الزواج بين الواقع والتوقعات: لماذا تفشل قصص الحب بعد الزواج؟
الزواج بين الواقع والتوقعات.. في كل مجتمع، وفي كل زمن، ظل الزواج حلمًا مشتركًا بين البشر. حلم ببناء بيت، وصنع حياة مع من نحب، وتكوين عائلة تكون الملاذ والدافع والغاية.
بقلم : سارة مجدى المغربى
لطالما رسمت الأفلام، والروايات، وحتى القصص الواقعية صورة جميلة للحب الذي يبدأ بنظرات خجولة وينتهي بخاتم في اليد وابتسامة عريضة في الصور التذكارية. لكن ما إن تمر الشهور الأولى بعد الزواج، حتى يبدأ الكثيرون في التساؤل بصوت خافت وربما مؤلم: “ماذا حدث؟ لماذا تبدّل كل شيء؟ لماذا تحوّل الحب الكبير إلى خلافات صغيرة ومتكررة؟”
الواقع أن الفجوة بين التوقعات الحالمة والواقع اليومي قد تكون السبب الأعمق خلف فشل كثير من قصص الحب بعد الزواج. ما يحدث ليس اختفاءً للحب، بقدر ما هو اصطدام عنيف بالاختلافات التي لم تكن واضحة في لحظات الإعجاب، أو التي قرر الطرفان تجاهلها على أمل أن “الحب سيغيّر كل شيء”.
حين يحب اثنان قبل الزواج، غالبًا ما تُسلّط الأضواء فقط على الجوانب الجميلة في كل منهما. يبدأ كل طرف في إظهار أفضل نسخة من نفسه، دون أن يكون ذلك خداعًا بالضرورة، بل مجرد محاولة لكسب الآخر. يُفرط الطرفان في الأحلام، ويتخيلان المستقبل مشرقًا لا غيوم فيه. يتحدثان عن بيت مثالي، وتفاهم مطلق، وتربية نموذجية للأبناء، ونجاح لا يتوقف. لكن الزواج لا يعيش في الخيال، بل على أرض الواقع، حيث تظهر الفواتير، وضغوط العمل، وتدخلات الأهل، وتقلبات المزاج، والاختلافات التربوية، والسلوكيات اليومية الصغيرة التي لم تكن في الحسبان.
ما لا يُقال في الحب قبل الزواج هو أن الزواج ليس استمرارًا للحالة الرومانسية، بل تحوّل كامل في نمط العلاقة. فالشخص الذي كنت تراه في اللقاءات المحدودة، سيصبح معك في كل تفاصيل اليوم: في الصباح المتعكر، والتعب، والملل، والمشاكل المادية، والقرارات الصعبة. وستكتشف أنك لا تحب فقط ابتسامته، بل يجب أن تتعلم كيف تتعامل مع صمته، وعناده، وعاداته التي لم تظهر من قبل.
من جهة أخرى، كثير من المقبلين على الزواج يظنون أن الحب وحده يكفي، دون أن يدركوا أن الحب الحقيقي يُختبر بعد الزواج، حين تُفتح أبواب الواقع، لا أبواب المطاعم والمشاوير والرسائل الطويلة. الحب في الزواج هو أن تُكمل طريقك مع من تحبه رغم التعب، أن تختار أن تفهم بدلًا من أن تغضب، أن تقدم التنازلات دون أن تشعر بالضعف، وأن تُصلح كل ما ينكسر دون أن تنتظر المقابل.
كما أن الزواج يواجه اليوم تحديات جديدة، فرضها عصر السرعة والمقارنة. مواقع التواصل الاجتماعي صنعت لدى البعض صورة مثالية عن الزواج، مليئة بالورود والمفاجآت والسفر والضحك الدائم. هذا الضغط الخارجي يجعل أي لحظة ملل أو خلاف في البيت تبدو وكأنها “دليل على فشل العلاقة”، بينما هي في الحقيقة جزء طبيعي من أي علاقة بشرية صحية. وهكذا، تبدأ المقارنات، ثم الشكوك، ثم الانفصال العاطفي.
أيضًا، قد يفسد الزواج حين يدخله أحد الطرفين بتوقعات غير واقعية عن الآخر. المرأة قد تتوقع أن زوجها سيقرأ أفكارها دون أن تتكلم، أو أنه سيفهم مشاعرها دون أن تشرح. والرجل قد يظن أن زوجته ستكون دائمًا هادئة، مستعدة، ومتفهمة، دون أن يدرك أنها إنسانة تتعب، وتحتاج الدعم، تمامًا مثله. هذا الصدام بين الصورة المثالية والشخص الحقيقي قد يخلق خيبة أمل تُربك العلاقة وتزرع الشك في القلوب.
لكن رغم كل ذلك، لا يعني هذا أن الزواج محكوم عليه بالفشل بعد الحب، بل إن هناك زيجات قوية وناجحة بدأت من حب صادق، وتحوّلت إلى شراكة ناضجة. السر هنا لا يكمن فقط في الحب، بل في الوعي، والاستعداد لتقبّل الآخر كما هو، والقدرة على إدارة الاختلافات، وتقديم الحب من خلال الأفعال اليومية، لا من خلال وعود وردية فقط.
في نهاية المطاف، الزواج ليس نهاية قصة الحب، بل بدايتها الحقيقية. هو نقطة التحوّل من الخيال إلى الحقيقة، من الحلم إلى العمل، من الإعجاب إلى العطاء. وهو اختبار نضج كل طرف، ومرآة حقيقية لقدرته على أن يحب رغم العيوب، ويختار أن يستمر رغم المطبات.
لذلك، قبل أن نقول “نحب”، يجب أن نتعلم أن نقول “نفهم”، “نتقبل”، “نحترم”، و”نستعد للواقع”. فالحب وحده بداية رائعة، لكنه ليس كافيًا لبناء بيت، ما لم يكن هناك إدراك أن الزواج رحلة طويلة، تحتاج إلى وعي أكثر مما تحتاج إلى ورود.