بقلم/ نولا رأفت
الوفاء ليس كلمة تُقال في لحظة تأثر، ولا موقفًا عابرًا نتصرف به تحت ضغط العاطفة، فهو جوهر الروح، امتحان الإنسانية الحقيقي، والعهد غير المكتوب بين القلب والضمير، إنه تلك القدرة النادرة على البقاء مخلصًا لما أحببته، لما آمنت به، ولمن منحك جزءًا من نفسه، حتى وإن تغيرت الظروف وتبدلت الأيام.
في عالمٍ يتبدّل بسرعة، أصبح الوفاء فضيلة مهددة بالانقراض.
صرنا نرى وجوهًا تتبدل حسب المصلحة، وقلوبًا تنسى ما كان بالأمس لمجرد اختلافٍ بسيط اليوم، لكن ما زال هناك من يؤمن أن الإنسان لا يُقاس بما يملك، بل بما يبقي عليه حين يملك القدرة على الرحيل.
الوفاء لا يحتاج جمهورًا
الوفي لا يبحث عن التصفيق، ولا يعلن إخلاصه في العلن، لأنه لا يرى في الوفاء فضلًا يستحق المديح، بل واجبًا نابعًا من ضميره.
هو من يذكرك في غيابك، ويدافع عنك حين لا تكون حاضرًا لتدافع عن نفسك، وهو الذي يبقى وفيًّا حتى حين يخذلك الآخرون، لأن إخلاصه لا يتوقف على رد الفعل، بل على مبدأ ثابت يسكن داخله فالوفاء لا يباع ولا يشتري.
لا يمكن شراء الوفاء بالهدايا، ولا اكتسابه بالمجاملات. إنه لا يُمنح إلا لمن يستحقه بصدق، فالقلوب الوفية لا تحتاج سببًا لتحب، ولا مصلحة لتبقى، هي ترتبط بالناس بالمواقف، بالصدق، وباللحظات التي لا تُنسى.
قد تُؤذى تلك القلوب كثيرًا، لكنها تظل تُحب بطريقتها النقية، لأن الوفاء بالنسبة لها ليس سلوكًا مكتسبًا، بل طبيعة لا يمكن تبديلها.
الوفاء في الصداقة
الصداقة الحقيقية تُختبر في الغياب، لا في الحضور.
أن تكون وفيًّا لصديقك يعني أن تذكره بخير حين يغيب، وأن تدعو له دون أن يطلب، وأن تبقى كما كنت حتى لو فرّقت بينكما المسافات والسنوات.
الصداقات التي تنجو من تغيّر الزمن لا تبقى صدفة، بل لأنها قائمة على وفاءٍ حقيقي لا يتأثر بالظروف ولا بالمصالح فالوفاء يظهر في الحب مهما كانت صعوبة التفاصيل.
الحب بلا وفاء وهمٌ عابر
الوفي في الحب لا يُغيّبه الغياب، ولا يُطفئه البعد، ولا تضعفه التجارب الجديدة.
هو من يظل يحتفظ بصورة من أحبّ في مكانٍ آمن داخل قلبه، حتى لو انتهت القصة.
لأن الوفاء في الحب ليس تمسكًا بالماضي، بل احترامٌ لما كان، وتقديرٌ لمن منحنا شعورًا صادقًا ولو للحظة.
الوفاء للماضي وللأحلام
الوفاء لا يكون للأشخاص فقط، بل أيضًا للأماكن، وللذكريات، وللأحلام القديمة التي منحتنا يومًا دافعًا للعيش.
أن تكون وفيًّا لحلمك يعني ألا تتنكر لطموحك القديم حين تتغير الظروف.
أن تزور مكانًا أحببته رغم تغير ملامحه، وتبتسم لأنك كنت هناك يومًا، هذا أيضًا نوع من الوفاء.
الإنسان الوفي لا يقطع خيوطه مع ما شكّله، بل يحتفظ بها كجزءٍ من حقيقته فالوفاء حقآ أصبح عملة نادرة الوجود، في زمنٍ يتبدل فيه كل شيء بسرعة، يظل الوفاء قيمة صلبة لا تتأثر برياح المصالح، وقد يراك البعض ساذجًا لأنك لا تنسى الجميل، أو لأنك ترد المعروف ولو بعد سنين، لكنك في الحقيقة تمارس أرقى أشكال الإنسانية.
أن تكون وفيًّا يعني أن تختار النقاء في عالمٍ يُكافئ التغيّر، وأن تظل ثابتًا في زمنٍ يمدح من يتقن المراوغة.
النهاية
الوفاء لا يُدرّس في المدارس، ولا يُورّث في العائلات، بل يُكتسب من صدق التجربة وصفاء القلب، هو ما يجعلنا بشرًا بحق، وما يمنح العلاقات معناها العميق.
الوفيّ لا ينسى، لا يغدر، لا يتغيّر، لأن داخله وعدًا صامتًا لا ينكسر مهما تغيّر العالم.
الوفاء ليس ضعفًا كما يظن البعض، بل هو القوة التي تجعلنا نختار الصدق في زمنٍ امتلأ بالأقنعة.
فلتبقَ وفيًّا، حتى إن قلّ من يستحق، لأن الوفاء لا يُمارَس من أجل الآخرين فقط… بل من أجل أن تظل أنت كما أنت نقيًّا وسط كل هذا الزيف فان لم تكن قادرا على الوفاء فلا تنطق بكلمه وعد فالوفاء كالشخص يبقى معك في كل الظروف وليس على حسب الظروف وسلاما لقلوب لم تعرف في حياتها سوى الوفاء طريقا للتعامل بين الناس.