الطلاق الصامت.. شبح يهدد الأسرة و المجتمع
بقلم: دكتورة/دليلة مختار
تعاني الأسرة منذ سنوات قليلة ظاهرة دخيلة على مجتمعاتنا العربية ولا سيما الإسلامية، هي ظاهرة الطلاق الصامت أو ما يشار إليها أحيانا بالإنفصال العاطفي أو الطلاق غير الرسمي.
فهو يمثل زواجا في ظاهره أمام الأهل و الأصدقاء و المعارف، و إنفصالا في باطنه بين الأزواج.
العلاقة الاجتماعية
زواج إنتزعت منه أواصر العلاقة الشرعية و الإجتماعية بل و حتى الإنسانية التي بنيت عليها، علاقة تخلو من كل مبادئها وواجباتها المستمدة من الشريعة و السنة المتمثلة في المودة و الرحمة و السكينة و الراحة، التي يحفظ بها النسل و يستقر بها المجتمع.
و لن نتحدث في هذا المقال عن أسبابه لأن كل سبب منها يحتاج إلى مقال منفصل.
العلاقة الزوجية
لقد أصبح مشاعاً أن أسر عديدة مصابة بشرخ في العلاقة الزوجية يتمدد مع الأيام و الشهور بل و قد يدوم لسنوات عديدة لدواعي مختلفة نذكر منها الحفاظ على الأبناء بين أبويهم .
الخوف من اللقب
التخوف من لقب مطلق و مطلقة و إن كان التخوف لدى النساء أكثر منه لدى الرجال لأسباب كلنا نعلمها و هي نظرة المجتمع السيئة للأنثى المطلقة.
و منهم من يبقي على هذه العلاقة بدافع مادي متمثل في ضمان نفقة الزوج على زوجته و أبنائه تخوفها من إختفاء هذا المصدر مع طلاقها خاصة إذا لم تكن تعمل ، و أسباب عديدة تختلف بين هؤلاء الأزواج على الورق فقط، تخفيها جدران البيوت المتصدعة. و لكن إذا ما رأينا عمق و أثر هذه العلاقة التي أراها سامة في معظم الأسر، فإن أول المتضررين منها هم الأبناء، لأنهم يعيشون في أجواء خالية من الدفئ الأسري و المودة و المحبة و الخوف على الآخر و الغيرة.
تربية سوية معدنها متين
التي يتحقق معها تربية سوية سليمة وتأسيس معادن متينة تستمد من المعاملة اليومية لأبويهم لبعض، و التي ينقلونها تلقائيا في تعاملاتهم للمجتمع ,فلنقف هنا برهة.
كيف لهؤلاء الأبناء الذين ترعرعوا في وسط بارد يجهلون فيه العلاقة الحقيقية للزواج -لأنهم لم يروها بين أبويهم-، أن يدركوا عند زواجهم أسسها؟
و هو بالتالي ما يؤثر سلبا على زواجهم مستقبلا بل و قد يصل إلى الطلاق لأنه في هذه الحالة بالذات.
فإن مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه) تكون في محلها، لأن الطفل منذ نشأته يكون كالأسفنجة التي تمتص كل ما يجري حوله، و الأم و الأب يمثلان المصدر الأول و الرئيسي لما يتعلمه الأبناء و يقلدونه. كما أن الأزواج أنفسهم، مما لاشك فيه أن علاقتهم الصامتة عن كل شيء تمثل ضررا لكلاهما، فعلاقتهما لا ترتقي أن يطلق عليهما جيران.
لأن الجار يسأل عن جاره و يزوره بين الفينة و الأخرى ويوده، و لكن الصامتون في البيت يعيشون حياة الأغراب، محملة نفوسهم بالغضب و أحيانا بالكره و الضغينة النفسية تجاه الآخر.
أمراض عضوية ونفسية
بل وقد تصل أحيانا لإصابتهم بأمراض عضوية و نفسية كالإكتئاب تؤدي أحيانا إلى الإنتحار بسبب علاقة يفترض فيها السمو و الإرتقاء بالآخر يملؤها الحب و الإحترام و التقدير و السكينة مصداقا لقوله تعالى: (وَجَعَلنا بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة).
وبنفس المصدر الديني أختم مقالتي بقوله تعالى في كتابه العزيز الحكيم: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ).
فإذا تعذر على الزوجين استمرار العلاقة الزوجية يفضل إنهاؤها و باحترام تام بشكل رسمي حفاظا على ما قد ينتج على استمرارها من أذى يفوق الإبقاء عليها للأسرة و المجتمع.