الرئيسية » العزلة الدولية : إسرائيل معزولة و دولة مارقة في الزاوية .

العزلة الدولية : إسرائيل معزولة و دولة مارقة في الزاوية .

by محمد عجاج زيدان
0 comments

العزلة الدولية : إسرائيل معزولة و دولة مارقة في الزاوية .

الكاتب : مصطفى نصار

فلسطين بين الأوسكار و المسارح العالمية : إعادة تعريف للسردية الفلسطينية باعتبارها قضية عادلة.

على مدار تاريخ الكيان الإسرائيلي ، يحتل المكانة الأبرز و الأكثر أهمية في تناول السردية الخاصة له من مظلوميته التاريخية للمصطلحات المستخدمة في وصفه غربيًا على جميع المستويات الحياتية من السياسة للفكر للأدب و أخيرًا الترفيه البصري و المسموع و أدواته ، و على رأسها هوليود التي دأبت إما على وضع غزة مع المقاومة و الإسلام ككل محل تشويه منحط ينزل فيه من مكانته و قيمته الرفيعة ، و كذلك أي شيء متعلق بغزة فقط بهدف إعادة هندسة الوعي الجمعي و الرأي العام “لصناعة إذعان” محببة للكيان الإسرائيلي بحد تعبير والتر لبيرمان عميد الصحفيين الأمريكيين عقب الحرب العالمية الأولى.

و استمرارًا على منهج عمل هوليوود ، بحسب الباحث السوري أحمد دعدوش في كتابه ضريبة هوليوود ، استثمرت هوليوود مئات الملايين من الدولارات من النقود لصرفها على مسلمين ناقصي التدين أو ضعاف النفوس ، فضلًا عن مئات الأفلام المشوهة للعرب و المسلمين مثل فيلم أكاذيب حقيقة و كذلك فيلم المدمر 3 ، لتنتهي بتصميم النكات السخيفة و الباهتة أو الصمت المطبق على غزة و أهلها مثل فيلم آدم و مسلسل إن سي آي إس الذي يشطين الفلسطيني و يرمزه بصفته شرًا مطلقًا يجب ” محوه أو التخلص منه بشكل لا يتمكن من خلال المشاهد من التعاطف البعيد معه ” بحسب تعبير الناقد الثقافي ويليام جونسون في مقال مطول على موقع ميدل إيست آي .

لكن ، عمليًا و فكريًا ، مع استمرار الإبادة الجماعية و المجازر الوحشية المستمرة على غزة و الضفة الغربية ، حدث شقاق في السردية المؤيدة للكيان المحتل داخل هوليوود بل داخل الثقافة العالمية نفسها حيث استمر فنانون مثل خواكين فينكس و جيمس كاري و براد بيت كتبوا في منصاتهم بكثافة ملحوظة عما ترتكبه إسرائيل ، لكي تنتقل المشاعر و ينزل الدعم للميدان و تصعد القضية الفلسطينية لمسرح الدعم و التتويج الصاعد مثل فيلم لا أرض أخرى المنتج من يوفال إبراهيم و باسل عدرا الفائز بالأوسكار للأفلام الوثيقة ، مع الفوز التاريخي لفيلم صوت هند رجب الذي وقع كلا من الفنانين السالف ذكرهم على وثيقة تفيد بمشاركتهم في الإنتاج التنفيذي للفيلم التسجيلي .

و تزامن ذلك الدعم النفسي و المعنوي و التكريم المتزايد لأول مرة في التاريخ في هذا النطاق الحقيقي مع تزايد عدد المقاطعين للشركات الداعمة أو المتضامنة مع الإبادة الجماعية أو حتى تلك المستفيدة منهم ، وصولًا لإعلان ذلك على الهواء مباشرة في المنصات و خشبات المسارح العالمية مثل إعلان خافيير بارديم الفنان الإسباني عن مقاطعته أي فيلم تنتجه شركة داعمة أو تمول إسرائيل ، و انتهاء بشيوع الملابس و الهتافات و الشعارات المؤيدة و المتضامنة للشعب الفلسطيني ، مثل ارتداء بارديم نفسه في نفس حفل جوائز الجارني للكوفية الفلسطينية ، مع هتاف الممثلة اليهودية الأمريكية هانا إيمنزونسيز في ختام كلمتها لاستلام جائزة إيمي السينمائية “الحرية لفلسطين ” للدلالة على التضامن الرمزي حتى مع شعب قضى عامين تحت النار الحامية و رائحة البارود .

لم تتمكن إسرائيل وفقًا لتلك المواقف القوية و الاستثنائية في علاج الصدع الحادث في السردية لدى نخبة الفنانين و المثقفين لما مثلته من تجسيد مثالي لاختراق منظومة القيم و الأخلاق الغربية التي ” تنبذ وجود الهولوكوست ” غير الوحشية و التوحش الجلي ، الذي ” قلد فلسطين عمومًا ” بحد تعبير الكاتب أدهم مكاري في مقال له على مجلة نيولانز بعنوان معبر بالفعل ” فلسطين على المسرح ” للتعبير عن عزلة ” فنية و ثقافية متنامية ” بحسب الناقد و المخرج السينمائي جوزيف فهيم ضمن سياق أكثر اتساعًا و أكبر بانورامية يتمثل في العزلة الاجتماعية و السياسية لإسرائيل باعتبارها دولة مارقة لا تحترم أي اعتبار قانوني أو أخلاقي مشتمل على القيم الإنسانية نفسها غير القانون الدولي المحترق منذ بداية الإبادة الكارثية .

استثمار أخلاقي يصعب محوه : العزلة الشاملة لإسرائيل عن الغرب جذريًا .

في مقال له على موقع ذا كونفشين ، يقول أستاذ دراسات الصراع و السلام الأمريكي آشر كوفمان أن صور المجاعة الفتاكة في غزة هي ما أشعلت الوتيرة و المناخ العام للحديث و التظاهر المستمر ضد إسرائيل ، و ما يزال نتنياهو آنذاك يهتم بشئونه الخاصة في حين تزايد الاعترافات الشعبية بالحل الوحيد للقضية ألا و هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ، فوضعت على إثرها المسمار الأخير في نعش السمعة الإسرائيلية لتتحول بعدها لدولة مارقة و معزولة غير مرغوب لا في السفر لها ، و لا حتى في ” التعامل البسيط و اليومي مع مواطنيها “.

تعود تلك المعادلة المبسطة و التحول الجذري لما قامت به إسرائيل من إظهار حقيقة التوضيح لواقع الكيان الإسرائيلي النازية التي ظهرت للعلن بكافة تفاصيلها المقيتة و الوحشية التي قتلت هيبة الاحتلال اجتماعيًا ، فضلًا عن تعمد الاحتلال الإسرائيلي إظهاره المعتمد لجانبه الاستعماري و النازع لإنسانية الفلسطينيين ، فلا نزاهة و لا صورة حسنة ” لإن تلك الدماء ستسغرق عقودًا لتمحى ” مثلما قال الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي ، لتنزل العواصم الغربية طيلة العامين السابقين بأعداد كبيرة ، و حشود غفيرة وصلت بعضها ل 700 ألف متظاهر في إيطاليا .

فشملت العزلة الجذرية عدة مظاهر مشتملة مع الغرب الداعم دائمًا على بالفعل منها السعي المحموم على العدالة المطلوبة و الأزمة بغزة خاصة ، فرفع جنوب أفريقيا القضية المشهورة التي تنظر فيها حتى الآن هو دليل على تصدع قانوني و تشريعي مفصل كسر الصورة الذهنية الاعتيادية عن الدولة المحصنة و ” المطبقة ” لأسس القانون الدولي ، بل على النقيض من ذلك استخدمت تلك الصورة لتجنيدها و توظيفها عكسيًا لصالح الاحتلال الإسرائيلي عبر تحويل لقانون استثنائي بطريقة ” الحليف الجلاد ” على حد تعبير ميشيل فوكو في كتاب مولد السياسة الحيوية بطريقة صريحة وواضحة لا لبس فيها .

غير تحرك إسرائيل الدؤوب على تجنيد القانون الدولي ، عملت ، على توسيع اختراقها له باعتبار مكافحة “الإرهاب الفلسطيني ” داخل الأراضي المحتلة ، أي أن تواجه المقاومة بالاستعمار ، لإن توالد فكرة “المواجهة للتوسع ” هي بحد ذاتها ” إرهاب مؤجل ” بتعبير الدكتورة و الباحثة القانونية الفلسطينية مريم شهجندي في مقال على موقع بوسطن ريفيو تحت عنوان جزل ” القانون بصفته مجند : أساليب و طرق إسرائيل في تجنيد القانون الدولي ” فتم على إثرها بنفس القانون تجريم قادة الاحتلال الإسرائيلي و إصدار مذكرات إيقاف و اعتقال لهم من المحكمة الجنائية الدولية .

فعلاوة على تلك الخطوات الاستثنائية ، رمزت الإبادة الجماعية ، و هي بالمناسبة تجسد هولوكوست العصر الحالي كما وصفتها الباحثة و الكاتبة الإسرائيلية أولي نوي في مجلة 972+ في مقال موسع يؤكد أن فكرة إسرائيل ذاتها باتت تعبر في الغرب المتقدم عن كل شيء مقيت و دموي و مريع ، فلجأ للمقاطعة الشاملة و الانفصال التام عن على كل المستويات حتى بالنسبة للتجارة و الألعاب الرياضية مثلما حدث في مباراة النرويج الأخيرة الودية ، و كذلك الولايات المتحدة التي باتت وفقًا لمراسل الجارديان و رئيس مكتبها في وانشطن حالة كبرى من الزخم لقضية فهمت لعقود بظلم فادح و تحيز موتور وصولًا لحالة متقاربة و متصاعدة نحو حالة الدولة المنبوذة ، أي ترك العالم و نفر منها بحد تعبير عدنان حمدان منسق الحركة الفلسطينية في لندن وصولًا للخط المتشابه مع حالة إسبرطة التاريخية منتهية بالسقوط التام .

النهاية الملحمية : إسرائيل هي إسبرطة العصر المعاصر .

لعل من أوقع الخطابات و أصدقها بالفعل لرئيس الوزراء الإسرائيلي و مجرم الحرب بنيامين نتنياهو هو الحديث الموجه و الفاضح لوطأة العزلة الدولية التي تواجه إسرائيل في يوم الاثنين 15 سبتمبر 2025 حيث تحدث عن ضرورة تحول الاقتصاد الإسرائيلي لاقتصاد “أوتجاي “انعزالي مغلق ذاتي الصنع ، مشابهًا الكيان الإسرائيلي بمثيله الدقيق و الوحيد الذي يليق به شكلًا و موضوعًا ألا و هو إسبرطة اليونانية التي أنهكتها الحروب حتى محيت من الوجود.

فتعيش إسرائيل الآن حالة مشابهة لدرجات متقاربة و مستويات مماثلة من حيث الاستراتيجية العسكرية القائمة بالدرجة الأولى على القوة المفرطة و السطوة العسكرية ، ليصرخ محرر الاقتصاد الرئيسي في صحفية هآرتس الإنجليزية ديفيد روزنبيرغ في مقال شديد اللهجة و نقدي ، يوضح مفارقة نقدية في كل الإمبراطورات التاريخية و السياسية عبر التاريخ القديم و حتى الحديث في أن حينما يفقد الأساس الأخلاقي و القيمي ، ظاهريًا فقط في حالتي إسبرطة و إسرائيل ، فالمصير المحتوم هو الميل التلقائي للكفة الأخرى بشكل معمق و ناضج قائم على فهم و استعياب قوي وواضح لمعنى القوة الفارغة و جنون العظمة و “نشوة النصر المفرغ ” بحد تعبير الباحث عابد أبو شحادة فقط لإثبات صورة النصر العسكري.

فكما هي الدورة الحضارية للاستعمارات الغربية القديمة و الحديثة بمختلف أنماطها و أشكالها ، فالحقيقة الكاملة تتجلى في أن كلما زاد الوحشية و القوة الغاشمة و القمع الممنهج ، عزل بشدة و رمي في زاوية نائية لما فقد من شرعية سطحية ، حتى من منظور حقوقي ، فتحقق نبوءة أخرى اتفق فيها الدكتور المسيري و القائد يحيى السنوار في أن كلما زادت وحشية المحتل المستعمر ، عزل عزلًا عنيفًا شديدًا و قربت نهايته المنطقية الوحيدة ، كمثل إسبرطة التي كلما وجهت أزمات داخلية أو افتعلت حجج باهتة ، توجهت لحرب عبثية لا طائل منها ، فكتبت تلك الرؤية العدمية نهايتها الفادحة .

وختامًا ، إسبرطة هي انعكاس حقيقي و صادق للغاية عن حالة إسرائيل الحالية التي كليهما عزل عن محيطه الثقافي و الحضاري ، مع التركيز المكثف على النمط المعتاد للفكر الاستعماري و التوسعي اللامحدود ، فأكلتها تدريجيًا فكرة الحروب الأبدية من بداية الاستثمار و التراكم الأخلاقي لتتضح صورة إسبرطة لأثنيا و اليونان كلها آنذاك فتطوى صفحتها “محطمة مدمرة ” كما يؤكد أستاذ التاريخ العتيق الإسرائيلي إيارد ملارين في مقال له على فورين بوليسي. و انطلاقًا من هذا النقطة ، ستطرق العزلة الدولية تلك المسمار الأخير في فكرة الدولة القوية و الديمقراطية الوحيدة لتظهر بأنها استعمار استطياني إحلالي اقتربت نهايته المحتومة و الوحيد.

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00