كتب باهر رجب
انطلاقة حضارية جديدة بمحيط المسجد الإبراهيمي: مشروع تطوير شامل يعزز السياحة الدينية والتنمية المستدامة في دسوق
مقدمة: حدث تاريخي يعزز مكانة دسوق الدينية والسياحية
شهدت مدينة دسوق التاريخية، الواقعة في قلب محافظة كفرالشيخ، حدثا بالغ الأهمية اليوم الجمعة، تمثل في الافتتاح الرسمي للمرحلة الأولى من مشروع تطوير ساحة وميدان مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي العريق. يمثل هذا الافتتاح خطوة محورية ضمن الجهود الوطنية الرامية إلى تعزيز البنية التحتية للسياحة الدينية في مصر.
تكلل الحفل بحضور وفد رفيع المستوى، مما يؤكد الاهتمام البالغ للدولة بهذا المشروع الحيوي. وقد تصدر الحضور كل من الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف؛ والدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية؛ واللواء دكتور علاء عبدالمعطي، محافظ كفرالشيخ. ويعكس وجود هذه القيادات الرفيعة الأهمية المتعددة الأوجه للمشروع، والتي تمتد لتشمل الأبعاد الدينية والحكومية والإدارية المحلية.
ولم يقتصر الحضور على القيادات الثلاثة البارزة، بل شمل أيضا الدكتور عمرو البشبيشي، نائب المحافظ؛ والدكتور سلامة داوود، رئيس جامعة الأزهر؛ والمهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري؛ واللواء محمد شعير، السكرتير العام المساعد؛ بالإضافة إلى أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وجمال ساطور رئيس مركز ومدينة دسوق، وعدد كبير من وكلاء الوزارات، والقيادات التنفيذية والدينية. وقد عكس الحضور الجماهيري الغفير من المواطنين الاهتمام الشعبي العميق والصدى الروحي الدائم للمسجد داخل المجتمع.
تأكيداً على الأهمية الوطنية لهذا الحدث، جرى بث صلاة الجمعة مباشرة من المسجد الإبراهيمي عبر شاشات التلفزيون المصري. إن هذا البث المباشر على المستوى الوطني يتجاوز مجرد كونه تفصيلاً إخبارياً، بل هو أداة اتصال استراتيجية مدروسة تستخدمها الدولة. إن اجتماع كبار المسؤولين الدينيين والتنفيذيين لأداء الصلاة، مقترناً بنقلها الحي عبر التلفزيون، يخدم أهدافاً استراتيجية متعددة. فهو يضفي شرعية وتأييداً رسمياً للمشروع وأهدافه من أعلى مستويات السلطة الدينية والحكومية، مما يكسبه مصداقية كبيرة. كما أنه يعزز الشعور بالفخر الوطني الجماعي تجاه صون وتحديث التراث الديني، مما يقوي الروابط بين المواطنين وهويتهم الثقافية. إضافة إلى ذلك، فإن أداء صلاة الجمعة في الساحة المطورة حديثاً يمنحها قدسية روحية فورية ويثبت جاهزيتها العملية للاستخدام العام، ليكون بمثابة “افتتاح” رمزي قوي يتجاوز قص الشريط التقليدي. علاوة على ذلك، يعمل البث المباشر كأداة ترويجية بصرية فعالة، تعرض المسجد ومحيطه المعاد تنشيطه كوجهة رئيسية وجذابة للسياحة الدينية، مما قد يجذب المزيد من الزوار مستقبلاً. هذا النهج متعدد الطبقات يتجاوز مجرد الإبلاغ عن الحدث، ويسلط الضوء على الاستخدام المتطور للإعلام من قبل الدولة لتضخيم رسالة المشروع وتعظيم تأثيره على التصور العام والأهداف الوطنية.
لا يمثل هذا التطوير مجرد مبادرة لتجديد حضري، بل هو خطوة محورية ضمن الاستراتيجية الوطنية الأوسع لمصر، التي تهدف إلى تطوير المزارات الدينية وتنشيط السياحة. ويتمثل جوهر هذا المشروع في تحويل المنطقة المحيطة بهذا المسجد التاريخي إلى مساحة عامة حديثة، وجمالية، وعالية الكفاءة، بما يتناسب مع مكانته الروحية والثقافية.
تفاصيل المشروع: رؤية شاملة لتطوير المزارات الدينية
تأتي نشأة مشروع التطوير هذا استجابة مباشرة لتوجيهات فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية. تؤكد هذه التوجيهات رفيعة المستوى التزاماً وطنياً بالتطوير الشامل للمناطق المحيطة بالمساجد التاريخية، لا سيما تلك التي تتمتع بطابع ديني وسياحي بارز.
إن الهدف الوطني الشامل وراء هذه التوجيهات متعدد الأوجه: الارتقاء بجودة الفراغات العامة، وتحسين الهوية البصرية لهذه المناطق ذات الأهمية التاريخية، والأهم من ذلك، دعم وتنشيط السياحة الدينية في جميع أنحاء البلاد. ولضمان الشفافية والفهم العام، تضمن حفل الافتتاح عرض فيديو توضيحي مفصل للأعمال المنجزة في المشروع.
تفاصيل المرحلة الأولى
تغطي المرحلة الأولى من المشروع، التي جرى التخطيط لها بدقة، مساحة واسعة تبلغ 5000 متر مربع، مما يحول جزءاً كبيراً من محيط المسجد المباشر. بلغ الاستثمار المالي المخصص لإنجاز هذه المرحلة الأولية 10 ملايين جنيه مصري، مما يعكس حجم وجودة الأعمال المنجزة. وقد أظهر المشروع كفاءة ملحوظة، حيث تم الانتهاء من المرحلة الأولى في غضون 12 شهراً فقط. وقد نفذت هذه المرحلة ببراعة من قبل الشركة الدولية الهندسية للأنظمة، مما يبرز مشاركة كيانات متخصصة في مشاريع التنمية الوطنية.
تتضمن المرحلة الأولى المكتملة مجموعة شاملة من العناصر الحديثة والمتينة والجمالية، المصممة بدقة لتعزيز كل من وظائف الساحة وجاذبيتها البصرية. وتشمل هذه العناصر:
تركيب أرضيات عالية الجودة من الجرانيت والرخام، اختيرت لمتانتها وتشطيبها الأنيق، مما يسهم بشكل كبير في المظهر الوقور للساحة.
إنشاء أحواض زهور مصممة بجمال، ومكسوة بأناقة بالحجر الهاشمي التقليدي، مما يضيف جمالاً طبيعياً ولمسة من التراث المعماري المصري الأصيل.
التركيب الاستراتيجي لأعمدة إنارة ديكورية، مصممة ليس فقط لتوفير إضاءة فعالة ولكن أيضاً لتعزيز الجاذبية الجمالية للساحة، خاصة خلال ساعات المساء.
نظام نافورة معاصر، مدمج بعناية مع خزان أرضي وموتور غاطس، يعمل كعنصر جمالي مركزي آسر ويوفر أجواءً هادئة.
مساحات خضراء واسعة، مزروعة بدقة بمجموعة متنوعة من النباتات والزهور النابضة بالحياة، مما يوفر بيئة هادئة وجذابة وصديقة للبيئة للزوار والسكان المحليين على حد سواء.
الوضع الاستراتيجي لمقاعد جرانيتية متينة، ومجهزة بعناية بعناصر زخرفية مضيئة دقيقة، مما يوفر مناطق جلوس مريحة وجذابة للتأمل والتفاعل الاجتماعي.
بناء سور حماية، يجمع بمهارة بين الخرسانة وحديد الكريتال، مما يضمن الأمان وتحديداً واضحاً للمساحة العامة.
رصيف محيط مبني من بلاط الإنترلوك، مصمم لتسهيل حركة المشاة السلسة والآمنة في جميع أنحاء الساحة.
زراعة أشجار النخيل المهيبة بشكل رمزي عند المدخل الرئيسي، مما يسهم في المشهد الطبيعي المحلي، ويوفر الظل الطبيعي، ويعزز الإحساس بالوصول.
الأهم من ذلك، توفير مداخل مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، مما يعكس فلسفة تصميم حديثة وشاملة تضمن أن تكون المساحة مرحبة ومتاحة لجميع أفراد المجتمع.
إن السرد المفصل لمكونات المرحلة الأولى (الجرانيت، الحجر الهاشمي، الإضاءة الديكورية، النافورة، ميزات الوصول) يتجاوز مجرد المواصفات؛ إنه يكشف عن استراتيجية متعمدة ومتطورة للارتقاء الحضري توازن بدقة بين الجماليات والوظائف والشمولية. إن الذكر الصريح للمواد عالية الجودة مثل الجرانيت والرخام والحجر الهاشمي يشير إلى الالتزام بخلق بيئة جذابة بصرياً ومتينة. ويشير استخدام الحجر الهاشمي، على وجه الخصوص، إلى جهد مقصود لدمج عناصر معمارية مصرية تقليدية، مع احترام السياق التاريخي والديني للمسجد، مع تحديث المساحة في الوقت نفسه. هذا يدل على التركيز على الكرامة والجمال، وليس مجرد المنفعة.
كما أن تضمين عناصر متنوعة مثل المساحات الخضراء والمقاعد المريحة والنافورة المركزية يحول المنطقة من مجرد ممر إلى ساحة عامة نابضة بالحياة ومتعددة الوظائف. يشجع هذا التصميم الأنشطة الاجتماعية والاسترخاء والتفاعل المجتمعي، ويتماشى مباشرة مع هدف المحافظ المعلن المتمثل في “إعادة تصميم الساحة الأمامية والحديقة لتناسب الأنشطة الاجتماعية لسكان المنطقة”. وهذا يشير إلى التحول نحو خلق مساحات حضرية جذابة للعيش.
علاوة على ذلك، فإن الذكر الصريح والبارز لـ “مداخل لذوي الاحتياجات الخاصة” هو تفصيل حاسم غالباً ما يتم التغاضي عنه في مشاريع البنية التحتية. يوضح إدراجه نهجاً حديثاً يركز على الإنسان في التخطيط الحضري، مما يضمن أن تكون المساحة المجددة مرحبة وسهلة التنقل ومتاحة لجميع شرائح المجتمع. وهذا يعكس التزاماً عميقاً بالمسؤولية الاجتماعية والمساواة إلى جانب أهداف التنمية.
أخيراً، فإن الإبلاغ المحدد عن التكلفة (10 ملايين جنيه مصري) ومدة الإنجاز الفعالة (12 شهراً) لا يوفر بيانات واقعية فحسب، بل ينقل ضمنياً رسالة عن الإشراف الكفء، والإدارة الفعالة للموارد، والتنفيذ في الوقت المناسب. وهذا يبني الثقة في إدارة المشروع والقدرة الحكومية الأوسع. بشكل جماعي، ترسم هذه العناصر المفصلة صورة شاملة لاستراتيجية تطوير حضري شاملة مدروسة وشاملة ومنفذة بمعايير جودة عالية، متجاوزة مجرد التجديد الأساسي.
تفاصيل المرحلة الأولى من مشروع تطوير ساحة المسجد الإبراهيمي بدسوق
تغطي المرحلة الأولى من مشروع تطوير ساحة المسجد الإبراهيمي بدسوق مساحة إجمالية تبلغ 5000 متر مربع، وقد بلغت تكلفتها الإجمالية 10 ملايين جنيه مصري. استغرقت مدة تنفيذ هذه المرحلة 12 شهراً، ونفذتها الشركة الدولية الهندسية للأنظمة. شملت أبرز مكونات المرحلة الأولى تركيب أرضيات من الجرانيت والرخام، وإنشاء أحواض زهور مكسوة بالحجر الهاشمي، بالإضافة إلى أعمدة إنارة ديكورية ونافورة بخزان أرضي وموتور غاطس. كما تضمنت مساحات خضراء مزروعة بالنباتات والزهور، ومقاعد جرانيتية مزودة بحليات مضيئة، وسور حماية من الخرسانة والحديد الكريتال، ورصيفاً محيطاً من الإنترلوك. واشتملت أيضاً على زراعة نخيل بالمدخل الرئيسي، وتوفير مداخل مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة
تصريحات المسؤولين: تكامل الجهود لتحقيق التنمية
أكد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، في كلمته، أن المشروع “يُجسد اهتمام الدولة العميق بالمساجد الكبرى وتطوير محيطها الحضاري بما يليق بمكانتها الدينية والتاريخية”. ويُبرز هذا التصريح المشروع كمرآة مباشرة للأولويات الوطنية. كما أشار إلى رؤية أوسع، مؤكداً أن هذه الجهود المتضافرة مصممة لتحويل المساجد إلى “منارات للعلم ونشر الفكر الوسطي ومواجهة التطرف”. وهذا يضع التطور المادي ضمن إطار أيديولوجي واجتماعي أوسع. وأثنى الوزير بشكل خاص على التنسيق النموذجي بين وزارة الأوقاف ومحافظة كفرالشيخ والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، مؤكداً أن هذا التعاون السلس “يعكس التكامل والجهود التآزرية لمؤسسات الدولة لتحقيق رؤية القيادة السياسية الشاملة لتوفير بيئة حضارية تليق بالقيمة العميقة لهذه المزارات الدينية المقدسة”.
من جانبه، أوضح الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، أن تطوير الساحة “يعكس اهتمام الدولة الراسخ بالمساجد التاريخية والمزارات الدينية”. وشدد على دورها الحيوي في “المساهمة في تعزيز القيم الروحية ونشر رسالة الإسلام السمحة، وهي رسالة تدعو بطبيعتها إلى الوسطية والتسامح”. ووصف المشروع ببراعة بأنه يمثل “نقلة حضارية للمنطقة المحيطة بأحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية على المستوى الوطني”. وأكد الدكتور عياد على أهميته العميقة، عازياً إياها إلى “رمزيته الروحية والتراثية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنسيج الغني للعمارة الإسلامية”.
وقد قدم اللواء دكتور علاء عبدالمعطي، محافظ كفرالشيخ، منظوراً إقليمياً، مشيراً إلى أن الأهداف الأساسية للمشروع تشمل “تحسين الصورة الحضارية وتعزيز الهوية البصرية للمحافظة بشكل كبير”. وهذا يظهر التركيز على الفخر المحلي والارتقاء الجمالي. كما فصّل المحافظ الفوائد العملية الموجهة نحو المجتمع، بما في ذلك “الاستغلال الأمثل للفراغات العامة، والفصل الفعال لمسارات المركبات عن حركة المشاة لتعزيز السلامة، وإعادة تصميم ساحة المسجد الأمامية والحديقة المجاورة لتناسب تماماً الأنشطة الاجتماعية المتنوعة لسكان المنطقة”. وقد أقر المحافظ صراحة بأن مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي يُعد “أحد أهم المزارات السياحية والدينية داخل المحافظة”، مما يعزز دوره المزدوج كمركز روحي ومحرك اقتصادي.
إن الاتساق الملحوظ والتوافق الموضوعي عبر تصريحات المسؤولين الثلاثة رفيعي المستوى (وزير الأوقاف، مفتي الجمهورية، المحافظ) فيما يتعلق بـ”الفكر الوسطي”، و”الإسلام المتسامح”، و”النقلة الحضارية”، و”تكامل مؤسسات الدولة”، يُعد مؤشراً قوياً على وجود أجندة وطنية موحدة ومنسقة استراتيجياً. إن حقيقة أن المسؤولين من مؤسسات حكومية ودينية متميزة (وزارة الأوقاف، دار الإفتاء، محافظة كفرالشيخ) يرددون باستمرار مواضيع وأهدافاً مماثلة – اهتمام الدولة بالتراث، تعزيز الإسلام الوسطي، التنمية الحضرية، والسياحة – أمر بالغ الأهمية. يشير هذا التوحيد إلى استراتيجية اتصال مصاغة بدقة ومنسقة مركزياً، بدلاً من مبادرات إدارية متباينة. وهذا يعني فهماً مشتركاً للغرض الوطني الأوسع للمشروع.
إن التأكيد المتكرر من قبل وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية على دور المشروع في تعزيز “الفكر الوسطي” و”الإسلام المتسامح” يؤسس رابطاً مباشراً بين تطوير البنية التحتية المادية والأهداف الأيديولوجية. وهذا يشير إلى أن تجميل وتسهيل الوصول وتحديث المواقع الدينية البارزة يُنظر إليها كأدوات حاسمة لتعزيز الخطاب الديني الوسطي السائد داخل المجتمع، وبشكل ضمني، لمواجهة الروايات المتطرفة من خلال إبراز الأبعاد الشاملة والجمالية للتراث الإسلامي. وهذا يمثل شكلاً خفياً وقوياً من القوة الناعمة.
كما أن تركيز المحافظ على “تحسين الصورة الحضارية”، و”الهوية البصرية”، وتسهيل “الأنشطة الاجتماعية” يوضح أن نطاق المشروع يتجاوز مجرد الوظائف الدينية أو السياحية. إنه يسلط الضوء على الالتزام بالتجديد الحضري الشامل الذي يعزز جودة الحياة للسكان المحليين، ويحول المنطقة إلى مركز مجتمعي نابض بالحياة. وهذا يوسع تأثير المشروع، مما يجعله نموذجاً للتخطيط الحضري المتكامل.
أخيراً، فإن الإشادة الصريحة بـ”تكامل مؤسسات الدولة” ليست مجرد اعتراف مهذب؛ بل تهدف إلى تسليط الضوء على نموذج ناجح للتعاون بين الوكالات في تحقيق التوجيهات الوطنية. وهذا يعرض إطار حوكمة ناضجاً وفعالاً حيث تتعاون الوزارات المختلفة والحكومات المحلية بسلاسة لتنفيذ الرؤى الرئاسية، مما يعكس صورة من الكفاءة والوحدة للجمهور. هذا الرسالة الجماعية والمتسقة ترفع المشروع من مجرد تجديد محلي إلى مبادرة وطنية استراتيجية ذات أبعاد ثقافية واجتماعية واقتصادية وحتى أيديولوجية عميقة، مما يعكس رؤية دولة شاملة.
المسجد الإبراهيمي: رمز روحي وتراثي في قلب الدلتا
يتجاوز مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي وظيفته كمجرد مكان للعبادة؛ فهو يمثل حجر الزاوية العميق للهوية الروحية والتاريخية داخل مصر، متجذراً بشكل خاص في قلب منطقة الدلتا. يُعرف بأنه أحد أبرز وأعز المعالم الدينية والتاريخية على المستوى الوطني، يجذب الزوار من جميع أنحاء البلاد وخارجها.
تنبع أهميته الهائلة من ارتباطه المقدس بالإمام إبراهيم الدسوقي، أحد الأولياء الصوفيين الأربعة العظام الذين تجذب أضرحتهم سنوياً ملايين المريدين والباحثين الروحيين. وهذا يجعل المسجد مركزاً حيوياً ونابضاً للراحة الروحية والتعلم الديني ومنارة للتقاليد الصوفية. وقد أكد مفتي الجمهورية، الدكتور نظير عياد، على صداه الثقافي العميق، مسلطاً الضوء على “رمزيته الروحية والتراثية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنسيج الغني للعمارة الإسلامية”. وهذا يؤكد دوره ليس فقط كموقع ديني ولكن كمتحف حي للفن والتاريخ الإسلامي.
يسهم مشروع التطوير الشامل بشكل مباشر في رفع مكانة المسجد بشكل كبير كوجهة رئيسية للسياحة الدينية، محلياً ودولياً. من خلال تعزيز محيطه المباشر بدقة – الساحة والميدان – يجعل المشروع الموقع بأكمله أكثر جاذبية، وأكثر سهولة في الوصول إليه بشكل كبير، والأهم من ذلك، مجهزاً بشكل أفضل لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الحجاج والزوار الذين يستقبلهم تقليدياً بشكل مريح. إن مجموعة التحسينات المنفذة بدقة، بما في ذلك البنية التحتية الحديثة، والمساحات الخضراء الواسعة، ومناطق الجلوس المريحة، تخلق بشكل جماعي تجربة أكثر ترحيباً وهدوءاً وراحة للحجاج والسياح على حد سواء. تم تصميم هذه البيئة المحسنة لتشجيع الزيارات الأطول، والمشاركة الأعمق في العروض الروحية والتاريخية للموقع، وتجربة شاملة أكثر إثراءً.
إن التركيز الاستراتيجي للمشروع على تطوير محيط المسجد، بدلاً من التركيز على هيكل المسجد نفسه فقط، يشير إلى فهم دقيق ومتطور للسياحة الدينية كرحلة شاملة وتجريبية. يستهدف المشروع صراحة “الساحة والميدان” المحيطين بالمسجد. يكشف هذا الاختيار المتعمد عن إدراك أن تجربة الزائر لا تقتصر على داخل قاعة الصلاة بل تمتد إلى كامل المنطقة، بما في ذلك الممرات ومناطق التجمع والبيئة الحضرية المباشرة. يقضي الحجاج والسياح غالباً وقتاً طويلاً في المناطق الخارجية للمواقع الدينية للتأمل والراحة والتفاعل الاجتماعي، أو ببساطة لاستيعاب الأجواء. من خلال الاستثمار في هذه “الفراغات العامة” وتعزيز الظروف الملائمة لـ”الأنشطة الاجتماعية”، يحسن المشروع بشكل مباشر وكبير الرحلة الروحية والثقافية والعملية الشاملة للزوار، مما يجعل تجربتهم أكثر راحة ولا تنسى. كما أن تطوير الساحة ومحيطها يدمج المسجد بشكل أكثر تماسكاً وديناميكية في النسيج الحضري لمدينة دسوق. وهذا يحوله من معلم تاريخي قد يكون معزولاً إلى مركز مجتمعي نابض بالحياة، يسهل الوصول إليه، ومتكامل. وهذا يتماشى تماماً مع هدف المحافظ المعلن المتمثل في “تحسين الصورة الحضارية وتعزيز الهوية البصرية للمحافظة”، مما يوضح نهجاً شاملاً للتخطيط الحضري يعود بالنفع على كل من الزوار والسكان المحليين. يؤكد هذا النهج الاستراتيجي على فهم متطور للسياحة الدينية الحديثة، حيث تُعتبر جودة وفعالية البيئة المحيطة بالموقع المقدس ذات أهمية حاسمة مثل الموقع نفسه في جذب الزوار واستيعابهم وإثراء تجربتهم.
الأثر المتوقع: دعم السياحة الدينية وتنشيط الحركة الثقافية
لا يُعد المشروع مجرد تحديث للبنية التحتية؛ بل يُوصف بلا شك بأنه “خطوة مهمة وتحويلية لدعم السياحة الدينية بقوة وتنشيط الحركة الثقافية والاجتماعية بمدينة دسوق بنشاط”. ويُبرز هذا الهدف المزدوج تأثيره الشامل.
من خلال خلق بيئة حديثة، يسهل الوصول إليها بشكل كبير، وجذابة جمالياً، يتم وضع المشروع استراتيجياً لجذب عدد أكبر بكثير من الزوار المحليين والدوليين. ومن المتوقع أن توفر هذه الزيادة المتوقعة في حركة الزوار حافزاً كبيراً للاقتصاد المحلي، يتجلى في زيادة الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل الإقامة وتناول الطعام وشراء الحرف اليدوية والسلع المحلية، وبالتالي خلق فرص جديدة للشركات المحلية والمقيمين. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تتطور المساحات العامة المحسنة حديثاً حول المسجد لتصبح أماكن ديناميكية لمجموعة متنوعة من الفعاليات الثقافية والتجمعات المجتمعية والتفاعلات الاجتماعية النابضة بالحياة. ومن المتوقع أن يعزز هذا التحول مشهداً ثقافياً أكثر نشاطاً وثراءً داخل دسوق، مما يعزز التماسك المجتمعي والتبادل الثقافي.
والأهم من ذلك، أن محافظ كفرالشيخ، اللواء دكتور علاء عبدالمعطي، أكد صراحة أن هذا الجزء الذي افتتح مؤخراً يمثل المرحلة الأولى المكتملة فقط من خطة تطوير أوسع وأكثر طموحاً. وتتألف الخطة الشاملة للمنطقة المحيطة بالمسجد من “ثلاث مراحل متميزة”. يشير هذا الكشف إلى التزام طويل الأجل، استراتيجي، ومرحلي بالتحسين المستمر والتطوير الشامل للموقع ونسيجه الحضري المحيط، مما يضمن فوائد مستدامة وتطوراً مستمراً.
إن الذكر الصريح لخطة تطوير متعددة المراحل (“ثلاث مراحل”) ليس مجرد تفصيل حول تسلسل المشروع؛ بل يشير إلى بصيرة استراتيجية متطورة وطويلة الأجل، وقابلية للتكيف في التنفيذ، وربما نموذج تمويل قابل للتطوير، وكلها مؤشرات على التنمية المستدامة. يشير المشروع المصمم على مراحل متعددة إلى أن الدولة تمتلك رؤية شاملة وطويلة الأجل لتنمية المنطقة، بدلاً من تدخل واحد ومعزول. وهذا يعني تخطيطاً استراتيجياً دقيقاً والتزاماً بتخصيص الموارد المستمر على مدى فترة طويلة، مما يعكس نهجاً ناضجاً في التنمية الحضرية والتراثية.
يسمح التطوير المرحلي بطبيعة الحال بنهج أكثر مرونة. يمكن دمج الدروس المستفادة وأفضل الممارسات المحددة خلال المراحل المبكرة بفعالية وتطبيقها على المراحل اللاحقة، مما قد يؤدي إلى تحسين الكفاءة وفعالية التكلفة ونتائج أفضل. كما يوفر مرونة للتكيف مع التحديات غير المتوقعة أو الظروف الاقتصادية المتغيرة أو احتياجات المجتمع المتطورة، وبالتالي التخفيف من المخاطر.
يكتسب وسم “#التنمية_المستدامة” المستخدم فيما يتعلق بالمشروع معنى أعمق مع نهج متعدد المراحل. غالباً ما تتضمن التنمية المستدامة تحسينات تدريجية ومتكاملة يمكن مراقبتها وتعديلها باستمرار. يسمح هذا النموذج المرحلي بالتقدم التدريجي، والمشاركة المستمرة مع أصحاب المصلحة، ودمج أكثر عضوية للتحسينات في النسيج الحضري والاجتماعي القائم، مما يضمن الجدوى على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، يوفر الانتهاء الناجح وافتتاح المرحلة الأولى فوائد ملموسة وفورية وعائداً واضحاً على الاستثمار. يمكن بعد ذلك استغلال هذا النجاح استراتيجياً لبناء الدعم العام والسياسي، وجذب المزيد من التمويل، وتأمين الموارد للمراحل اللاحقة، مما يضمن حافزاً اقتصادياً مستمراً وزخماً تنموياً مستمراً لمدينة دسوق. وبالتالي، تسلط هذه الاستراتيجية متعددة المراحل الضوء على نموذج تنمية متطور ومستدام، مما يعزز فكرة أن هذا جزء من أجندة وطنية أوسع ومدروسة جيداً للنمو والحفاظ على التراث.
خاتمة: دسوق تتألق بمشروع يمزج الأصالة بالحداثة
يمثل افتتاح المرحلة الأولى من مشروع تطوير مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي إنجازاً تاريخياً وناجحاً للغاية لمدينة دسوق، وبالتالي لمحافظة كفرالشيخ بأكملها. إنه شهادة قوية على فعالية الحوكمة التعاونية، حيث يعرض شراكة سلسة ومثمرة بين مختلف مؤسسات الدولة، ويؤكد التزاماً وطنياً عميقاً بالحفاظ على التراث الثقافي الذي لا يقدر بثمن وتبني التنمية الحضرية الحديثة ذات التفكير المستقبلي.
الفوائد الملموسة والفورية لهذه المرحلة المنفذة بدقة واضحة بالفعل، وتشمل تعزيزاً كبيراً في الجاذبية الجمالية للمساحات العامة، وتحسينات هائلة في وظائفها للزوار والمقيمين، والأهم من ذلك، زيادة إمكانية الوصول للجميع، بما في ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يعكس فلسفة تصميم شاملة حقاً. وبالنظر إلى المستقبل، فإن المشروع مهيأ استراتيجياً لتحقيق فوائد كبيرة على المدى الطويل. ومن المتوقع أن يوفر دفعة كبيرة للسياحة الدينية، مما ينشط الاقتصاد المحلي من خلال زيادة أعداد الزوار والإنفاق المرتبط بذلك. علاوة على ذلك، سيعزز بيئة ثقافية واجتماعية أكثر حيوية وديناميكية وثراءً داخل دسوق، مما يعزز في نهاية المطاف مكانة المسجد البارزة كمنارة روحية وطنية ومعلم ثقافي رئيسي.
تُعد هذه المبادرة المحورية تأكيداً مدوياً على تفاني الدولة المصرية الثابت، بتوجيه مباشر من التوجيهات الرؤيوية للرئيس عبدالفتاح السيسي، لتطوير ورفع مستوى نسيجها الغني من المواقع الدينية والتاريخية بدقة. إنها تعرض ببراعة رؤية وطنية تدمج بذكاء ضرورة الحفاظ على التراث مع مبادئ التخطيط الحضري المعاصر. والهدف النهائي هو صياغة مساحات عامة بدقة تكون غنية روحياً بشكل عميق وحديثة وظيفياً بشكل استثنائي،