بقلم / نولا رأفت
الكبرياء صفة عظيمة حين تكون نابعة من احترام الذات، لكنها تتحول إلى سمّ حين تتحول إلى غرورٍ وعزة كاذبة.
الناس كثيرًا ما يخلطون بين الوقار والتعالي،
وبين كرامة الروح وكبرياء الزيف، لكن الحقيقة أن الفارق بينهما واسع، كما الفارق بين القلب الناضج والقلب المليء بالخوف المقنّع بالقوة.
الكبرياء الصحيح لا يبعد الناس، بل يجعلهم يحترمونك. أما العزة الكاذبة، فتبعد الناس وتجعلك وحيدًا… دون أن تفهم السبب.
الكبرياء الصحيح… هو أن تعرف قيمتك دون مبالغة
الإنسان الذي يمتلك كبرياء حقيقيًا، يعرف جيدًا من هو، ويفهم حدوده، ويحترم ذاته دون الحاجة لإثباتها بشكل مستمر. لا يرفع صوته ليُظهر قوته، ولا يتعمد الإيذاء ليُثبت أنه لا يُجرح،
ولا يعيش حياته مدافعًا عن صورته أمام الآخرين.
الكبرياء الصحيح هدوء، هو أن تبتعد حين لا يُقدّر وجودك، وأن تختار الصمت حين يكون الكلام هدرًا لطاقتك، وأن ترفض الإهانة دون أن تنزل إلى مستوى المسيء.
العزة الكاذبة… قناع من الخارج وهشاشة من الداخل
العزة الكاذبة ليست قوة، بل خوف يرتدي قناع القوة، هي محاولة لإخفاء الضعف عبر التعالي، وإخفاء الوجع عبر التجاهل، وإخفاء الحاجة عبر التظاهر بالاكتفاء.
صاحب العزة الكاذبة لا يعترف بخطئه، لأنه يظأن الاعتراف ضعف. ولا يعتذر، لأنه يرى في الاعتذار انكسارًا. ولا يعترف بحاجته أو حزنه،
لأنه يخشى أن يرى الآخرون هشاشة لا يستطيع التعامل معها.
العزة الكاذبة هي وهمٌ يخلق مسافة بينك وبين العالم، لكنه في الحقيقة يُبعدك عن نفسك أولًا، الكبرياء الصحيح يحمي العلاقات… والعزة الكاذبة تُفسدها.
من يملك كبرياءً حقيقيًا، يعرف كيف يحافظ على من يحب، لا يسمح لكرامته أن تُداس،
لكن لا يسمح لكبريائه أن يدمّر علاقة تستحق البقاء،يعرف كيف يوازن بين المشاعر والحدود،
فيتراجع أحيانًا ليُصلح، ويسامح حين يكون في الصفح قوة.
أما صاحب العزة الكاذبة، فيترك العلاقة تنهار، خوفًا من أن يُظهر نقطة ضعف، ويقتل الشوق بالصمت، ويدفن الحب تحت طبقات من التعالي،
ثم يتساءل لاحقًا لماذا خسر كل شيء.
العلاقة تحتاج إلى كبرياء يحترم، لا عزة تنتقم.
الكبرياء الحقيقي يعترف… والعزة الكاذبة تُكابر
الإنسان القوي يعترف بزلاته، يتعلم منها، ويعتذر حين يجب عليه أن يفعل. الاعتذار بالنسبة له تهذيب للنفس،
وليس هزيمة.
لكن صاحب العزة الكاذبة يهرب من الاعتذار،
حتى لو كان مخطئًا، لأن الأنا عنده أهم من الحقيقة. يكابر حتى يخسر، ويُكابر حتى ينكسر، ويُكابر حتى تصبح العزة قيدًا حول عنقه.
الكبرياء الصحيح مسؤولية… والعزة الكاذبة هروب
الكبرياء الحقيقي يُحمّلك مسؤولية اختياراتك، مسؤولية مشاعرك، ومسؤولية كلماتك. حيث تتخذ موقفًا لأنه صحيح، لا لأنه يرفع صورتك أمام الآخرين.
أما العزة الكاذبة فهي هروب من المسؤولية:
هروب من المواجهة، هروب من الاعتذار، هروب من الاعتراف بالحقيقة هي عزلة مغلّفة بالصوت العالي والقرارات المتسرعة.
منبع الفارق… القلب أم الأنا؟
الكبرياء الحقيقي يأتي من القلب الواثق،
من الأمان الداخلي، من الإنسان الذي يعرف قيمته دون تضخيم.
أما العزة الكاذبة فتأتي من الأنا، من الخوف، من الجلد الداخلي، ومن الشخص الذي يحاول طوال الوقت إقناع نفسه أنه قوي، لأنه لا يشعر بالقوة من الداخل، فالأول محبوبٌ ومهاب، أما الثاني… فيبدو قويًا لكنه هشّ كالزجاج.
كيف تميّز بينهما داخل نفسك؟
• إن شعرت بالسلام بعد موقفك، فهو كبرياء صحيح.
• إن شعرت بالفراغ، فهو عزة كاذبة.
• إن حافظت على علاقة رغم الألم لأن قيمتها عالية، فهذا كبرياء راقٍ.
• إن ضحّيت بعلاقة جميلة خوفًا من الاعتذار، فهذه عزة كاذبة.
• إن كان موقفك يُعبّر عن احترامك لنفسك، فهو كبرياء.
• وإن كان يُعبّر عن خوفك من أن تُكشف هشاشتك، فهو عزة زائفة.
في النهاية…
الكبرياء الصحيح هو بذرة النضج في كل علاقة،
وأساس الاحترام بينك وبين العالم.
أما العزة الكاذبة فهي غبار قد يبدو لامعًا،
لكنه يخفي هشاشة لا ترى إلا حين تذروها أول ريح.
تعامل مع نفسك بكبرياء صحيح، احمِ كرامتك، لكن لا تجعل الأنا تقودك. لا تكسر قلبًا يحبك بسبب عزة زائفة، ولا تهدم جسرًا من أجل انتصار مؤقت.
أحبّ نفسك،، لكن لا تُقدّسها، احترمها،لكن لا تعزلها. واعلم أن أعظم قوة يمتلكها الإنسان
هي أن يكون عزيز النفس، دون أن يتعالى،
وكبير القلب، دون أن ينكسر.



