الراسل/ الفنان علي عبد العال
المرسل إليه/ سيادة رئيس الجمهورية الزعيم جمال عبد الناصر
محتوىٰ الرسالة (تبرع الراسل بكل ما يملك من أموال سائلة وعقارات ومحلات تجارية ومجوهرات وذلك مساهمة لبناء السد العالي
ومرفق بالرسالة شيك بقيمة كل هذا باسم السيد/ جمال عبد الناصر بصفته رئيس جمهورية مِصر العربية).
اندهش جمال عبد الناصر من هذه الرسالة التي كادت أن تطيش بعقله من هذا الفنان الذي يتبرع بكل ما يملك مساهمة منه لبناء السد العالي، فمن يكون هذا الفنان؟!
ظل يستعلم عن هذا الفنان حتىٰ عرف أنه ذلك الفنان البدين الذي يظهر في أفلام علي الكسار رحمه الله ويظهر بمشهد أو إثنين أو ثلاثة في أفلام كثيرة.
فهو البقال في فيلم “سي عمر” مع نجيب الريحاني، والمنتج مع فريد الأطرش في فيلم “لحن الخلود”، والمخرج في فيلم “ياحلاوة الحب” مع محمد فوزي، والخواجة في فيلم “لحن الوفاء” مع عبد الحليم حافظ.
وعرف عنه أنه فنان بسيط في أدواره علىٰ الشاشة لكنه يملك عن والده محلات تجارية هو وشقيقة الوحيد وهو أحد رجال الجيش المِصري وبالفعل تبرع بكل ما يملك وترك محلًا تجاريًا واحدًا لأهل بيته وهو محل لبيع الأسماك بعمارة إستراند بباب اللوق وكان يتواجد بالمحل يوميًا.
وكانت مفاجأة لكل من علم بهذا الأمر فهو فنان من فناني الظل ولا يعرفه الكثير وأيا كان من ثروته فهو أيضًا لا يريد بتبرعه هذا شهره، فقد إشترط في رسالته ألا يعرف عنها أحد من الصحفيين مما زاد من دهشة جمال عبد الناصر ومن معه، فكانت دهشة مع إعجاب وتقدير لهذا الرجل الوطني الذي عجزت عبارات الشكر والتقدير أن توفيه حقه.
فقد تبرع كثير من الفنانين والمشاهير في مجالات كثيرة لصالح مِصر ولكن لم يكن تبرعهم بكل ما يمتلكون بل بجزء بسيط كان أو كبير، ولكن يظل جزء من ثروتهم ثم أن معظم من يتبرع من مشاهير المجتمع سواء في الفن أو الرياضة أو رجال الأعمال والإقتصاد في الدولة، يحبون أن يُذكر اسمهم علىٰ سبيل الدعاية لأنفسهم أو علىٰ سبيل أن يقتدي بهم غيرهم، ولكن هنا الأمر يختلف تمام الإختلاف في كل شىء فهو فنان مغمور.
يتبرع بكل ما يملك وهو يملك كثير من المال السائل والمجوهرات النفيسة والمحلات التجارية، بل ولا يريد من تبرعه هذا لا دعاية ولا شهرة ولا حتىٰ مجرد ذكر اسمه في جريده أو مجلة وكل ما يملك لم يجمعه من الفن بل من تجارته التي ورثها عن والده.
فهو في الأصل من كبار تجار البلد والفن عنده هوايه فلم يكن له فيلم من بطوله مطلقه وكان يستطيع ولكنه أراد أو أحب أن يكون أحد الوجوه خفيفة الظل الغير متواجده علىٰ شريط السينما بإستمرار، بل وكان يؤمن بعبارة بأن الفن ميأكلش عيش، لما رأىٰ بنفسه من نهايات مأساوية لنجوم الفن الكبار.
وعلىٰ الفور أرسل الزعيم جمال عبد الناصر إليه رسالة يشكره فيها ويطلب أن يتشرف برؤيته في مكتبه.
وقد كان جاء الفنان علي عبد العال لزيارة الرئيس جمال عبد الناصر في مكتبه وكان جمال عبد الناصر في شرف استقباله ومعه المشير عبد الحكيم عامر وعدد كبير من رجال قيادة الثورة والجيش.
وما إن رأىٰ الفنان علي عبد العال هذا الإستقبال المهيب، حتىٰ انهمرت دموعه وأمسك بيد الزعيم جمال عبد الناصر ثم قال له الزعيم جمال عبد الناصر: أضحكت الملايين وأبكيت جمال عبد الناصر بوطنيتك.
ويشاء الله السميع العليم أن يرحل الفنان علي عبد العال بعد عدة أشهر إثر أزمة قلبية مفاجئة يوم ١٨ من شهر نوفمبر لعام ١٩٦١م، وعندما علم الرئيس جمال عبد الناصر بكىٰ عليه ونعاه في الجريدة الرسمية باسمه واسم رجال قيادة الثورة والجيش وباسم مصر وشعبها.
رحم الله هذا الفنان الذي لم نرىٰ مثله في إخلاصه لوطنه فقد أحب بلده فعلًا وليس قولًا دون أي ضجيج.