فرنسا تراهن على “يوتلسات” لمواجهة “ستارلينك”: معركة السيادة الرقمية في الفضاء
كتب باهر رجب
قادت الحكومة الفرنسية استثمارا ضخما بقيمة 1.35 مليار يورو في شركة الأقمار الصناعية “يوتلسات“، لترفع حصتها إلى 29.99% وتصبح المساهم الأكبر فيها. يأتي هذه الخطوة في إطار سباق أوروبي محموم لبناء بديل سيادي لمنظومة “ستارلينك” الأمريكية التابعة لإيلون ماسك، وسط تحذيرات من الاعتماد المفرط على البنى التحتية الفضائية الأجنبية في ظل التوترات الجيوسياسية تابع الخبر على تريندات .
الاستراتيجية الفرنسية:
من الدفاع إلى السيادة الرقمية
– تعزيز الوجود العسكري:
وقعت فرنسا عقدا مدته 10 سنوات مع “يوتلسات” لتوفير اتصالات عسكرية عبر الأقمار الصناعية، بقيمة تصل إلى مليار يورو. يعد جزءا من مشروع “نيكسوس” الهجين الذي يدمج قدرات الأقمار في المدار المنخفض (LEO) مع الأقمار الجغرافية الثابتة (GEO) لدعم العمليات العسكرية الفرنسية .
– الخوف من التبعية:
حذر الرئيس إيمانويل ماكرون من أن “الفضاء أصبح مقياسا للقوة الدولية“، مؤكدا أن عدم التحرك الآن سيجعل أوروبا “رهينة لقوى أجنبية“. جاء ذلك بعد أن أظهرت الحرب في أوكرانيا اعتماد الجيش الأوكراني الشديد على “ستارلينك”، حيث صرح ماسك أن “الجبهة الأوكرانية ستنهار إذا أوقفت الخدمة” .
– هيكلة التمويل:
ستقسم زيادة رأس المال إلى مرحلتين:
– 716 مليون يورو بأسهم مخفضة (4 يورو للسهم) لمستثمرين أساسيين مثل مجموعة “بهارتي” الهندية و”CMA CGM” للنقل البحري.
– 634 مليون يورو عبر طرح حقوقي مفتوح لجميع المساهمين .
التحديات: فجوة هائلة أمام “ستارلينك”
– التفوق العددي:
تمتلك “ستارلينك” أكثر من 7,800 قمر صناعي في المدار، بينما تملك “يوتلسات” (عبر اندماجها مع “ون ويب” البريطانية) 650 قمرا فقط – أي أقل من 10% من قدرة منافستها .
– محدودية الموارد :
كما تبلغ القيمة السوقية لـ”يوتلسات” 1.6 مليار يورو ، مقابل 350 مليار دولار لـ”سبيس إكس” المالكة لـ”ستارلينك”. كما تواجه الشركة ديونا تعادل 4 أضعاف أرباحها، ما يعيق قدرتها على التوسع .
– تحديات تقنية:
بحلول 2027-2028، ستنتهي العمر الافتراضي لأغلب أقمار “ون ويب” الحالية، مما يستلزم استثمار 2.2 مليار يورو لتصنيع 440 قمرا جديدا – وهو مبلغ ضخم حتى مع الدعم الفرنسي .
الرهان الأوروبي:
من “يوتلسات” إلى “إيريس 2”
كما تتجاوز خطة فرنسا شركة “يوتلسات” لبناء تحالف أوروبي أوسع:
1. مشروع “إيريس 2” (IRIS²) :
منظومة أقمار صناعية أوروبية متعددة المدارات، تشارك “يوتلسات” في قيادتها مع شركتي “SES” و”Hispasat“. تهدف لتوفير اتصالات امنة بحلول 2030 ، بميزانية أولية 2 مليار يورو .
2. جذب شركاء جدد :
تسعى باريس لإشراك ألمانيا – التي لا تملك حصة في “يوتلسات” حاليا – لتحويل الشركة إلى “نموذج إيرباص الفضاء” الأوروبي .
3. التخصص بدل المنافسة المباشرة:
تركز “يوتلسات” على قطاعات السيادة الأوروبية مثل:
1 – الاتصالات الحكومية والعسكرية الآمنة.
2 – تغطية المناطق القطبية و النائية غير المربحة تجاريا.
3 – خدمات البيانات ذات السيطرة الأوروبية الكاملة .
مستقبل المعركة:
هل تكفي الخطوة الفرنسية؟
كما يرى خبراء مثل جو جاردينر (محلل في CCS Insight) أن “يوتلسات” لن تتمكن من منافسة “ستارلينك” عالميا قريبا، لكنها قد تصبح “عمودا فقريا للسيادة الرقمية الأوروبية”. هذا التوجه يتجلى في:
– الدور الأوكراني:
كذلك رغم وجود 50,000 محطة “ستارلينك” في أوكرانيا، نشرت ألمانيا 1,000 محطة لـ”يوتلسات” كبديل احتياطي – إشارة إلى الرغبة في تقليل الاعتماد على القوى الخارجية .
– الأولوية للسيطرة القضائية:
كذلك تقدم “يوتلسات” خدمات تلبي اشتراطات الخصوصية الأوروبية الصارمة، ما يجذب الحكومات والشركات التي ترفض تخزين بياناتها على أنظمة أمريكية .
“نحن ندعم مرحلة حاسمة في تطوير يوتلسات… الاتصالات الفضائية قضية استراتيجية لسيادتنا الرقمية” — إريك لومبارد، وزير الاقتصاد الفرنسي .
الخلاصة: رهان بأبعاد كونية
علاوة على ذلك فأن الاستثمار الفرنسي في “يوتلسات” ليس مجرد إنقاذ لشركة متعثرة، بل هو جزء من حرب باردة رقمية جديدة تخوضها أوروبا للحفاظ على سيادتها التكنولوجية. رغم التحديات الهائلة – من الفجوة التمويلية إلى التفوق التقني لـ”ستارلينك” – فإن الرهان يعكس إدراكا أوروبيا بأن السيطرة على الفضاء أصبحت مسألة وجودية. النجاح لن يقاس بمطابقة “ستارلينك”، بل ببناء شبكة أوروبية موازية تضمن عدم انقطاع “شريان الاتصالات” حين تشتد العواصف الجيوسياسية.