خواطر علي ضفاف مهنة الصحافة يكتبها .. طه امين
خواطر علي ضفاف مهنة الصحافة..
كثيرة هي العمليات الجراحية التي حضرتها داخل غرف العمليات وكتبت عنها باسهاب ، وكنت اشارك الجراحين قهوتهم قبل ان ادخل معهم غرفة العمليات فأتوضأ مثلهم بالمطهرات حيث العمل عبادة داخل غرف العمليات أو ” الكبسولة” التي هي غرفة داخل غرفة .
ثم ارتدي مثلهم الثوب الجراحي وهكذا غطاء الرأس والنعلين ، ويتم تعقيم كل ادوات التصوير ، ولابد انني تعودت ان اري المريض مسجيا علي طاولة العمليات الالكترونية ، وهي طاولات ذكية حديثة إما من نوع ” ماكيه الالمانية او كارل ستور الامريكية ” وهكذا المصابيح الجراحية عديمة الحرارة .. واحدث الادوات والخيوط الجراحية الشهيرة من شركة چونسون اند چونسون .
وقبيل انتهاء الفريق الجراحي من المهمة يبدأ الممرضون قبيل إفاقة المريض في احصاء عدد المناشف ” الفوط ” او تلك الاسفنجات الجراحية التي يتم استخدامها خشية ان تكون احداها قد اهملت بداخله.. وكنت اعرف كصحفي متخصص انه إذا لم يكن عدد الفوط المستخدم جراحيا متساويا فإن الجراح عليه أن يعيد البحث بصعوبة بالغة عن الفوطة التي تتحول الي كتلة مغمورة بالدم بداخل الجرح، فإذا لم يجدها فعليه عمل أشعة فورية للبحث عنها .. ومع ذلك جل من لايسهو.
عمليات جراحية وبروتوكولات روتينية معظمها تستغرق اكثر من 8 ساعات ، مثل عمليات القلب المفتوح .. جراحات المخ .. زراعة الاعضاء الحيوية والعظام ، الي جانب عمليات قسطرة القلب الحديثة التي اطلقت عليها عمليات “البلاي ستيشن “.
اقرأ أيضا
وأذكر في حوار اجريته مع الجراح الشهير احمد شفيق قال لي انه يحب سماع الموسيقي اثناء العمل ، وان الاستماع للموسيقى أثناء العمليات الجراحية يبعث الي الطمأنينة ويقلل التوتر وايضا الشعور بالألم لدي المريض بعد انتهاء العملية والاستيقاظ من التخدير العام !!
شيئ من ذلك
وما هذا الذلك ؟!
الذي يمنع من استعماله، وفيها ما لا مانع فيه من ذلك !
ها ها
وكنت احضر في العام نحو 50 مؤتمرا طبيا عالميا تنظمه وزارة الصحة الكويتية.. الي جانب تلك المؤتمرات التي تنظمها كلية الطب في الكويت!
وازعم انني الي جانب مجالات اخري ركزت كصحفي في مجال النشاط الصحي ، وعلي وجه الدقة في مجال اقتصاديات الصحة والتعمق في الانسان من الداخل ، فقد فتح لي هذا المجال آفاقا كثيرة من المعرفة والمناصب المرموقة.. ولابد ان قرآتي المتنوعة في علوم الفكر انعكست كثيرا علي نوعية تحقيقاتي وبعضها كان يحدث دويا تحت قبة البرلمان .. وهكذا مقالاتي وتقاريري الإخبارية طيلة مسيرتي الصحفية في الكويت او من الكويت من خلال الصحف المحلية والعالمية مثل
جريدة الرأي العام او الصحف اللندنية ” جريدة الشرق الاوسط ومجلة المجلة وسيدتي ” او مجلة النهضة او جريدة الوطن وهكذا نشرة اخبار تلفزيون الوطن اليومية
وأعترف ان شجاعتي الصحفية كانت تتجاوز كثيرا كل الخطوط الحمراء عندما اضرب بالمصالح عرض الحائط وانشر تحقيقات معززة بالمستندات
واسبب حرجا شديدا لجريدة الوطن عندما تتعارض المصالح ولكن وللحق فقد كان رئيس التحرير يقدر شجاعتي ويحترمها ، ولم يبالي للضغوط التي كانت تسعي لإطاحتي .
والحق يقال ايضا انني تقدمت باستقالتي عدة مرات ، وكانوا يرفضونها بلباقة .
وجراء ذلك يطلب مني كثيرا نائب رئيس التحرير وليد الجاسم او مدير التحرير حسام فتحي إستراحة محارب والتوقف مؤقتا عن الكتابة لاجل غير مسمي مثل الصحف القومية في مصر ، وفي ظل هذا الفراغ لم تنعدم حركتي كما يعتقد الفيلسوف برنيموس او افلاطون ، الذي يصف الفراغ بانه عدم !!
وكنت في هذا الفراغ الحركي ادرك ان الزمن لايتوقف واثقف نفسي طبيا وفلسفيا وتقنيا وأدبياً وفكريا وسياسيا واقتصاديا حتي ملأت فراغي حيوية وانا علي رأس عملي في جريدة الوطن ، فقد شاركت علي هامش الجريدة في صياغة الكثير من الامراض وبرامج التوعية.
لكني كنت اذهب الي عملي شبه يوميا واتأنق وكاني علي موعد غرامي واكتب خواطري الادبية مع نفسي ولنفسي وكأني اشكوا الورق عندما داهمني مرض الكولايتس الدامي اللعين ، واكتب عن أوجاعي وخواطري وحناني يذوب بعضه في بعض .. وهكذا ادرس المرضي وبالذات هذا المريض المهندس “يوسف ” الذي راح في غيبوبة لاكثر من عامين في مستشفي الاميري .. وكنت اذهب طواعية اليه بين الفترة والاخري واُوليه اهتماما ..
كنت اري يوسف أثناء الغيبوبة لا يستطيع التفكير أو الوعي بالمحيط، لكنه يحتفظ بالعمليات الطبيعية للجسم، مثل التنفس لذا يبدو وكأنه نائم لكنه لا يستطيع الحركة أو الاستجابة لما يحصل حوله،
وربما جعلني ” يوسف ” ان ادرس فلسفة العدمية ومدارسها الفكرية المتنوعة .. وهكذا المدارس
الطبية وسلوك الاطباء اثناء العمل ، فكنت لا اغضب من الجراح واندهش من اعتداء اهل المريض عندما ” تشرخ ” منه حالة كما يحدث في مصر ..واؤمن بان ماحدث مع حالة المهندس يوسف قد يتماشي مع القاعدة الفقهية التي تقول ( ان الطبيب هو بذل عناية وليس تحقيق غاية ) فليس مطلوبا من الجراح ان يكون مسيحا او في يده عصا موسي .. او يبكي مرضاه او يشعر بأوجاع مرضاه .. لانه سمعها الوف المرات. ويعرفها مقدما واذا لم يتوجع مريض فإن هذا هو الشيئ الوحيد الذي يدهش الجراح !
وتعلمت من اطباء الصحة العامة السياسات والخطط والإحصاءات والبرامج .
وأن الطب مدارس ، وكذلك في التحليل النفسي .
وأن هناك المدرسة الامريكية التي تري ان من الضروري ان يصارح الطبيب مرضاه بأمراضهم .. ولايخفي عنهم شيئا.
وقد يكره الناس هذه الصراحة الوقحة لدواعي رأسمالية بحته .. وهناك المدرسة الانجليزية التي تري ان تخفي عن المريض أوجاعه مهما كانت خطيرة ، فهذه تري انه ربما حدثت معجزة ويشفي المريض .. وقد وقعت المعجزة كثيرا وتري هذه المدرسة ان مصارحة المريض بخطورة مرضه قد تضعف مقاومته المرض .
اقرأ أيضا
وانا أميل لتلك المدرسة المعمول بها في مصر والكويت الي حد كبير .. لانها تري ان الحياة ارادة والصحة ارادة والمرض ارادة ايضا ، فعندما ييأس المريض من الشفاء فانه يريد الموت ليستريح من هذا العذاب ، ولهذا يري هؤلاء الاطباء ان يتركوا شيئا لله .. فكثيرا ماتدخلت إرادة الله وأنقذت المريض .. رغم عجز الاطباء !!
بحبكم
( المقالة التالية اتناول ببساطة نظرية حقنة البنج وفلسفة العدمية )
الكاتب طه امين