المواقف والحياة والصدمات وعلاقتها بالأمراض النفسية

المواقف والحياة والصدمات وعلاقتها بالأمراض النفسية

بقلم/ جمال القاضي

( بين الطفولة والشباب نعيش لحظات )

الحياة اشبه بأمواج البحار، مرة ترفعنا فنفرح ونظن اننا قد لامسنا
النجوم بأيدينا، ومرة تخفضنا فنظن اننا سنغرق ولاننجو، وبين كل موجة وموجة نتعلم الدرس، فنخسر مرة ونربح في غيرها، لكن هناك من تصدمه هذه الأمواج فتضرب رأسه فيقع مغشيًا عليه ليكون مع الضربة احتمال نهايته
هذه الحياة ومافيها من مواقف تلك هي الامواج التي تأتينا لتعلمنا كيف ننجو منها او لتكسرنا فلانستطيع الوقوف او تجعلنا في عجز دائم لانستقيم بعده
لكن من أين تإتي صدمات الحياه ؟
لاشك اننا جميعا نمر او قد مررنا بمراحل الحياة، من طفل رضيع كان يستقي حنان امه مع الرضاعة، الى طفل يلعب مع أصدقائه
او يتلقى دروسه في طفولته المتأخرة الى مرحلة الشباب التي تجبره على التعامل مع غيره تعاملًا حقيقيًا، الى مرحلة الشيخوخة التي وهن فيه جسده ولم يعد لديه قوة لكنه مزال يمتلك الأقوى في نظره الأ وهو الخبرة وخلاصتها
هنا ومع الطفولة، يلهو هذا الطفل بعقله السازج وبأفعاله العشوائية
التي يعاقب فيها فقط على همجيته وتكسيره لبعض الأشياء، او يعفى من هذا العقاب لحنان والديه عليه، او لتبرير كان منهما على انه لم يكتمل عقله ليميز به بين ماهو ثواب أو ماهو خطأ، فكانت أفعاله كلها مجرد ترجمات لما تمليه عليه غرائزه، يتمتع بالبراءة التي لم تلوث دواخله، ليبدو وجهه وهو يشبه هذه البراءة لنراه على نضارة تمنينا ان نكون عليها جميعا
ينتقل الشخص لمرحلة الشباب، تلك هي المرحلة الخطيرة التي تشكل شخصية كل انسان فينا، جاء وقد عبر خلالها بمجموعة من المفاهيم البسيطة عن الحياة. يرى من مفهوم الأمس القريب أن كل شيء سهل وبسيط وليس فيه شيئًا من التعقيد، يأمر فيطاع، يرغب فتلبى كل رغباته، ينام ويفيق دون مضايقة لمن حوله سوى ذهباه لمدرسته، قلب ينبض بالطيب ويتعطر بالصفاء والنقاء مايشبه صفاء الكون وسماءه في نهار ربيعي دافئ، فيظن ان هذا العالم يشبهه فيما يملك من براءة لكن هيهات وعجبا لقد تغير الأمر
نعم قد تغير الإمر
هنا شخصية جاء ببذرتها، يتمنى لها ان تنبت وسط هذه الأجواء، جاء بها حاملًا لها من طفولته، أراد لها الإنبات وينتظرها تنمو لتثمر ويرى ثمرها كل من حوله لتلفت بمظهرها الجذاب انتظارهم وتبقيهم جواره لحلو مذاقها
هاهو اول موقف وقف ليرى فيه سوء معاملة من احد زملاءه بالجامعة، هاهو موقف غيره أتى فيه استاذه لينهره أمام كل هذا الجمع من الزميلات والزملاء، هاهو موقف غيره حين قام محصل التذاكر بالكذب عليه عندما طالبه بباقي النقود التي أخذها منه لقطع هذه التذكرة ليكذبه هذا المحصل قائلا لم تعطني سوى ثمن التذكرة فقط ويقف هو متعجبًا لما يرى ويحدث له
هنا المنزل ايضا عندما قام بنفس الفعل الذي كان يفعله في طفولته ولم يعي ان جسده قد تخطى هذا المرحلة ليعبر الى غيرها، وهذا والده جاء ليعاقبه على فعله الذي كان يمر دون عقاب بالأمس، وهذه امه قد ظهر أمامها عاريا وطالبها ان تغسل جسده اليوم كما كانت تفعل بالأمس، لكن العقاب على طلبه كان قاسيه من والديه
هذه الأمور وغيرها هي مجرد تطورات سريعة لم يكن الشخص مستعدا لها ابدا، فهنا جاء ببراءة ظن انها ستقبل كما كانت تقبل بالأمس، لكن الأمر صار مختلفًا، صار لايتناسب مع تطور جسده، ليقف متعجبًا على هذا العقاب فتصدمه هذه المواقف
لكن هذه المواقف هي مجرد دروس يحاول الشخص مع تكرارها ان يصل لنتيجة ترضى هذا الطفل البريء الذي ظل معه وبداخله، وهذا الذي يعلمه الآن، فيرى نفسه معانقًا السماء لامسًا انجمها حين تتوافق المواقف وترضي نوعي الشخصيات التي بداخله، او انها تجعله يعاني أسفل موج الحياة حين يظل مصرُا على أرضاء طفولته الداخلية دون التوفيق بين محتويات شخصياته في كل مرة، فتبقى صدمات المواقف اشبه بحجارة تلقى عليه من كل جانب، يرتطم بها قلبه وعقله في كل مرة يقابله فيها موقف من مواقف الحياة ويظل بسلبية دون ان يبدو عليه استجابة تنقل هذه الشخصية وتصعد بها على سلم التطور الطبيعي الذي يجب ان تكون عليه
واخيرا
ان عدم قبول الشخص للتغير الذي يحدث له أثناء مروره بمرحلة من المراحل العمرية التي يمر بها ويظل متمسكًا دائمًا بمرحلة واحدة وهي مرحلة الطفولة والتي يرى فيها ان هذه الحياه وكل مافيها يشبه تمامًا هذه البراءة التي يتمنى ان تبقى لديه، فإن ذلك سوف يسبب له الكثير من الصدمات الحياتية التي تجعله يعاني دائمًا من الأمراض والمشاكل النفسية، لذا يجب علينا لكي نعيش بعيدًا عن هذه الأمراض ان نتعلم من كل موقف من المواقف اليومية درسا يضيف لشخصيتنا وضوحًا وملامحًا يفهمها كل من يتعامل معنا
ولاننس مع كل هذا هذا الطفل الذي يعيش بداخلنا ولنجعل له حظا ونصيبا من السعادة والفرح وان كان هناك خوفًا من اتهام غيرنا لنا بالجنون حين يرانا بوضع نتهم فيه بأننا مازلنا في طفولتنا، فلنتوارى حينها ونرضي هذه الطفولة لأنها الوقود الذي يدفعنا دائما لكي يستمر الجانب الآخر من الشخصية الظاهرية بعيدا عن تعقيد يقتل كل من الظاهر والخفي، فهذه الحياة سهلة لمن يراها هكذا، معقدة لمن عقد اسلوب تعامله .

Related posts

الحب ليس له موعد أومرحلة عمرية .. إستمتع بسنوات عمرك في كل وقت

اللعبة السياسية: قوات عربية في غزة هل هي ورقة ترامب الرابحة؟

الحديث يزول ولكن يبقى أثره عالقا في العقل الباطن