جائزة البوكر للرواية العربية حين يصبح الأدب جسرًا للعالمية
في عالم يموج بالصراعات والانشغالات السريعة، تظل الرواية بلا شك ملاذًا للإنسان، وأداة لفهم الذات والواقع ، ونافذة على ثقافات الشعوب.
ومن بين الجوائز التي كرّست الرواية كفن مؤثر في المشهد العربي والعالمي، تبرز الجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة اختصارًا بـ”البوكر العربية”، كواحدة من أهم وأرفع الجوائز الأدبية في المنطقة.
أُطلقت جائزة البوكر للرواية العربية عام 2008، بدعم من مؤسسة الجائزة العالمية للرواية وبتمويل من “دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي”. تهدف الجائزة إلى مكافأة التميز في الكتابة الروائية باللغة العربية، وتشجيع الترجمة إلى لغات أخرى. ويُمنح الفائز جائزة مالية قدرها 50 ألف دولار أمريكي، إلى جانب 10 آلاف دولار لكل كاتب في القائمة القصيرة.
في دورتها السابعة عشرة لعام 2025، فازت رواية “صلاة القلق” للكاتب المصري محمد سمير ندا بالجائزة، لتُعيد مصر إلى صدارة المشهد بعد سنوات. وتميّزت الرواية، بحسب لجنة التحكيم، بـ”رؤية إنسانية شديدة العمق”، واستطاعت أن “تحوّل القلق إلى شخصية متكلمة، تلاحق أبطال الرواية كظل لا ينفصل عنهم”.
تقول إحدى شخصيات الرواية: “لم أعد أعرف إن كنت أصلي لله أم أُناجي خوفي من الغد، كل سجدة هي ارتجاف، وكل دعاء هو سؤال بلا جواب.” هذا الاقتباس يختصر بمهارة توتر الإنسان المعاصر بين الإيمان والقلق، بين الأمل والانكسار.
كتب الناقد اللبناني وسام عبد الملك أن “الرواية تقترب من كتابة الاعترافات، لكن دون أن تقع في فخ الذاتية المفرطة. فيها وعي بالهشاشة النفسية لشخصياتنا المعاصرة، وتُعيد تعريف مفاهيم الإيمان والشك، والطمأنينة والقلق.”
تُشكّل جائزة البوكر منصة حقيقية لصناعة الكاتب العربي عالميًا، إذ تترجم الروايات الفائزة، وتُعاد طباعة الأعمال، ويُسلَّط عليها الضوء إعلاميًا ونقديًا. روايات مثل “عزازيل” و*”الطلياني”* و*”سيدات القمر”* جميعها أصبحت جزءًا من المناهج الجامعية ومراكز البحث بعد فوزها.
كما تسهم الجائزة في رفع مستوى القراءة والذوق العام، إذ ينتظر القراء القوائم السنوية لاكتشاف أسماء جديدة، وتتنافس دور النشر على تقديم أعمال متميزة.
رغم ما تحققه من نجاحات، تواجه الجائزة أحيانًا انتقادات تتعلق بمعايير الاختيار أو تكرار أسماء معينة، لكن هذه النقاشات في حقيقتها تُعبّر عن حيوية ثقافية وليست ضعفًا. إذ تبقى الجائزة منبرًا للحوار الأدبي والنقدي الحر.
يبقى التحدي الأكبر أمام الجائزة هو تعزيز الترجمة الفعلية وتوسيع رقعة الانتشار عالميًا، خصوصًا في الأسواق غير الناطقة بالعربية. فالرواية العربية تستحق أن تُقرأ كمرآة لمجتمعات حيّة، فيها تنوّع وتجريب وابتكار.
ليست “البوكر” مجرد جائزة، بل مشروع ثقافي عربي عابر للحدود. وفوز “صلاة القلق” يذكّرنا أن الرواية لا تزال قادرة على لمس العمق الإنساني، وعلى مساءلة العالم، لا من أجل إعطاء أجوبة، بل لطرح الأسئلة الأهم.