الغطرسة لإكمال الحرب الأبدية : منطق الغارة الجوية الإسرائيلية على قطر .

الغطرسة لإكمال الحرب الأبدية هي استراتيجية محدثة في الحرب من إسرائيل على الدول العربية ، لإن بطبيعية عندما نسكت أو أي أحد يصمت عبر تاريخ الكيان الإسرائيلي فإنه يقفز من خانة المستعبد لخانة الهدف المحتمل ، و لعل هذا ما طبقته إسرائيل في حروبها التوسيعية و حتى المحدودة باغتبارها مشروعًا خاليًا من أي حدود لتحقيق رؤيته الخاصة ، و بهذا تكون المقاومة الدائمة و المستمرة ردعًا كفيل النتيجة لإنهاء الحرب الجنونية على الإقليم العربي كافة.

 

الكاتب : مصطفى نصار

العنجيهية الفائقة في أوج صورها: مستقبل الحرب المتشائمة على المنطقة بعد ضرب قطر وتونس.

بوقاحة تعدت حدود مفاجأة ضرب إيران ،فاجأ الطيران الصهيوني الجميع بضرب ميناء سيدي بوسعيد في تونس الخضراء لتعطيل أسطول الصمود عن إكمال مسيرته نحو فك الحصار الخانق على غزة، لتتمادى بشكل متوسع ومتمدد وتصل الضربات الغادرة، وكذلك سورية في رسالة كاشفة أنها لا تريد مفاوضات ولا إنهاء حقيقي للحرب الإبادية على غزة حتى تنفذ على الأقل أهدافها المخصصة لجعل العالم العربي صهيونيًا بشكل كامل ودون أي تجميل زائف.

وبطبيعة الحال، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تلك العربدة الإسرائيلية، مثلما فعلت عند قصف إيران المفاجئ المؤدي لحرب ال 12 يوم الفاصل ، كما أشرفت و أدارت كل الرؤى السياسية والدبلوماسية مع صك وعد بلفور مع بريطانيا، لتبلور رسالتين لا ثالث لهما مفادها إما أن تكون خادمًا مطيعًا أو تقصف لتكون عبرة وحيدة ورسالة تهديد لبقية الدول، وهذا ما عبر عنه البروفسور إيلان بابيه في حوار مطول مع مجلة بروسبكبت البريطانية في شهر مايو الماضي أي بعبارة أخرى الذل أو الحرب .

و بتلك الصورة الكاشفة ، ترسخ تلك الضربات الهمجية رسائل هامشية حيوية أيضًا ، على رأسها أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب غير بالطريقة المناسبة على هواه الذي يهرب بها من المحاكمة ، ليعاد انتخابه مرة أخرى عبر محو غزة من على الأرض و حماس بتفكيكها و اغتيال قياداتها السياسية و العسكرية عبر جعل العالم العربي و الإسلامي رقعة شطرنج ، وجبهة حرب مستباحة السماء و مهانة لدركة مخيفة ، تجعل اختيار العرب جميعهم تجنب الحرب أو حتى الردود القوية بطرق سياسية و دبلوماسية ، لتأتيهم الحرب و هم في بيوتهم و مضاجعهم المريحة ذاهبة بالسلام الوردي و الاستقرار الثابت لمهب الريح ، بنفس منطق تلك الدول في الحكم الاستبدادي لشعوبها المقهورة.

ضعف و هشاشة الدبلوماسية الدولية

عطفًا على ذلك ، يرسم هذا الهجوم معادلة سيطرة جديدة شديدة قوامها القوة العسكرية هي اللسان المتحدث بالنيابة عن الشعارات البراقة ، فضلًا عن ضعف و هشاشة الدبلوماسية الدولية في ظل عالم عربي و إسلامي يراد رسمه و إعادة تشكليه القسري ، محققًا بذلك نبوءة د حامد ربيع عن الأمن القومي العربي و خاصة في ظل وضع إقليمي آنذاك كان يتجه بالفعل نحو الانحدار المتهاوي نحو التبعية الكاملة لجهات إقليمية ، إما بالاتفاق المباشر معها مثل حالتي مصر و الأردن في كامب ديفيد و وادي عربة ، أو في حالات أخرى كحالة طوفان الأ

قصى المترقية لعربدة كاملة بلا سقف يطال جميع الدول العربية كلها بلا مواربة بل و صلافة وقحة نابعة من الصمت المخزي و المخجل .

وبالنسبة لمستقبل الحرب الإبادية على غزة، فستتمدد لمناطق جديدة بلا توقف محدد لإنها حرب أبدية صفرية، أو مثلما اتفق عاموس هارئيل في مقال موسع على مجلة الشئون الخارجية في شهر إبريل /نسيان الماضي من العام الجاري، وأكد على نفس الطرح في حوار مطول مع الصحفي المخضرم إسحاق شوستر في مجلة نيويركر ، مشتملًا على أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بلغ أعتى درجات التطر

ف والجنون ما يطرح سؤالًا حيويًا عن تاريخية تلك السياسة الاستعمارية في عقلية الكيان منذ بزوغه الحقيقي في المنطقة منذ 1948م.

 

من تحقيق الأمن القومي عبر التوسع والإرهاب الاستعماري إلى إسرائيل الكبرى …. مستقبل الإسرائيلي المهزوم المدمر ذاتيًا.

في كتابه المثير للجدل و النقدي دولة الإرهاب ، يسلط الباحث الأمريكي المتخصص في الشئون الإسرائيلية توماس سوارزيز على نقطة محورية في الكيان الإسرائيلي ألا و هي اعتماد الكيان على فائض القوة الممنوحة له من الولايات المتحدة المتمثلة في الأسلحة المتقدمة لتستخدمها في تحقيق مصالح الولايات أو الكيان ذاته ، و من ثم سرعان ما تطورت كاستراتيجية حربية كاملة الأركان تسمى ” الهجوم الاستباقي ” مستخدمة إياها عبر التاريخ الإجرامي لها ، متبلورة في عدة أحداث أساسية و مواقف كاشفة مثل العدوان الثلاثي 1956 و نكسة 1967 ، و كذلك الحرب الأهلية اللبنانية في مجازر مثل صبرا و شاتيلا و قانا عامي 1981 و 1987 م .

و تتكون العقيدة الأمنية الإسرائيلية من عدة نقاط مؤسسة على رأسها العقيدة العدائية لجميع العرب لما لهم من باع عدائي و تاريخ كبير من عمليات القتل الممنهج و الوحشية الغاشمة التي نظر لها كبار المنظرين المتطرفين من أول زئيف جابونسيكي و انتهاء بمارتن فان كريفلد واضعي نظريتي الجدار الحديدي ، و الجدار العازل لضمان ضبط المعامل الاستقراري و الحفاظ على الأمن القومي الصهيوني فضلًا عن تحديد مدة قصيرة للحرب المخاضة بطريقة قصيرة خاطفة ، تمكنها من تحقيق أهداف محددة ضخمة في وقت قصير موظفة إياها في حربي 1948 و 1956 محققة أهداف استراتيجية كبرى مثل احتلال فلسطين بنسبة تتخطى النصف و هزيمة الجيوش العربية و ضمان ثبات تحقيق الولاء المطلق و الطاعة المتبادلة لضمان سير المنطقة وفق رغبتهم السياسية و رؤيتهم الاستعمارية .

 

العقيدة العسكرية للكيان الصهيوني

مع تحلل تلك العقيدة في حربي 1967 و بعدها في حرب أكتوبر 1973 ، دأب الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري على دراسة العقيدة العسكرية للكيان الصهيوني اللقيط من بين نقاطها الاستراتيجية و المستقبل المحتمل له مع فلسطين فأخرجه في كتاب متقن محترف معمق “الخيار العسكري العربي ” ، متفقًا مع الدكتور الفذ جمال حمدان في مقال مطول تحت عنوان مستقبل إسرائيل و فلسطين في مجلة الهلال من العام 1957م بأن الكيان سيصل ” لمعادلة مستحيلة ” من الجنون و التطرف تجعل المقاومة المسلحة المستمرة ضده ” كالفرض ما بعد الوضوء ” ،

و بالفعل تحققت تلك اللحظة بكامل تطبيقاتها المتجسدة باستباحة كامل الأراضي العربية و تحقيق مقولة الرئيس الأمريكي ” السلام عن طريق القوة” لإن ببساطة الطوفان أعاد تركيب قسري على نحو دمج مركب لعقيدة ” الذهاب للأمام “مع عقيدة اللاحل التي لا تهدف بمنتهى الوضوح و التجلي إلا عن معرفة حتمية ووقتية للزوال الكامل و نهاية المشروع بطريقة تراجيدية ، أو بعبارة أخرى لا وجود لليوم التالي في عقل نتنياهو بعد انتهاء الحرب

ربط الأمن القومي الأمريكي بالإسرائيلي

ورسمت هذه المفارقة المشكلة طريقين محفوفين بالمخاطر في العقل الخاص بنتنياهو حيث نبهته لضرورة التخلص من جميع القوى الصلبة في الشرق الأوسط لرسم شرق أوسط جديد يحكمه رئيس الكيان عمليًا، وانفرادها القوى والقسري بالحكم لمجموعة دول مدجنة مهجنة بلا قوى سياسية، أو استخباراتية للمنافسة، أو التصادم المبطن، أو العلني مثل غزة وسورية وإيران وتركيا، ليتمم له هدفًا أوحد ألا وهو، وإن كان ملتفًا وماكرًا رسم “إسرائيل الكبرى “بحد تعبير نتنياهو في المقابلة الشهيرة مع شارون غال يوم 21 أغسطس الماضي فضلًا عن ربط الأمن القومي الأمريكي بالإسرائيلي حتى و لو كانت على حساب حليف قوي أو رئيسي مثل قطر في حالتنا أو في حالة إيران العسكرية، و التي غيرت عقيدة الكيان الدفاعية للعقيدة التأسيسية له .

في هذا الصدد، يضفي الهجوم بعدًا مستحدثًا على الإسرائيلي نفسه كسياسة وعسكرية وشخصية قيادية لفكرة حنة أردنت الفيلسوفة الألمانية التي واجهت كيانها المتسمح بدينه واسمها حتى بلغت بها درجة الحدة مع مدرسها الأوحد وأبوها الروحي مارتن هايدجر المناصر وبغرور أعمى لفكرة “الوطن اليهودي الحالم بتحقيقها لإنه خائف على مصيره فدعم هتلر والحركة الصهيونية معًا، لينهي حياته مثل أي لقيط خائف يتوجس خوفه من عودته مشردًا مكروهًا في الأرض بطريقة تقارب و تتطابق بحد السيف مع نهاية إمبراطوريات كبرى في التاريخ الإسلامي و الحديث مثل فيتنام و المكسيك و قوات مانويل نوريغيا التشيلية .

 

التخبط الجنوني

وصل الكيان الإسرائيلي لدرجة كبيرة و عالية من التخبط الجنوني و الفشل المتتالي نتيجة الحائط المنيع الذي تفاقم ليتحول لحوائط حديدية ضده ، مع التأكيد على الانهيار المجتمعي و السردية العالمية تاريخيًا من وجهة نظر الغرب ، فيلجأ لمزيد من العنف الوحشي حتى يسجل مداه لإنه كلما زاد عنف و غطرسة المستعمر قربت نهايته هو و أتباعه ، مثلما أكد الدكتور عبد الوهاب المسيري بشكل متساق و مستمد من تاريخ الدول المستعمرة للآخرين ، و الحريصة للغاية على بقائها على كرسي الحكم ، أو السلطة للخلود أو لحد تحقيق مشروعها .

غطرسة الاحتلال الإسرائيلي

ومن هنا ، إن غطرسة الاحتلال الإسرائيلي لهو إعلان مؤكد و خبر جازم عن بدء نهايته الحتمية في المنطقة بشكل أبدي ، مجسدًا نبوءة صاحب العصا رحمه الله حينما قال ” سنجعله في صدام مع العالم ” و رحل لا فقط ليتركنا حيارى بل لنعرف أن عصاه المباركة كانت رسالة دامعة عن الثبات الصمودي حتى آخر رمق ، فلا سلام حقيقي و لا تنمية و لا حتى حياة حقيقة ترجى نموها في ظلال الكيان اللقيط ، لإنه هو العائق الوحيد أمام الاستقلال الحقيقي ، و ليس استقلالًا جوهره استعمار حتى النخاع كما يؤكد المفكر المهدي الحنجرة في كتابه زمن الذلقراطية ، فقط نحو انطلاق حياتنا للأمام و ليس من قاع لدركة أحط.

 

الذل المركب

فهذا الذل المركب يعانيه نتنياهو أولًا قبيل أي شخص آخر لإنه ببساطة لا يمتلك غير عدة أدوات خبيثة و استراتيجات محدودة ضيقة أذ أنه لا هدنة تتيح الاستباحة الكاملة و حرية القصف و التدمير ، أو ممارسات خبيثة تهدف لإخراج هدنة مصممة في الأساس لخدمة مصلحة أحادية الجانب إن جاز التعبير لإنها تذهب لحتفها بقدميها و لعل هذا ما أشار له باحثين إسرائيلين شتى لن يثنيهم عن آرائهم الثابتة مصلحة مادية أو منفعة شخصية ، منهم فان كريفلد نفسه الذي توقع التفكك الكبير كما أسماه في حوار صحفي مطول قبيل فك الارتباط في عام 2001 ، فكان على رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي مجرم الحرب بنيامين نتنياهو أن ينصت لمنظريه و مفكريه قبل تطابق قسري لخوفين وجوديين أحداهما شخصي ، و الآخر سياسي محض.

فتكلفة العربدة و الغطرسة الأحادية ثمنها فادح ، و أثرها طويل و قصير المدى لكنه متجذر و مترسخ في تاريخ الكيان باعتبارها صمام أمان لحمايته من الخوف الوجودي لعلم كلا الجناحين اليسار و اليمين أن نشأته غير طبيعة و دموية بشكل يفوق الواقع فقط لينال دولة مصطنعة ، ليتفكك بعدها أو يفكك معه المنطقة جمعاء ، فعلى إثر التحالف و التكتل العربي الباهت و الضعيف ، سيظل يتوسع في هجماته الجوية مع حرصه بالتنسيق مع الولايات المتحدة على منع خروج الحرب من يديه .

 

الوقاحة

بوقاحة تعدت حدود مفاجأة ضرب إيران ،فاجأ الطيران الصهيوني الجميع بضرب ميناء سيدي بوسعيد في تونس الخضراء لتعطيل أسطول الصمود عن إكمال مسيرته نحو فك الحصار الخانق على غزة، لتتمادى بشكل متوسع ومتمدد وتصل الضربات الغادرة، وكذلك سورية في رسالة كاشفة أنها لا تريد مفاوضات ولا إنهاء حقيقي للحرب الإبادية على غزة حتى تنفذ على الأقل أهدافها المخصصة لجعل العالم العربي صهيونيًا بشكل كامل ودون أي تجميل زائف.

 

العربدة الإسرائيلية

وبطبيعة الحال، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تلك العربدة الإسرائيلية، مثلما فعلت عند قصف إيران المفاجئ المؤدي لحرب ال 12 يوم الفاصل ، كما أشرفت و أدارت كل الرؤى السياسية والدبلوماسية مع صك وعد بلفور مع بريطانيا، لتبلور رسالتين لا ثالث لهما مفادها إما أن تكون خادمًا مطيعًا أو تقصف لتكون عبرة وحيدة ورسالة تهديد لبقية الدول، وهذا ما عبر عنه البروفسور إيلان بابيه في حوار مطول مع مجلة بروسبكبت البريطانية في شهر مايو الماضي أي بعبارة أخرى الذل أو الحرب .

و بتلك الصورة الكاشفة ، ترسخ تلك الضربات الهمجية رسائل هامشية حيوية أيضًا ، على رأسها أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب غير بالطريقة المناسبة على هواه الذي يهرب بها من المحاكمة ، ليعاد انتخابه مرة أخرى عبر محو غزة من على الأرض و حماس بتفكيكها و اغتيال قياداتها السياسية و العسكرية عبر جعل العالم العربي و الإسلامي رقعة شطرنج ، وجبهة حرب مستباحة السماء و مهانة لدركة مخيفة ، تجعل اختيار العرب جميعهم تجنب الحرب أو حتى الردود القوية بطرق سياسية و دبلوماسية ، لتأتيهم الحرب و هم في بيوتهم و مضاجعهم المريحة ذاهبة بالسلام الوردي و الاستقرار الثابت لمهب الريح ، بنفس منطق تلك الدول في الحكم الاستبدادي لشعوبها المقهورة.

عطفًا على ذلك ، يرسم هذا الهجوم معادلة سيطرة جديدة شديدة قوامها القوة العسكرية هي اللسان المتحدث بالنيابة عن الشعارات البراقة ، فضلًا عن ضعف و هشاشة الدبلوماسية الدولية في ظل عالم عربي و إسلامي يراد رسمه و إعادة تشكليه القسري ، محققًا بذلك نبوءة د حامد ربيع عن الأمن القومي العربي و خاصة في ظل وضع إقليمي آنذاك كان يتجه بالفعل نحو الانحدار المتهاوي نحو التبعية الكاملة لجهات إقليمية ، إما بالاتفاق المباشر معها مثل حالتي مصر و الأردن في كامب ديفيد و وادي عربة ، أو في حالات أخرى كحالة طوفان الأقصى المترقية لعربدة كاملة بلا سقف يطال جميع الدول العربية كلها بلا مواربة بل و صلافة وقحة نابعة من الصمت المخزي و المخجل .

 

الحرب الإبادية على غزة

وبالنسبة لمستقبل الحرب الإبادية على غزة، فستتمدد لمناطق جديدة بلا توقف محدد لإنها حرب أبدية صفرية، أو مثلما اتفق عاموس هارئيل في مقال موسع على مجلة الشئون الخارجية في شهر إبريل /نسيان الماضي من العام الجاري، وأكد على نفس الطرح في حوار مطول مع الصحفي المخضرم إسحاق شوستر في مجلة نيويركر ، مشتملًا على أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بلغ أعتى درجات التطرف والجنون ما يطرح سؤالًا حيويًا عن تاريخية تلك السياسة الاستعمارية في عقلية الكيان منذ بزوغه الحقيقي في المنطقة منذ 1948م.

 

من تحقيق الأمن القومي عبر التوسع والإرهاب الاستعماري إلى إسرائيل الكبرى …. مستقبل الإسرائيلي المهزوم المدمر ذاتيًا.

في كتابه المثير للجدل و النقدي دولة الإرهاب ، يسلط الباحث الأمريكي المتخصص في الشئون الإسرائيلية توماس سوارزيز على نقطة محورية في الكيان الإسرائيلي ألا و هي اعتماد الكيان على فائض القوة الممنوحة له من الولايات المتحدة المتمثلة في الأسلحة المتقدمة لتستخدمها في تحقيق مصالح الولايات أو الكيان ذاته ، و من ثم سرعان ما تطورت كاستراتيجية حربية كاملة الأركان تسمى ” الهجوم الاستباقي ” مستخدمة إياها عبر التاريخ الإجرامي لها ، متبلورة في عدة أحداث أساسية و مواقف كاشفة مثل العدوان الثلاثي 1956 و نكسة 1967 ، و كذلك الحرب الأهلية اللبنانية في مجازر مثل صبرا و شاتيلا و قانا عامي 1981 و 1987 م .

 

العقيدة الأمنية الإسرائيلية

و تتكون العقيدة الأمنية الإسرائيلية من عدة نقاط مؤسسة على رأسها العقيدة العدائية لجميع العرب لما لهم من باع عدائي و تاريخ كبير من عمليات القتل الممنهج و الوحشية الغاشمة التي نظر لها كبار المنظرين المتطرفين من أول زئيف جابونسيكي و انتهاء بمارتن فان كريفلد واضعي نظريتي الجدار الحديدي ، و الجدار العازل لضمان ضبط المعامل الاستقراري و الحفاظ على الأمن القومي الصهيوني فضلًا عن تحديد مدة قصيرة للحرب المخاضة بطريقة قصيرة خاطفة ، تمكنها من تحقيق أهداف محددة ضخمة في وقت قصير موظفة إياها في حربي 1948 و 1956 محققة أهداف استراتيجية كبرى مثل احتلال فلسطين بنسبة تتخطى النصف و هزيمة الجيوش العربية و ضمان ثبات تحقيق الولاء المطلق و الطاعة المتبادلة لضمان سير المنطقة وفق رغبتهم السياسية و رؤيتهم الاستعمارية .

مع تحلل تلك العقيدة في حربي 1967 و بعدها في حرب أكتوبر 1973 ، دأب الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري على دراسة العقيدة العسكرية للكيان الصهيوني اللقيط من بين نقاطها الاستراتيجية و المستقبل المحتمل له مع فلسطين فأخرجه في كتاب متقن محترف معمق “الخيار العسكري العربي ” ، متفقًا مع الدكتور الفذ جمال حمدان في مقال مطول تحت عنوان مستقبل إسرائيل و فلسطين في مجلة الهلال من العام 1957م بأن الكيان سيصل ” لمعادلة مستحيلة ” من الجنون و التطرف تجعل المقاومة المسلحة المستمرة ضده ” كالفرض ما بعد الوضوء ” ،

 

السلام عن طريق القوة

و بالفعل تحققت تلك اللحظة بكامل تطبيقاتها المتجسدة باستباحة كامل الأراضي العربية و تحقيق مقولة الرئيس الأمريكي ” السلام عن طريق القوة” لإن ببساطة الطوفان أعاد تركيب قسري على نحو دمج مركب لعقيدة ” الذهاب للأمام “مع عقيدة اللاحل التي لا تهدف بمنتهى الوضوح و التجلي إلا عن معرفة حتمية ووقتية للزوال الكامل و نهاية المشروع بطريقة تراجيدية ، أو بعبارة أخرى لا وجود لليوم التالي في عقل نتنياهو بعد انتهاء الحرب

ورسمت هذه المفارقة المشكلة طريقين محفوفين بالمخاطر في العقل الخاص بنتنياهو حيث نبهته لضرورة التخلص من جميع القوى الصلبة في الشرق الأوسط لرسم شرق أوسط جديد يحكمه رئيس الكيان عمليًا، وانفرادها القوى والقسري بالحكم لمجموعة دول مدجنة مهجنة بلا قوى سياسية، أو استخباراتية للمنافسة، أو التصادم المبطن، أو العلني مثل غزة وسورية وإيران وتركيا، ليتمم له هدفًا أوحد ألا وهو، وإن كان ملتفًا وماكرًا رسم “إسرائيل الكبرى “بحد تعبير نتنياهو في المقابلة الشهيرة مع شارون غال يوم 21 أغسطس الماضي فضلًا عن ربط الأمن القومي الأمريكي بالإسرائيلي حتى و لو كانت على حساب حليف قوي أو رئيسي مثل قطر في حالتنا أو في حالة إيران العسكرية، و التي غيرت عقيدة الكيان الدفاعية للعقيدة التأسيسية له .

 

الحركة الصهيونية

في هذا الصدد، يضفي الهجوم بعدًا مستحدثًا على الإسرائيلي نفسه كسياسة وعسكرية وشخصية قيادية لفكرة حنة أردنت الفيلسوفة الألمانية التي واجهت كيانها المتسمح بدينه واسمها حتى بلغت بها درجة الحدة مع مدرسها الأوحد وأبوها الروحي مارتن هايدجر المناصر وبغرور أعمى لفكرة “الوطن اليهودي الحالم بتحقيقها لإنه خائف على مصيره فدعم هتلر والحركة الصهيونية معًا، لينهي حياته مثل أي لقيط خائف يتوجس خوفه من عودته مشردًا مكروهًا في الأرض بطريقة تقارب و تتطابق بحد السيف مع نهاية إمبراطوريات كبرى في التاريخ الإسلامي و الحديث مثل فيتنام و المكسيك و قوات مانويل نوريغيا التشيلية .

 

صخرة الإكمال العربدي طريق مميت للغطرسة الإسرائيلية

وصل الكيان الإسرائيلي لدرجة كبيرة و عالية من التخبط الجنوني و الفشل المتتالي نتيجة الحائط المنيع الذي تفاقم ليتحول لحوائط حديدية ضده ، مع التأكيد على الانهيار المجتمعي و السردية العالمية تاريخيًا من وجهة نظر الغرب ، فيلجأ لمزيد من العنف الوحشي حتى يسجل مداه لإنه كلما زاد عنف و غطرسة المستعمر قربت نهايته هو و أتباعه ، مثلما أكد الدكتور عبد الوهاب المسيري بشكل متساق و مستمد من تاريخ الدول المستعمرة للآخرين ، و الحريصة للغاية على بقائها على كرسي الحكم ، أو السلطة للخلود أو لحد تحقيق مشروعها .

 

غطرسة الاحتلال هو نهايته الحتمية

ومن هنا ، إن غطرسة الاحتلال الإسرائيلي لهو إعلان مؤكد و خبر جازم عن بدء نهايته الحتمية في المنطقة بشكل أبدي ، مجسدًا نبوءة صاحب العصا رحمه الله حينما قال ” سنجعله في صدام مع العالم ” و رحل لا فقط ليتركنا حيارى بل لنعرف أن عصاه المباركة كانت رسالة دامعة عن الثبات الصمودي حتى آخر رمق ، فلا سلام حقيقي و لا تنمية و لا حتى حياة حقيقة ترجى نموها في ظلال الكيان اللقيط ، لإنه هو العائق الوحيد أمام الاستقلال الحقيقي ، و ليس استقلالًا جوهره استعمار حتى النخاع كما يؤكد المفكر المهدي الحنجرة في كتابه زمن الذلقراطية ، فقط نحو انطلاق حياتنا للأمام و ليس من قاع لدركة أحط.

 

التفكك الكبير

فهذا الذل المركب يعانيه نتنياهو أولًا قبيل أي شخص آخر لإنه ببساطة لا يمتلك غير عدة أدوات خبيثة و استراتيجات محدودة ضيقة أذ أنه لا هدنة تتيح الاستباحة الكاملة و حرية القصف و التدمير ، أو ممارسات خبيثة تهدف لإخراج هدنة مصممة في الأساس لخدمة مصلحة أحادية الجانب إن جاز التعبير لإنها تذهب لحتفها بقدميها و لعل هذا ما أشار له باحثين إسرائيلين شتى لن يثنيهم عن آرائهم الثابتة مصلحة مادية أو منفعة شخصية ، منهم فان كريفلد نفسه الذي توقع التفكك الكبير كما أسماه في حوار صحفي مطول قبيل فك الارتباط في عام 2001 ، فكان على رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي مجرم الحرب بنيامين نتنياهو أن ينصت لمنظريه و مفكريه قبل تطابق قسري لخوفين وجوديين أحداهما شخصي ، و الآخر سياسي محض.

 

تكلفة العربدة و الغطرسة الأحادية

فتكلفة العربدة و الغطرسة الأحادية ثمنها فادح ، و أثرها طويل و قصير المدى لكنه متجذر و مترسخ في تاريخ الكيان باعتبارها صمام أمان لحمايته من الخوف الوجودي لعلم كلا الجناحين اليسار و اليمين أن نشأته غير طبيعة و دموية بشكل يفوق الواقع فقط لينال دولة مصطنعة ، ليتفكك بعدها أو يفكك معه المنطقة جمعاء ، فعلى إثر التحالف و التكتل العربي الباهت و الضعيف ، سيظل يتوسع في هجماته الجوية مع حرصه بالتنسيق مع الولايات المتحدة على منع خروج الحرب من يديه .

Related posts

مصر تقود حلف الناتو العربي: لمواجهة التحديات الإقليمية

بالتعاون مع إيطاليا.. “التعليم” تعلن فتح التقديم لمدارس الكهرباء لطلاب الإعدادية

ما حكم ترك البسملة في الصلاة.. دار الإفتاء توضح الرأي الشرعي