المفارقة الكبرى : صنع الغرب للمشروع النووي الإيراني .. أمريكا و المزرعة البلهوية
المفارقة الكبرى في الحرب الحالية بين إيران والكيان الإسرائيلي بالفعل في البرنامج النووي الخاص بإيران أن الغرب هو من أشرف وأنشا مشروع النووي الإيراني.
كتب / مصطفى نصار
بل الغرب رعاه في عهد المملكة الإيرانية تحت حكم الشاه رضا بهلوي الحداثي المولع بنمط الثقافة الغربية ، مع اقتياسه المكرر من كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة في كافة تفاصيلها و تراكيبها الحياتية و الاقتصادية مرورًا بالسياسة الخارجية بالكامل حتى صارت الدولة الثانية التي تعترف بإسرائيل عقب تركيا في عام ١٩٦٠، أي أن طمأنة الغرب و على رأسهم أمريكا الذي مول المشروع النووي حتى مجيء الثورة الإسلامية عام ١٩٧٢م .
البداية المختفية ….أمريكا و المزرعة البلهوية في إيران.
بشكل مكثف ، تمسكت الدولة اللقيطة بحجة خطورة السلاح النووي مع إيران عن طريق إمكانية تحديث و تطوير تخصيب اليورنيوام لدرجة ٩٠%ما يشكل تهديدًا”خطيرًا”كما قال نتنياهو ، فأفشل المفاوضات الأمريكية الإيرانية في ضربة خداع استراتيجية مسبقة تهدف في الأصل لإسقاط النظام ، و لكن المضحك الساخر في الأمر أن أمريكا و “إسرائيل “من جلبت البرنامج النووي لإيران في المقام الأول أثناء حكم الشاه و تحويل إيران لمزرعة غريبة ، فقد فقده في لحظة نشوة زائفة و جنون عظمى لم يكلفه فقط إيران بل تغير المنطقة بأكملها.
ففي عام ١٩٥٢ ، قاد الشاه محمد رضا بهلوي انقلابًا عسكريًا على حكومة محمد مصدق التي اتجهت لتأميم النفط الذي كان يصدر للغرب و إسرائيل بتكلفة رخيصة ليباع في الخارج بأسعار فلكية ، فقدم رضا بهلوي التنازلات المجحفة ، حتى وصلت لدرجة إفقار الشعب و التركيز على سياسات الانفتاح الثقافي و الاقتصادي وصولًا للاستخباراتي الذي سمح فيه بتمرين الشاباك الإسرائيلي للسافاك الإيراني على مختلف المجالات و الجوانب التقنية الكبيرة و الواسعة ، فنال ثقة الغرب ليطلب منهم برنامجًا نوويًا للأغراض السلمية مثل الزراعة و علاج السرطانات و الاقتصاد و الري ما حفز الولايات المتحدة لتمويله في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي .
لغاية علمه بغدرهم و مكرهم، تخلى الشاه رضا بهلوي عن إسرائيل مخافة سرقة المعلومات الحساسة أو كيانات الاستخبارات المسؤولين عنه في المقام الأول نظرًا لانعدام ثقته الأساسية ، فاعتمد بشكل كلي على الغرب في إتمام المشروع النووي القوي في الأغراض السلمية فقط ، ما سرع تمويلها السخي لها ، و مهدت الطريق لبلده لتكون تابع ذليل للغرب ، فكان قد قضى على أي وجود لفكرة الثورة كذلك من اعتقال ممنهج و فصل تعسفي للمعارضين وصولًا للنفي لبلدان الله في خارج إيران مثلما حدث مع آية الله الخميني حينما نفاه للعراق حتى باريس حيث قضى هناك قرابة ٣ شهور قبيل عودته لإيران .
و بطريقة وقحة لا تعبر إلا عن غطرسة و فجاجة الانقلاب على الغرب ، أكد بهلوي بصورة مؤكدة أن المملكة الإيرانية مستعدة لامتلاك “أسلحة نووية “أقوى من الغرب نفسه ، فتخلت عنه إدارة جون كيندي لخروجه و تمرده بل أن الصحفي الأمريكي جوناثان كيمرنغ ذكر أن هذا كان إعلانًا “واضحًا لتخلي أمريكا عن الشاه “في كل رجال الشاه لينتهي باستنتاج أن من ترك إيران بعد الثورة في امتلاك النووي هي الولايات المتحدة و الكيان الإسرائيلي نفسه في مرحلة الجذور و التمويل حتى اقتلعت الثورة الإسلامية الشاه و مملكته بالكامل عقب رفع اليد عنه ، و بالتالي تدخل البلاد مرحلة مختلفة .
مرحلة الردع الضروري …إيران من نجاح الثورة للعتبة النووية .
بعد عام ١٩٧٤ ، تخيلت أمريكا و الغرب كما أسلف بالذكر عن المملكة المتهلكة و الشائخة بشكل ضخم و متسارع لدرجة أنها تفككت بنفس الوتيرة التي سمحت بقيام الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ ، بعد حوالي ١٢٠ عام من حكم الشاه محمد و رضا ، و ابنه محمد رضا بهلوي بإهانة منقطعة النظير و فقر اكتوى بها أكثر من نصف الإيرانيين ؛فأطاحت به الثورة الإيرانية بنارية سريعة و خاطفة ؛لدرجة جعلت أستاذ التاريخ الحديث و المعاصر تشارلز كورزمان يؤكد في كتابه “الثورة غير المعتقد فيها أن إيران خرجت “بحسم ثوري “من المجتمع الدولي بشكل غير متوقع و مخطط له من الأساس .
بعدها بعام واحد ، اشتعلت الحرب الإيرانية العراقية ، و تحديدًا عام ١٩٨٠ ، لتستمر ٨ أعوام ، مع درس حيوي و هام تفعله إيران من تلك المطحنة الضروس و الطاحونة الحربية ؛متمثلًا في بناء حائط ردع منيع للحفاظ على قوتها بمختلف مستوياتها من أول السياسي ، و انتهاءً بالديني و العقدي ، لتتجه بعدها نحو إعادة النظر في البرنامج النووي للأغراض السليمة ؛مع تدخل حتمي لروسيا و باكستان لمساعدتهما القوية على مدار قرابة عقد و نصف حتى امتلكت المفاعلات التي قصفها ترمب يوم الاثنين صباحًا ٢٢يونيو .
و جمعت روسيا ، و باكستان لذلك مصالح متبادلة مشتركة سواء على مستوي التدخل و التسلل الناعم في الشرق الأوسط أو التوافق الفكري في قضايا بعينها ، و على رأسها القضية الفلسطينية في دعمها ، فجعلها عبد القدير خان شرطًا أساسيًا للموافقة على تعليمها كيفية التخصيب النووي ، و صناعة أجهزة الطرد المركزي بينما تولت روسيا ترميم مؤسسة بوشهر النووية التي تدهورت عقب الحرب العراقية الإيرانية في ١٩٨٨ ؛لحين الوصول لبدايات الألفينيات ،لتعلن إيران عقب ذلك وفقًا للكاتب الإيراني ولي نصر إعلان “الوصول المنتظر “لاكتمال تخصيب ٣،٧%من اليونيرام في أبريل ٢٠٠١ م ليدخل العالم بعد خمس أشهر في الشيطنة الأشهر للإسلام عقب ١١ سبتمبر.
لتكتمل اللوحة الأشهر بمختلف أجزائها من تمزيق العالم و تفتيته القاسي ، و على وجه خاص في العالم العربي في عدة نقاط منها الدخول الرسمي في الإقليم لعدة غايات ذاتية إما لإعادة بناء أو ترميم أو إسقاط العديد من الأنظمة العربية آنذاك مثل نظام صدام حسين لإنه شكل عقبة أمام طموحهم ، لكنه أيضًا دفع إيران للتشيع المتطرف مع نزوعها المتصاعد للسيطرة على العراق ، و بناء تحالفات إقليمية موازية مع المحافظة على أساسين الاستمرار في المشروع النووي الإيراني و دعم القضية الفلسطينية عبر التمويل و تسليح الفصائل المختلفة ، و دخولها لمرحلة معقدة أكثر و متشابكة بنهاية غزو العراق.
و بهذه السياسة المستترة و المستمرة ، تمكنت إيران من بناء الأساس الصلب و الضروري للنووي الإيراني فضلًا عن تمتعها بروح المقاومة الصلبة و الصمود الشامل الذي مكنها من صناعة كل شيء محليًا لإكمال الحياة بصورة طبيعية لحين وصولها للعتبة النووية حتى جاء باراك أوباما ليخوض مفاوضات مطولة معها في مناسبات و دول عدة على رأسها قطر في لوسيل و فرنسا في لويزان بلقاء جواد ظريف لمجموعة الخمسة +١ قبيل مجيء ترامب في الفترة الأولى، و الثانية بإجراءات تعسفية و سياسات مختلة و خارجة عن المألوف مكنتها من اتخاذ منحى مختلف تمامًا عن السير السابق.
ترمب :من إلغاء المفاوضات للحرب مع إيران بعقلية الرجل المجنون المنغلقة .
بشكل أكثر حدية ، اتجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو العداء المتصاعد مع إيران منذ توليه فترته الأولى بذريعة دعمها و تمويلها للإرهاب ، فقام باغتيال قاسم سليماني المجرم قائد فيلق القدس ، مع إلغاء المفاوضات الجارية بخصوص البرنامج النووي الإيراني بتوصية خاصة من نتنياهو ، و أغلقت جميع الأبواب الموصلة لإكمال المفاوضات بشكل يفتح الباب لاستكمال البرنامج السلمي ، و إنهاء سنوات الصبر و الصمود الاستراتيجي التي طالما كانت متعبة للغاية من المماطلة و التسويف المستمر منذ خمس أعوام لتنفيذ مطالب غربية و رغباتهم .
و بعدها ، عزز ترامب تلك الرؤى حينما ضغط عليه نتنياهو للمناورة معهم عبر عدة مراحل أهمها شيطنة إيران و تشويها المقصود ، و تسريب العملاء و الجواسيس الخونة في إيران لخلخلة المشروع النووي و تفريغ إيران من الكفاءات العلمية و العملية بالتركيز على العلماء النوويين و القيادات العسكرية المشتغلة بها حتى تنحدر و تسقط للأبد ؛فما واجههم في حقيقة الأمر تأخير المتممات النهائية فيما يتعلق بالسياسات القانونية النووية الخاصة بالتوثيق الغربي ، فسمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بفحص و إجراء شامل للمفاعلات النووية في الخارج و الداخل قرابة ٥ مرات بغرض طمأنة الولايات المتحدة بشكل دائم .
فاستمرارًا على تلك السياسة السائلة ، اتجه ترامب في ولايته الثانية نحو سياسة تفاوضية أكثر مرونة لا لإتمام مفاوضات أوباما أو إيجاد صياغة متوازنة فقط لكن في حقيقة الأمر أنه أراد فقط كسب الوقت لضربه إما مباشرة أو عن طريق إسرائيل بالقصف القوي ، بل الخطأ الفادح هنا يكمن في أن ترامب قفز بإيران من نقطة التوافق الودي حتى و لو على مستوى المفاوضات و العلاقات لمرحلة قطع التوافق كما أكد المحلل هومان مجد خاصة بعد إشعال حرب شعواء ضد إيران ، و هي بالمناسبة داعم أذرع أربعة في المنطقة لم تستطع الولايات المتحدة الاقتراب من هزيمتهم للأبد أو إحداث أضرار كبيرة بهم .
و بهذه الاستراتيجية قد كتب بذلك فصلًا جديدًا من الحرب الإقليمية سواء في العسكرية أو النفسية سواء في فتح باب الحروب المباشرة ، تجسم بصورة مباشرة مستوى جديد المعطيات ، أي بعبارة أخرى الحرب تشكلت بمرحلة مستحدثة و ممتدة ، و هذا ما جعل الباحث و أستاذ العلوم السياسية ريتشارد هس في مقالين موسعين يتناول بالشرح و التحليل المختصرة أن ترامب فتح الباب “لعصر الاضطراب ” ، فالاضطراب المصطنع من ترامب نتيجة مباشرة لفكره العشوائي و تركيزه الأحادي و المحصور في الصفقات المليونة و المشبوهة مثل دول الخليج مع تكثيف التركيز الإعلامي عليه كمنتصر و رابح فوري و سريع .
بخلاف ذلك ، ترمب صدم من هول الصدمة الحادثة من فشله الحتمي إثر عدم وصول الضربات الصاروخية لهدفها المرجو ، ألا و هو تدمير المفاعلات النووية التي تقع على أعماق بعيدة في أماكن شديدة التحصين ما يعني عدم وصول القنابل هو الاحتمال الوحيد القائم بذاته عن طريق قنابل طويلة الأمر التي صنعت منذ عام ٢٠٠٩ أي بعبارة أخرى الاستهانة الأمريكية بلغت حدها الأقصى معه ، ما يعد جزءًا أساسيًا من عقلية ترامب القائمة على الصفقات و الربح التجاري و كذلك الخروج عن المألوف ، فالنووي قصته لم تنته معه بل الأحرى أنها مجرد بداية لفصل جديد .