جرائم التحرش الإلكتروني في الفضاء الرقمي: دراسة تحليلية شاملة للأبعاد القانونية و الإجرائية وآليات الحماية و التقاضي
كتب باهر رجب

تعد ظاهرة التحرش الإلكتروني واحدة من أكثر القضايا إلحاحا و تعقيدا في العصر الرقمي، حيث تحول الفضاء السيبراني من وسيلة للتواصل والتبادل المعرفي إلى ساحة لانتهاك الخصوصية والكرامة الإنسانية. إن هذه الجريمة، التي تتخذ من الشاشات واللوحات الرقمية غطاء لها، تتجاوز في طبيعتها الإزعاج التقليدي لتصل إلى مصاف الجرائم الجنائية التي تستهدف الكيان النفسي والاجتماعي للفرد. وتتجلى خطورة هذا النمط الإجرامي في قدرة الجاني على التخفي خلف هويات مستعارة، مما يمنحه شعورا زائفا بالأمان والقدرة على الإفلات من العقاب، بينما تظل الضحية محاصرة في واقع افتراضي يلاحقها في أدق تفاصيل حياتها الخاصة.

تعريف وماهية التحرش الإلكتروني
يتجسد التحرش الإلكتروني في كونه سلوكا عدوانيا منحرفا يسعى من خلاله الجاني إلى فرض ملاحظات أو أفعال ذات دلالة جنسية أو إهانة كرامة الضحية عبر الوسائط الرقمية بشكل متكرر وغير مرغوب فيه. وتتفق الرؤى القانونية والشرعية على أن ماهية هذا الفعل تكمن في انتهاك حرمة الجسد أو الخصوصية أو المشاعر، سواء وقع ذلك عبر الأقوال أو التلميحات أو الصور، وبأي وسيلة تقنية كانت. إن المشرع، في سعيه لضبط هذا المفهوم، لم يكتفي بالتعريف اللفظي، بل ربط الجريمة بالنتيجة المتمثلة في خلق موقف مخيف أو مسيء أو مهين لمن يتلقاه.
تنبثق ماهية التحرش الإلكتروني من كونه جريمة “معنوية” في المقام الأول، حيث يعتمد الجاني على التأثير النفسي المدمر لإشباع رغباته أو ممارسة نوع من السيطرة الوهمية على الضحية. وفي السياق القانوني المصري، ينظر إلى التحرش الإلكتروني بوصفه جريمة متكاملة الأركان، تعادل في أثرها التحرش المادي، إذ إن الوسيلة التقنية لا تغير من طبيعة الاعتداء بل تزيد من حدة انتشاره و استمراريته. أما في النظام العام ، فقد جرى تعريف التحرش بكونه كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة.
التشريح الهيكلي للجريمة: الأركان المادية والمعنوية
لا يمكن توصيف الفعل قانونيا بأنه تحرش إلكتروني ما لم تكتمل أركانه الثلاثة الأساسية: الركن المادي، والركن المعنوي، والركن الشرعي أو النظامي.
يتمثل الركن المادي في استخدام وسيلة تقنية، مثل الرسائل النصية، الصور، الفيديوهات، أو تطبيقات التواصل الاجتماعي، لإرسال ألفاظ أو إشارات ذات مدلول جنسي أو إهانة صريحة. ويشمل هذا الركن أيضا أفعال الملاحقة والتتبع الإلكتروني، واختراق الحسابات الشخصية، ونشر المعلومات الخاصة دون إذن. إن الفعل المادي في هذه الجريمة يتميز بكونه “رقميا”، أي أنه يتكون من بيانات و نبضات إلكترونية قد لا تترك أثرا ماديا ملموسا في الحيز الفيزيائي، مما يجعل عملية توثيقه تتطلب دقة تقنية عالية.
أما الركن المعنوي، فينصرف إلى القصد الجنائي لدى المتحرش، وهو نية الإيذاء أو الإغراء أو استغلال ضعف الإدراك لدى الضحية، خاصة إذا كان المجني عليه قاصرا. ويتوفر هذا الركن بمجرد علم الجاني بأن فعله غير مرغوب فيه وأن من شأنه خدش حياء الضحية أو إزعاجها، ومع ذلك يصر على الاستمرار في السلوك الإجرامي. ويضيف المشرع في بعض الحالات عنصرا إضافيا يتمثل في “القصد الخاص”، وهو السعي للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية من وراء هذا التحرش.
أخيرا، يكتمل البناء القانوني بالركن الشرعي أو النظامي، وهو وجود نص صريح في القانون يجرم هذه الأفعال ويحدد عقوباتها. وقد تحقق هذا الركن في مصر عبر قانون العقوبات المعدل وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وفي السعودية عبر نظام مكافحة التحرش ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.

تصنيفات وصور التحرش الإلكتروني: قراءة في الأنماط المتجددة
تتخذ جرائم التحرش في البيئة الرقمية أشكالا وصورا متعددة تتطور بتطور الأدوات و التقنية، ويمكن تصنيفها وفقا لآلية الاعتداء وطبيعة المحتوى المرسل.
التحرش اللفظي والملاحقة الرقمية
يعتبر إرسال التعليقات الجنسية، الإيحاءات المهينة، والرسائل المزعجة عبر تطبيقات مثل واتساب وفيسبوك و تليجرام من أكثر الصور شيوعا. وتتطور هذه الصورة إلى ما يعرف بـ “الملاحقة الإلكترونية” (Cyberstalking)، وهي التتبع المستمر لنشاط الضحية، والتعليق المتكرر على منشوراتها، وإرسال طلبات التواصل رغم الرفض الصريح، مما يخلق حالة من الحصار المعنوي للضحية.
التحرش البصري والمحتوى المخل
تتجسد هذه الصورة في إرسال صور أو مقاطع فيديو ذات طابع جنسي صريح، أو رسوم كاريكاتيرية تحمل إيماءات إباحية، أو إظهار لوحات خادشة للحياء أثناء مكالمات الفيديو. ويهدف المتحرش من ذلك إلى إثارة الضحية أو إحراجها أو الضغط عليها للدخول في علاقة غير مشروعة. وفي بعض الأحيان، يتم استخدام تقنيات “التزييف العميق” لتركيب وجوه الضحايا على محتويات إباحية بقصد التشهير أو الابتزاز.
التحرش داخل الألعاب الإلكترونية
تمثل الألعاب الإلكترونية بيئة خصبة لتحرش يستهدف غالبا الأطفال والقصر. ويأخذ هذا النوع شكل إرسال عبارات خادشة في غرف الدردشة أثناء اللعب، أو استدراج الصغار للحصول على معلوماتهم الشخصية أو صورهم تحت غطاء الصداقة والمساعدة في اللعب. إن خطورة هذه الصورة تكمن في العزلة الاجتماعية التي يعيشها اللاعب، مما يجعل فعل التحرش يتم في خفاء تام بعيدا عن رقابة الأسرة.
الفضح، الخداع، وتشويه السمعة
تتضمن هذه الفئة إشراك الشخص في مراسلات فورية و خداعه للكشف عن معلومات حساسة، ثم استخدام هذه المعلومات لفضح أسراره أو نشر إشاعات تضر بسمعته و صداقاته و إندماجه الاجتماعي. كما يشمل ذلك انتحال الشخصية، حيث يقوم الجاني بإنشاء حساب باسم وصورة الضحية للتحدث مع الآخرين بأقوال مسيئة تنسب للضحية زوراً، مما يؤدي إلى تدمير مكانتها الاجتماعية.
التكييف القانوني والعقوبات في التشريع المصري
لقد أولى المشرع المصري اهتماما بالغا بتشديد عقوبات التحرش الإلكتروني لضمان الردع العام والخاص، وقد جرى ذلك عبر مسارين تشريعيين متوازيين.
تعديلات قانون العقوبات (القانون رقم 141 لسنة 2021)
أحدثت هذه التعديلات نقلة نوعية في توصيف الجريمة وتشديد العقوبة. فوفقا للمادة (306 مكرر أ)، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأي وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية.
وتتضاعف العقوبة في حالة العود لتصل إلى الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس سنوات، مع غرامة تصل إلى ثلاثمائة ألف جنيه، إذا تكرر الفعل من خلال الملاحقة والتتبع. أما إذا كان التحرش بقصد الحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية، فإن الجريمة تتحول إلى “تحرش جنسي” بموجب المادة (306 مكرر ب)، وتصبح العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات. وتصل العقوبة إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن سبع سنوات إذا كان للجاني سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه، أو إذا ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر.

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (رقم 175 لسنة 2018)
جاء هذا القانون ليعالج الجوانب التقنية الصرفة للجريمة. فالمادة 25 منه تجرم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمبادئ والقيم الأسرية، وتعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه كل من أرسل رسائل إلكترونية بكثافة لشخص معين دون موافقته، أو نشر معلومات أو صور تنتهك خصوصية الشخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات صحيحة أو خاطئة. وتشدد المادة 26 العقوبة لتصل إلى السجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وغرامة تصل إلى ثلاثمائة ألف جنيه لكل من تعمد استعمال برنامج معلوماتي لربط بيانات شخصية للغير بمحتوى منافى للآداب العامة أو يمس الشرف.
المنظومة العقابية في النظام السعودي
يتميز النظام السعودي بالصرامة و الشمولية في مكافحة التحرش الرقمي من خلال تكامل الأنظمة الجنائية والمعلوماتية.
يعاقب نظام مكافحة جريمة التحرش مرتكب الجريمة بالسجن لمدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتشدد العقوبة إلى السجن لمدة خمس سنوات وغرامة ثلاثمائة ألف ريال في حالات محددة، منها: إذا كان المجني عليه طفلا أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إذا كان للجاني سلطة على الضحية، أو إذا وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة، أو في حال العود.
علاوة على ذلك، يطبق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية عقوبات مغلظة في حالات الابتزاز أو التهديد الإلكتروني، حيث تصل العقوبة إلى السجن لمدة سنة وغرامة خمسمائة ألف ريال وفق المادة الثالثة. وفي حالات إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة (مثل الصور الإباحية)، تصل العقوبة إلى السجن خمس سنوات وغرامة ثلاثة ملايين ريال وفق المادة السادسة. ومن المبادئ الهامة في النظام السعودي أن تنازل المجني عليه لا يسقط حق الجهات المختصة في اتخاذ ما تراه محققا للمصلحة العامة، كما يعاقب كل من قدم بلاغا كيديا بنفس العقوبة المقررة للجريمة.

آليات الاحتفاظ بالأدلة الرقمية: خارطة طريق للضحايا
تعتبر الأدلة الرقمية الركيزة الأساسية التي يبنى عليها الحكم القضائي، ونظرا لطبيعتها الهشة وسهولة إتلافها، يجب على الضحية اتباع بروتوكول توثيق صارم.
أولا، يجب التقاط صور شاشة (Screenshots) فورية لجميع المحادثات، التعليقات. أو المنشورات المسيئة، مع الحرص على أن تظهر الصورة اسم الحساب. رقم الهاتف، وتاريخ ووقت الرسالة بشكل واضح.
ثانياً، ينصح بعدم حذف الرسائل الأصلية من التطبيق. حيث إن الفحص التقني يحتاج للوصول إلى “المياداتا” أو البيانات الوصفية المرتبطة بالرسالة لإثبات مصدرها.
ثالثاً، يجب توثيق رابط (URL) الحساب الشخصي للمتحرش. لأن أسماء الحسابات قابلة للتغيير. بينما يظل الرابط الرقمي أو المعرف الفريد ثابتا ويمكن من خلاله تتبع الجاني.
رابعا، في حال تكرار التحرش، يفضل إنشاء سجل تدوين دقيق (Log) يوضح تسلسل الأحداث. المنصات المستخدمة، وطبيعة كل حادثة (تهديد، إغراء، تشهير).
خامسا، يجب الحفاظ على سرية هذه الأدلة وعدم تداولها مع أشخاص غير مخولين لتجنب إتلافها أو تسريبها بشكل يضر بالقضية. وفي حالات الابتزاز بالصور. يجب حفظ الرسائل التي تحتوي على طلبات المبتز. (أموال، صور إضافية، أفعال غير مشروعة). لأنها تمثل الركن المادي لجريمة الابتزاز.
الجهات المنوطة بتلقي البلاغات وإجراءات تقديم الشكوى
تتعدد القنوات الرسمية التي وفرتها الدولة لضمان سهولة الإبلاغ وسرية التعامل مع قضايا التحرش الإلكتروني.
في مصر، تعتبر “الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات” (مباحث الإنترنت) بوزارة الداخلية هي الجهة الأساسية المختصة. يمكن تقديم البلاغ عبر الخط الساخن (108) المتاح على مدار الساعة. أو عبر التوجه لمقر الإدارة بأكاديمية الشرطة بالعباسية أو فروعها بمديريات الأمن في المحافظات. كما يمكن تقديم شكوى إلكترونية عبر الموقع الرسمي لوزارة الداخلية بعد إنشاء حساب شخصي. وتتيح الوزارة أيضا أرقام واتساب للاستفسار عن الخدمات (201022772277+). ويجب تقديم البلاغ في غضون ثلاثة أشهر من وقوع الجريمة لضمان قبول الدعوى قانونا.
أما في السعودية، فقد تم تبسيط الإجراءات عبر تطبيق “كلنا أمن”. الذي يسمح برفع البلاغ و إرفاق الأدلة الرقمية وتحديد الموقع الجغرافي للجريمة بسرية تامة. كما يمكن الإبلاغ عبر بوابة “أبشر” أو بالاتصال بالرقم (911) أو زيارة أقرب مركز شرطة. وفي حالات الابتزاز والتحرش التي تتطلب تعاملا خاصا. يمكن اللجوء لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر الرقم (1909).
وتتولى النيابة العامة بعد تلقي البلاغ التحقيق مع الأطراف وجمع الأدلة الفنية عبر “وحدة الأدلة الرقمية”. وفي مصر، تنظر المحاكم الاقتصادية في هذه القضايا لكونها المختصة نوعيا بجرائم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. مما يضمن وجود قضاة متخصصين وخبراء تقنيين لفحص الأدلة.

البروتوكول السلوكي للضحية عند تلقي رسائل جنسية صريحة
تعد لحظة تلقي محتوى جنسي غير لائق اختبارا حقيقيا. للثبات الانفعالي والقدرة على التصرف القانوني السليم.
أولا، القاعدة الذهبية هي “التوقف التام عن التفاعل“. إذ يجب عدم الرد على الرسائل. وعدم محاولة تهديد المتحرش أو التوسل إليه. لأن أي تواصل قد يستخدمه الجاني لاستدراج الضحية أو قلب الطاولة عليها قانونيا.
ثانيا، يجب القيام بالتوثيق الفوري (صور الشاشة والروابط). قبل أن يقوم الجاني بحذف الرسائل أو تفعيل ميزة الرسائل المختفية.
ثالثا، ينصح بإجراء “الحظر” (Block) الفوري للحساب. وتغيير إعدادات الخصوصية لمنع الأشخاص غير المعروفين. من إضافتك للمجموعات أو رؤية صورك الشخصية.
رابعا، في حال تضمن المحتوى “إغراءات” أو طلبات لإقامة علاقات. يجب قطع الطريق فورا وإظهار الرفض القاطع كتابيا. (لمرة واحدة فقط للتوثيق) مع التحذير باللجوء للشرطة، ثم التوقف عن الرد نهائيا.
خامسا، لا يجب حذف الحساب الشخصي للضحية كليا بل يمكن إغلاقه مؤقتا. لأن الحذف النهائي قد يؤدي لضياع بعض الأدلة الرقمية المرتبطة بالجلسات (Sessions). التي تمت فيها الجريمة.
سادسا، في حال كان التحرش يتم عبر برامج تجسس أو اختراق. يجب استعارة هاتف آخر لطلب المساعدة وعدم استخدام الجهاز المخترق.
الأبعاد النفسية والاجتماعية ودور مؤسسات الدعم
لا تنتهي الجريمة بصدور الحكم. بل تترك آثارا غائرة في نفسية الضحية تشمل الأرق. فقدان التركيز، الكآبة، الانعزال، والشعور الدائم بالذنب أو العار. وتزداد هذه الآثار حدة لدى المراهقين والشباب الذين قد يصل بهم الأمر للتفكير في الانتحار هربا من التبعات الاجتماعية.
لذلك، يلعب المجلس القومي للمرأة في مصر دورا محوريا من خلال مكتب شكاوى المرأة والخط الساخن (15115). حيث يقدم الدعم النفسي والاجتماعي للناجيات. و يرشدهن إلى كيفية استعادة حقوقهن مع ضمان السرية التامة. كما برزت مبادرات مجتمعية فاعلة مثل مبادرة “قاوم” التي تساعد الضحايا على مواجهة المبتزين والمتحرشين. وتكسر حاجز الخوف لديهن عبر توفير الدعم التقني والقانوني. وتعمل مراكز أخرى مثل “مركز النديم” و”نظرة للدراسات النسوية“. على تقديم برامج تأهيلية للناجيات من العنف الرقمي لضمان تعافيهن و إندماجهن مجددا في المجتمع.
وتؤكد الدراسات أن وجود “طرف ثالث” داعم. سواء كان منظمة مدنية أو خبيرا قانونيا. يساعد بشكل كبير في منع المبتزين من تنفيذ تهديداتهم ويقلل من حدة الصدمة النفسية للضحية. كما يجب على الأهل والمحيط الاجتماعي توفير بيئة آمنة للضحية بعيدا عن اللوم. والتأكيد على أن المسؤولية الكاملة تقع على عاتق المتحرش وحده.

طرق التقاضي ودور الخبرة الفنية في المحاكم
تبدأ رحلة التقاضي بمحضر الشرطة التقني. ثم ينتقل الملف للنيابة العامة التي قد تطلب من “خبراء وزارة العدل” أو “المركز القومي للبحوث الجنائية” إجراء فحص معملي للأجهزة. ويقوم الخبير الفني بمراجعة البصمة الرقمية للرسائل. والتأكد من عدم وجود تلاعب أو تركيب (مونتاج) في الصور. وتحديد “عنوان البروتوكول” (IP Address) الذي صدرت منه الإساءة للوصول إلى هوية الجاني الحقيقية.
وفي المحكمة، تتمتع تقارير الخبراء الفنيين بحجية قوية. حيث يعتمد القاضي عليها في تكوين عقيدته حول وقوع الجريمة ونسبتها للمتهم. وتختص المحاكم الاقتصادية في مصر بنظر هذه القضايا لضمان السرعة والتخصص. ويمكن للمجني عليه المطالبة بالتعويض المدني عن الأضرار النفسية والمادية التي لحقت به جراء التحرش. إن المسار القانوني الصحيح، بدءا من التوثيق الدقيق وصولا إلى المرافعة الاحترافية أمام المحكمة المختصة. هو الضمانة الوحيدة لتحويل “جريمة الفضاء الافتراضي” إلى “عقوبة في أرض الواقع”.
الخاتمة: نحو فضاء رقمي آمن
إن مكافحة جرائم التحرش الإلكتروني تتطلب استراتيجية شاملة تدمج بين الردع القانوني. الوعي التقني، والمساندة النفسية. فالقوانين المشددة في مصر والسعودية تمثل حائط صد قويا. لكن فعاليتها تظل مرتبطة بوعي الأفراد بحقوقهم و شجاعتهم في الإبلاغ. إن التحرش الإلكتروني ليس “ضريبة” لاستخدام التكنولوجيا. بل هو انتهاك صارخ يجب مواجهته بكل حزم. ومن خلال تفعيل إعدادات الخصوصية. والاحتفاظ بالأدلة، واللجوء الفوري للجهات المختصة. يمكننا محاصرة المتحرشين وتطهير الفضاء الرقمي من هذه السلوكيات المشينة. وضمان كرامة وأمن كل مستخدم للشبكة العنكبوتية.
