسودان.
