56
بر الوالدين
الكاتبة / سلوى عبد الستار الشامي
حث الدين الإسلامي على بر الوالدين ، وأوجب الله على المسلمين بر الوالدين وطاعتهما بأدلة كثيرة من القرآن والسنة النبوية :
قال الله تعالى : ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ” أي براً بهمها وشفقة وعطفاً عليهما : ” إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ” أي لا تقل لهم بتبرم إذا كبرا ، وينبغي أن تتولى خدمتهما ، ثم قال الله تعالى : ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ” ، وقال الله تعالى : ” أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ” .
فانظر إلى رحمة الله كيف قرن شكرهما بشكره ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث ، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها *إحداها* قول الله تعالى : ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ” فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه ، *الثانية* قول الله تعالى : “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ” فمن صلى ولم يزكي لم يقبل منه ، * الثالثة * قول الله تعالى : ” أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ” فمن شكر الله ولم يذكر والديه لم يقبل منه ، ولذا قال النبي صل الله عليه وسلم : ” رضى الله في رضى الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين ” .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل يستأذن النبي صل الله عليه وسلم في الجهاد معه ، فقال النبي صل الله عليه وسلم : ” أحي والداك ؟ قال : نعم , قال : ففيهما فجاهد ” ، مخرج في الصحيحين ، فانظر كيف فضل بر الوالدين على الجهاد ! .
وفي الصحيحين أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : ” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ” فانظر كيف قرن الإساءة إليهما بالإشراك ، وفي الصحيحين أيضاً أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :” لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ” وعنه صل الله عليه وسلم قال : ” لو علم الله شيئاً أدنى من الأف لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة ، وليعمل البار ماشاء أن يعمل فلن يدخل النار ” ، وقال صل الله عليه وسلم : ” لعن الله العاق لوالديه ” ، وقال صل الله عليه وسلم :” لعن الله من سب أباه ، لعن الله من سب أمه ” ، وقال صل الله عليه وسلم : ” كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه ” يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة .
وقال كعب الأحبار رحمه الله : إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه ليعجل له العذاب ، وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً بوالديه ليزيده براً وخيراً
ومن برهمها أن ينفق عليهما إذا احتاجا ، فقد جاء رجل إلى النبي صل الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أبي يريد أن يحتاج مالي فقال صل الله عليه وسلم : ” أنت ومالك لأبيك ” ، وسئل كعب الأحبار عن عقوق الوالدين ماهو ؟ قال : إذا أقسم عليه أبوه أو أمه لم يبر قسمهما ، وإذا أمراه بأمر لم يطع أمرهما ، وإذا سألاه شيئاً لم يعطهما ، وإذا ائتمناه خانهما .
وفي الصحيحين ” أن رجلا جاء إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة ؟ قال : أمك .قال : ثم من ؟ قال : أمك .قال ثم من ؟ قال : أمك .قال ثم من ؟ قال : أبوك ، ثم الأقرب فالأقرب ” فحض على بر الأم ثلاث مرات ، وعلى بر الأب مرة واحدة ، وما ذاك إلا لأن عناها أكثر ، مع ما تقاسيه من حمل وطلق وولادة ورضاعة وسهر ليل .
رأى ابن عمر رضي الله عنهما ، رجلا قد حمل أمه على رقبته وهو يطوف بها حول الكعبة ، فقال : يا ابن عمر أتراني جازيتها ؟ قال : ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ولكن قد أحسنت ، والله يثيبك على القليل كثيراً.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم ” أربعة نفر حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن خمر ، وآكل الربا ، وآكل مال اليتيم ظلماً ، والعاق والديه ، إلا أن يتوبوا ” وقال : ” الجنة تحت أقدام الأمهات ” .
وجاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال : يا أبا الدرداء إني تزوجت امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها ، فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : ” الوالد أوسط أبواب الجنة ، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه ” وقال صل الله عليه وسلم :” ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده ” .
وجاء عن الرسول صل الله عليه وسلم قال : ” رأيت ليلة أسرى بي اقواماً في النار معلقين في جذوع من نار ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : الذين يشتمون آبائهم وأمهاتهم في الدنيا ” .
حكي أنه كان في زمن النبي صل الله عليه وسلم ، شاب يسمى علقمة وكان كثير الإجتهاد في طاعة الله ، في الصلاة والصيام والصدقة ، فمرض واشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الله صل الله عليه وسلم أن زوجي علقمة في النزع ، فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله فأرسل النبي صل الله عليه وسلم ، عماراً وصهيباً وبلالا ، وقال : امضوا إليه ولقنوه الشهادة فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع ، فجعلوا يلقنونه * لا إله إلا الله * ولسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة فقال النبي صل الله عليه وسلم : هل من أبويه أحد حي ؟ قيل : يا رسول الله أم كبيرة السن فأرسل إليها رسول الله صل الله عليه وسلم ، وقال للرسول : قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وإلا فقري في المنزل حتى يأتيك ، قال : فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صل الله عليه وسلم فقالت : نفسي لنفسي فداء ، أنا أحق بإتيانه ، فتوكأت وقامت على عصا ، وأتت رسول الله صل الله عليه وسلم ، فسلمت فرد عليها السلام وقال لها : يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتي جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت : يا رسول الله كان كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم فما حالك ؟ قالت : يا رسول الله أنا عليه ساخطة قال : ولم ؟ قالت : يا رسول الله كان يؤثر زوجته علي ويعصيني ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ، ثم قال يا بلال انطلق واجمع لي حطباً كثيراً قالت : يارسول الله وما تصنع ؟ قال : أحرقه بالنار بين يديك قالت : يا رسول الله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي ، قال : يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى ، فإن سرك أن يغفر الله له فارضي عنه فو الذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة ، فقالت يا رسول الله إني أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول : لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت فيما ليس في قلبها حياء مني ، فانطلق فسمع علقمة من داخل الدار يقول * لا إله إلا الله * فدخل بلال فقال : يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة ، وإن رضاها أطلق لسانه ، ثم مات علقمة من يومه ، فحضره رسول الله صل الله عليه وسلم فأمر بغسله وكفنه ثم صلى عليه وحضر دفنه ، ثم قام على شفير قبره وقال : يا معشر المهاجرين والأنصار من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا تقبل الله منه صرفاً ولا عدلا إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليها ويطلب رضاها ، فرضى الله في رضاها ، وسخط الله في سخطها.
عندما تبر والديك سيصنع لك الزمن كتاباً يقرأه أولادك وسيفعلون ما في الكتاب معك، فمن القصص الجميلة أن إبن بينما كان أب وابنه يسيران في الطريق وإذا بالأب يشعر بالتعب فقام ابنه بحمله على ظهره فبكى الأب ، فقال له ابنه ما الذي يبكيك يا أبى ؟ قال : منذ كنت فى عمرك وبينما كنت أنا وأبى نسير فى الطريق فتعب والدى فحملته على ظهرى ، فتعجب الإبن من بر أبيه لوالده وقال بروا أبائكم تبروكم أبنائكم .