القناطر .. رحلة السياسة من الأتوبيس للصواريخ “تحليل خفي للصراع الإيراني الإسرائيلي”

القناطر .. في مجال السياسة لا يجب ابدا ان تخضع لقاعدة “أن كل عمل سياسي له هدف واحد أو ورائه شخص واحد”.
فأي فعل سياسي أشبه بعائلة أرادت ان تؤجر أتوبيسا للذهاب برحلة الى القناطر و لكن إيجار الاتوبيس غالي على العائله تابع التفاصيل على تريندات.

بقلم / صموئيل نبيل اديب

فتبدأ تسأل الجيران: تروحوا معانا القناطر؟.
جار منهم خاطب وعايز يتفسح مع خطيبته فيقول فرصه.. جار عينه زايغه فيقول : أنا موافق لو الست الحلوة الساكنة في الدور السابع هتطلع معانا.
جار يريد أن يرتاح من الأولاد ويطلعهم الرحلة و يقول لهم اقعدوا هناك طول اليوم و ارجعوا متأخر.

أهداف مختلفة ومتعددة

هكذا عالم السياسة.. كل تحرك ورائه شخصيات مختلفة وأسباب مختلفة حتى وإن اتفق الهدف الظاهري “الذهاب إلى رحلة القناطر”.
ولكن لكل شخص منهم هدف مختلف.. هذا الهدف سيجعل المواضيع متداخلة بشكل كبير، ساوضحه لك عمليا في المثال التالي.

تطبيقا علي ذلك في مسألة تراشق الصواريخ بين إيران وإسرائيل… يظهر السؤال الابرز لماذا رشقت إسرائيل إيران اولا بالرغم من قرب تحقيق اتفاق نووي بين إيران و أمريكا؟ ولماذا لم تسارع أمريكا حتي الان الي مساعدة إسرائيل؟ ومتى تتوقف الحرب؟ ومن المستفيد؟

لذا ساشرح لك تطبيقا عن المثال السابق

1- أمريكا ترغب في إيقاف حرب روسيا أوكرانيا بأي شكل لكي تتحصل من أوكرانيا على العناصر الجيولوجية النادرة التي تريدها أمريكا بعد أن أغلقت الصين تصدير تلك العناصر إلى أمريكا ( العناصر النادره هي عناصر أرضية نادرة جدا تستخدم في كل شئ من بطارية الموبايل حتي الصواريخ توجد بكميات قليلة بالعالم كله.. 30٪ منها موجود في الصين وجزء منها في أوكرانيا ، ترامب يصر على الحصول على هذه المواد بأي شكل من أوكرانيا بدون مقابل تقريبا في مقابل الصواريخ التي اعطتها أمريكا خلال السنتين الماضيتين إلى أوكرانيا.
من أهمية هذه العناصر ان شركة فورد الأمريكية لصناعة السيارات اوقفت احد فروعها بسبب نقص هذه المواد.

لذا يجب إيقاف الحرب روسيا / أوكرانيا.. ولكن بوتين يرفض، لذا يجب أن يتم الضغط عليه وأفضل وسيلة ضغط هي إيقاف توريد الصواريخ و المسيرات إلى روسيا.

من هو أكبر مورد صورايخ و مسيرات؟!

نعم إنها إيران وتركيا.. تركيا توقفت بشكل كبير.
وتبقى إيران ،إذا يجب أن تُجر إيران إلى حرب تستخدم فيها كل صواريخها ومسيراتها حتى لا يبقى أي شئ تعطيه الي روسيا، بالتالي يكون علي بوتين أن يقبل بنهاية الحرب و بالتالي تحصل أمريكا على العناصر النادره و تقف ندا بند أمام الصين مرة أخرى.. هذا أول مستفيد واجابة سؤال لماذا لم تتدخل أمريكا حتى الآن

2- ثاني مستفيد هو الفاسدين في مجلس الوزراء الإسرائيلي .. إذا أنه ومع اقتراب نهاية حرب غزة و موافقة حماس على شروط أمريكا (كما حدث مؤخرا) سيلتفت الشعب الاسرائيلي الى قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو (بعضها قد يسجنه لسنوات ).. لذا في اطالة امد الحرب يعطي فرصه لنتنياهو أن يبتعد قليلا عن قضايا الفساد بكل سهوله

همجية إيران والضحية إسرائيل

3- ثالث مستفيد هو سمعة إسرائيل نفسها.. آخر الاحصائيات تقول ان 50٪ من الشباب الأمريكي يرى أن إسرائيل فاسدة وتسببت في حرب غزة.. اليوم تتباكى إسرائيل بأنها ضحية هجمات إيران.. لذا توافق وتصر إسرائيل علي تصوير المباني المتهمة من القصف و تتباكى أمام الكاميرات، بينما تمنع تصوير اي شئ يخص المباني الحربية أو الجيش حيث ستبقى في الانترنت هذه الفيديوهات التي تصور دمار إسرائيل كشهادة علي قسوة ايران في مواجهة إسرائيل ضعيفة الجناح، بينما لن تجد اي فيديو لاثار الدمار في إيران و غزه.

لانه بعد أشهر قليلة سيكون أمام العالم الصورة التالية (إيران السيئة ضربت مباني السكان الاسرائيليين ودمرتها).
تاكيدا علي كلامي ستجد الجيش يطلب عدم تصوير الأماكن المدمرة، بينما تصور القنوات الإسرائيلية نفسها الأماكن المدمره في ازدواجية تراها غريبه ولكن يسهل تفسيرها بأن السياسيين المسؤولين عن الإعلام يرغبون في استعطاف الشعوب بينما يحافظ الجيش على كرامته.

المنازل وشركات البناء

4- رابع مستفيد هم شركات المقاولات ومصانع الأسمنت وكل ما يتعلق بالعـِماره و الإنشاءات في دول العالم .. وهنا لا اتحدث عن الشركات الصغيرة ولكن اتحدث عن العمالقة.
بسبب كورونا انخفضت نسبة التنمية العمرانية على مستوى العالم كله و انخفضت أرباح هذه الشركات.
لذا فحرب قوية في إسرائيل/ إيران تدمر المنازل و العمارات و الشوارع ستجعل إسرائيل/ إيران تعيد بناء كل ما تهدم و بما ان الممول الأمريكي مستعد ان يدفع لإسرائيل فذلك مكسب كبير جدا لشركات المقاولات و تورتة كبيرة جدا.
تذكر صراع هذه الشركات على إعادة إعمار غزة و الأرقام التي قيلت تجاوزت 100 مليار دولار ..هذا الرقم كفيل بأن تدفع شركات المقاولات الحرب الى اخر قطرة دم إسرائيلى أو إيراني.
واذا تذكرت حرب تحرير الكويت فقد قامت شركات اعمار أمريكية بإعادة بناء الكويت بأرقام فلكية رهيبة حتي انه كان هناك نكته تقول ان الكويت دفعت تكلفة تصليح محطة كهرباء وهي كانت سليمة لم تتدمر!!

5- من أين أتت إيران بهذه القوة؟ اجيبك كالتالي… : إيران و علي كل عيوبها التي يراها الخليج العربي كالشيطان.. الا انها لم تصدر منها اي مشاكل لجيرانها الصين أو باكستان أو روسيا.. بل على العكس.. هناك روابط قوية اقتصادية معهم.. و تعد الحليف الاقوى لهم، فالصين تعتمد على طهران في إنشاء طريق الحرير ( طريق الحرير هو طرق لنقل البضائع تربط الصين بالعالم كله و تحاول أمريكا ان تدمر هذه الطرق، و احد أكبر وسائلها هو “خط الهند السعوديه إسرائيل تركيا” الذي سيلغي قناة السويس المصرية)
و باكستان أيضا التي تتفق مع إيران في كراهية أمريكا وتتعاون معها ضد الهند بشكل غير معلن سياسيا.. و لن نتحدث عن العلاقات الاقتصادية الكبيرة بين روسيا و إيران و يكفي انهم معا في انشاء و تصنيع المسيرات و الصواريخ
لذا فإن محاولة أمريكا تغير نظام طهران إلى نظام يخضع إلى أمريكا يعني دق قنبلة على حدود روسيا و الصين و باكستان، وهو ما لن ترضى عنه هذه الدول ابدا.
وإذا كان بوتين رئيس روسيا قد قام بحرب استمرت سنوات ضد أوكرانيا لمجرد أن أوكرانيا قررت الانضمام الى حلف الناتو.
فكيف ستقبل أي دولة من الثلاثة أن يتم تغير نظام الحكم في إيران.
الأمر الذي ظهر واضحا في المساندة العلنية من رئيس وزراء باكستان لدعم طهران بل و طالب الدول بالتدخل لمساندة إيران.
وبالتأكيد هذه الدول تدعم إيران عسكريا و مخابراتيا و لن ترضى بسهوله بتغير نظام الحكم ابدا، اي سيكون هناك بالتأكيد خسائر كبيرة في صفوف إسرائيل بشكل مباشر

6- من الخاسر.؟.كثيرون.. اولهم الخليج العربي وهو وإن كره إيران و يراها الشيطان الاعظم، و لكنه يعلم جيدا ان ضرب المفاعلات النووية الايرانية سيكون له تأثير مدمر على الشعوب العربية كلها. إذ ان مدي الاشعاع النووي و الغبار النووي سيصل خلال أيام إلى دول الخليج و ستكون النتيجة كارثية من ناحية انتشار الأورام السرطانية و تدمير شعب الخليج.. لذا الخليج مستاء جدا من ضربة إسرائيل الاخيره الي المفاعل النووي الإيراني التي تسببت في حدوث شروخ فيه و سربت اشعاعات لا أحد يعرف مداها حتي الآن، الأمر الذي دفع بعضهم سرا الي التأثير علي أمريكا لإنهاء الحرب فورا
ثانيهم الشعوب الفقيرة.. الحروب ترفع أسعار كل شئ حرفيا بسبب انخفاض كمية البترول التي يتم ضخها في الأسواق و استنزاف الدواء و مواد البناء من السوق العالمي ليتم ضخه في البلدان المتحاربة بينما لا تملك الدول الفقيرة القدرة على شراء الدواء أو الغذاء.. (مثال بسيط حرب أوكرانيا / روسيا سحبت آلاف من علب المضادات الحيوية من الأسواق والتي كان بعضها تذهب إلى الدول الفقيرة كمعونات من الأمم المتحدة.. ويمكن أن تلاحظ ارتفاع أعداد المصابين بين الدول الفقيرة خلال إحصائيات الأمم المتحدة خلال فترات الحروب.

و يبقي السؤال.. متي تنتهي اي حرب؟

الإجابه عندما يكسب كل الأطراف المختفين خلف الشعارات البراقه مثل ( الحرية وجعل العالم أفضل )…

في النهاية، يظل المشهد السياسي والاقتصادي العالمي فسيفساء معقدة تتداخل فيها المصالح والدوافع الخفية.

محاولة فهم هذه العلاقات لا تتم بقراءة العناوين الرئيسية، بل تتطلب الغوص عميقًا في شبكة العلاقات بين الفاعلين المختلفين، وكشف الأهداف غير المعلنة. فليس كل ما يبدو واضحًا هو الحقيقة الكاملة، وتبقى القدرة على التحليل النقدي هي المفتاح لفهم عالم لا يتوقف عن مفاجأتنا بتقلباته.”