العالم وأحداثه بين عام مضى وعام آت

عام يرحل ويترك العبر والعظات
نعيش مع أيام عام يتأهب للرحيل؛ إن كان ميلاديًا أو هجريًا فهو محسوب من أعمارنا ومخصوم من عمر العالم البشري، أيام شهدت على أفعالنا وأقوالنا، ربح فيها من فاز بفعل وقول يرضي الله تعالى، وخسر فيها من خسر من أغضب الله بقول أو فعل، وكتبت الحسنات وسجلت السيئات وإن نسيناها فإنه تعالى لا ينسى؛ قال تعالى:

(وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، وهكذا تمر الشهور والأيام والساعات بل تمر اللحظات كم فاجأتنا الأقدار بفقد حبيب، أو فقد مال، أو فقد فرصة عمل، أو منحة دراسية.

بل تفاجئنا بفقد العافية والصحة في لحظة، وتتراكم الأحداث لتعلمنا كثيرًا من العبر والعظات؛ بأن الحياة لا تدوم كثيرًا فأعمار البشر بين الستين والسبعين وقليل من يتعداها، ولعل أحداث مرت بالأمة المسلمة عام 2023م تؤكد لنا حقيقة الحياة بأنها لحظة؛ نعم هي لحظة؛ في لحظة انهارت البيوت على ساكنيها وفي لحظة أباد إعصار قرى بساكنيها.

وفي لحظة اندلعت حربًا ظالمة بين المسلمين والصهاينة لتنهار البيوت بقنابل غاشمة، والعالم يعجز عن تفسير ما يحدث.

وفي مطلع عام 2023م فاجأتنا الأخبار الدولية بفاجعة أحزنت قلوبنا، وحيرت عقولنا، فاجأتنا بزلزال عنيف يهز الأرض من تحب شعب تركيا وسوريا ليدمر البيوت والمنشآت بجميع مجالاتها، وتسبب تدمير المنشآت إلى تشريد عدد لا يحصى ممن باتوا يواجهون برودة الشتاء وثليجه، وسماه خبراء الجولوجيا بأنه زلزال القرن لشدته وقوته التي دمرت 11 محافظة تركية وحوالي خمس مدن سورية، وقدر البنك الدولي خسائر تركيا بحوالي 43مليار دولار، وخسائر سوريا ب5 مليار دولار. ولقد رأينا بأعيننا أهل تركيا ووسريا وقد مات بعضهم تحت الأنقاض، وأصيب البعض بجروح خطيرة، وبعض منهم بمثابة المفقود الذي لم نعلم له حياة أو موت، لنتأمل قول أم المؤمنين رضي الله عنها حيث ذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك: ( أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر ، فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة ؟ فقالت : إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف، غار الله عز وجل في سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا أهدمها عليهم، قال: يا أم المؤمنين، أعذابا لهم ؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالًا وعذابًا وسخطًا على الكافرين)

ولم يهدأ العالم الإسلامي من زلزال الشام وتركيا، وما زال يتنفس الصعداء وتفاجئنا الأرض بهزة عنيفة ثالثة لمملكة المغرب ليضرب مدينة مراكش وسكانها ومنشآتها، إلى أن طالت الهزة بعض ضواحي الدار البيضاء حيث ذكرت وسائل الإعلام -وقتئذ- بأن المغرب قد واجه واحدًا من أشد الأحداث تدميرًا فقد تسببت الهزة في مقتل أكثر من 3000 شخص بالإضافة إلى آلاف المصابين، وفقد الأخرين.

ولقد كرست حكومة المملكة المغربية 12مليار دولار لإعادة تعمير وبناء ما دمره الزلزال. ثم ينتقل بنا غضب الطبيعة إلى إعصار دِرنة في نفس توقيت زلزال مراكش ليتعجب البشر، ويتساءلون عم يحدث للكرة الأرضية؛ ليسقط المطر العنيف على درنة وسكانها في 48ساعة بما يعادل مطر عامين مما أدى إلى تشكيل فيضانات عارمة في منطقة الوديان وعلى صعيد آخر تقابل مياه البحر لتدمر السدين فتتضاعف حجم الكارثة.

حيث ينتهي الإعصار بمزيد من الضحايا بين أموات ومصابين ومفقودين، ومزيد من دمار المنشآت والبنية التحتية لمدينة درنة الليبية.
الحرب ضد غزة وإبادة أهلها
ليقترب عام 2023م من الرحيل فيختتم بحرب الصهاينة الغاشمة ضد أهل غزة التي بدأت منذ زمن بعيد؛ فهي ليست وليدة عام 2023م؛ لنتابع تفاصيل أحداثها في مقالات آتية.
فقد تتوالى بنا الأحداث التي لا يد للبشر فيها؛ لأننا لا نصنع الزلازل والأعاصير بأيدينا بل تُصنع بأفعالنا وأقوالنا التي تغصب الله تعالى لينزل غضبه في إعصار أو زلزال رحمة لمن آمن وخسفًا بمن أذنب وكفر، فالبراكين والزلازل والأعاصير والفيضانات أحداث كونية بين العقوبة والابتلاء والعظة.

وأختم مقالي بما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ويتقارب الزمان وتكثر الزلازل، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج ” قيل وما الهرج يا رسول الله؟

قال: (( القتل القتل )). وها نحن نرى بأم أعيننا كثرتها وتتابعها في هذا الزمن مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم، وتأبى نفوس وقلوب قد أعرضت عن الله تعالى أن تأخذ هذه الزلازل آية وعبرة.
أما أهل غزة وحربهم الدائمة ضد الاحتلال الصهيوني فهي بأيدينا وبصمت مقيت من العالم البشري ولنا في ذلك حديث آخر.

Related posts

التنمر الإلكتروني.. تحديات الجيل الرقمي وتأثيراته على الصحة النفسية للشباب

مدبولى يلتقي عددًا من رؤساء الدول والمؤسسات الدولية في قمة المناخ “كوب29”..تفاصيل 

انتهاك الخصوصية..بين التقدم التكنولوجي وفقدان الأمان الشخصي