ذهب الشاعر والناقد الإنجليزي الشهير أليوت إلى أن ثمة علاقة راسخة وقوية بين الشاعر وموروثه وقد طرح هذه الفكرة فى مقالته المشهورة ( التراث والموهبة الذاتية )
وقد تناول أليوت فى مقالته – التى احدثت دويا فى الساحة الشعرية – علاقة الشاعر بأسلافه الشعراء السابقين له وبتجاربهم وقد أكد فى مقالته أن أفضل مافى عمل الشاعر وأقوى وأكثر أجزاء هذا العمل أصالة هى تلك التى يثبت فيها أجداده الموتى خلودهم، وأنه ليس لشاعر أو فنان فى أى مجال من مجالات الفنون قيمته الكاملة بنفسه وإنما تترتب قيمته على أساس علاقته بالسلف من الشعراء والفنانين ، وأن الحاضر ينبغى أن يعبر إلى الماضى بمقدار ما يوجه الماضى للحاضر ..
فى ضوء هذه الفكرة عكف الرواد على موروثهم الشعرى يحاورونه و ويطورونه عن طريق التفاعل المستمر بين الماضى والحاضر.. الموروث والمكتسب كليهما
ومن هنا وجب التأكيد على حقيقة بديهية بأن القصيدة العامية مثل الفصحى تماما خضعت للتأثير الكبير والتطوير الطبيعى فى البناء الدرامى وظهرت علاقة بين البناء الدرامى للقصيدة العامية الجديدة بالفنون الأخرى لم تكتف بمجرد الاستمداد من تراث القصيدة العربية والعامية وإنجازات القصيدة الحديثة
تطورت القصيدة العامية بعد أن استمدت من التراث الشعرى العربى والعامى والغربى المترجم ومن فنون أخرى غير الشعر ..
فنجد أن هناك تطورا كبيرا طرأ على القصيدة العامية الجديدة التى استمدت واستعارت من الفنون الأخرى مثل القصة والمسرحية ، حيث استعارت من كل منهما بعض أدواتها وآلياتها ، فاستعارت من القصة عناصر القص والإرتداد و المنولوج الداخلى و غير ذلك من آليات الرواية الحديثة كما استعارت من المسرح تعدد الأصوات والصراع والحوار بل انتهى الأمر ببعض القصائد إلى استعارة القالب المسرحى بكل مقوماته حيث يستخدم الشاعر فيها القالب المسرحى بكل آلياته .. الشخصيات والحوار والحدث والصراع .
وقد أدت أستعارة كل هذه الآليات فى قصيدة العامية الجديدة إلى إضفاء طابع درامى على هذه القصيدة حيث تتصارع فى إطارها الأبعاد المتعددة التى تتألف منها الرؤية الشعرية المركبة للشاعر المعاصر وتتفاعل هذه الأبعاد فتكتسب الرؤية رحابة وعمق وثراء .
وقد انتقلت القصيدة المعاصرة إلى الاستعانة من الفنون الأخرى غير الأدبية مثل فن السينما الذي أستفادت من بعض آلياته كالمونتاج السينمائي بمختلف أشكاله ، والسيناريو السينمائي .
أما صلتها بالموسيقى فهى صلة قديمة وحوارها مع تطور القوالب الموسيقية دائم ومستمر وكذلك الأمر بالنسبة للفنون التشكيلية وبخاصة فن الرسم .
تطور الفنون أدى إلى تطور الأدب إما من نفس المؤثر المطور لها أو من تأثيرها هى مباشرة على الشاعر وبالتالى على القصيدة ..
خضعت قصيدة العامية المصرية لنفس عوامل تطوير القصيدة الفصحى ونفس عوامل تطوير الفنون .. السينما والموسيقى والرسم .. وكان نتاج هذا التطور قصائد جديدة يكتبها شعراء جدد ..
أكتفى بهذا القدر وللحديث بقية .. انتظروا مقالى القادم .
العامية_الجديدة_والتراث
عماد_سالم
…………………
المراجع ..
ترجمة مقالة أليوت للدكتورة لطيفة الزيات بعنوان التقاليد والموهبة الفردية
ترجمة أخرى للدكتور فتح خورى بعنوان التراث والموهبة الذاتية
كتاب دراسات نقدية فى شعرنا الحديث د. على عشرة زايد