المزاج العام بين السيطره الرقمية وحرية الوعي .. الشارع الافتراضي ساحه جديده للصراع 

 

بقلم: إيمان سامي عباس

لم يعد المزاج العام يتشكل في الميادين والمقاهي والصحف كما كان في الماضي، بل أصبح اليوم يُصنع داخل غرف مغلقة تديرها شركات التكنولوجيا العملاقة أو حكومات تبحث عن السيطرة على العقول. نحن أمام معركة غير مرئية، حيث يتحول الرأي العام إلى منتج رقمي يُعاد تشكيله وفق أهداف سياسية واقتصادية.
تجربة نيبال تفضح خطورة هذا الواقع؛ ،فقد شهدت البلاد تحولات سياسية كبرى لم تُصنع فقط عبر الانتخابات أو التظاهرات، بل من خلال حملات رقمية ضخمة وأخبار زائفة أثّرت على وعي الناس وخياراتهم. هنا لم يعد “الشارع التقليدي” هو الميدان الحاسم، بل حلّ مكانه “الشارع الافتراضي” الذي يملك من يسيطر عليه القدرة على توجيه العقول.

السوشيال ميديا.. سلاح بديل للجيوش

في إسرائيل، يُدرك نتنياهو خطورة هذا السلاح، لذلك سعى مؤخرًا لعقد جلسات مع مؤثرين أمريكيين، موضحًا أن المعركة تُدار على السوشيال ميديا بقدر ما تُدار في الميدان. ولم يقف عند حدود الكلام، بل وقّع عقودًا مع شركات مثل جوجل ويوتيوب لإطلاق حملات دعائية تهدف لتغيير الصورة الذهنية لدى الغرب عن حرب غزة. هكذا نرى كيف تحولت المنصات الرقمية إلى جبهة بديلة، حيث يُستبدل الرصاص بالصور، والجيوش بالهاشتاجات، والدبابات بالمقاطع القصيرة.

بين حرية الاختيار والوهم الكبير

الخطر الأعظم أن هذه الحملات تتسلل بصمت إلى حياتنا اليومية. في مصر وغيرها، لم يعد المزاج العام انعكاسًا طبيعيًا لتفاعل الناس مع دولتهم، بل صار رهينة لخوارزميات بارعة تعرف متى تُثير الغضب ومتى تُغرق المجتمع في موجات من السخرية أو الشك. والمفارقة أن الضحايا لا يشعرون أنهم ضحايا؛ المواطن يتصور أنه يختار بحرية بينما تُقاد اختياراته من خلف الكواليس.

إنها حرب على العقول بوسائل ناعمة لا تُرى، حرب قد تحدد مصير الشعوب أكثر مما تفعل المدافع. والسؤال الجوهري: هل نستطيع أن نطور أدوات مضادة لحماية وعينا الجمعي؟ أم سنظل أسرى الوهم بأننا نملك حرية القرار بينما تُصاغ اختياراتنا في أماكن بعيدة؟

كاتبه المقال. إيمان سامي عباس

Related posts

7 عمالقة لصناعة السيارات يحصلون على تراخيص “إنترنت الأشياء”

انطلاق صندوق دعم مشروعات الجمعيات الأهلية.. وافاق جديدة لـ “مصر الرقمية”

هجوم إلكتروني على “جاكوار لاند روفر” يهدد القاعدة الهندسية في بريطانيا